ستواجه الحكومة، وكذلك الشركات المملوكة للدولة في جنوب أفريقيا، صعوبة في اقتراض الأموال، حيث ستزداد رسوم الخدمات المصرفية وإدارة الأصول على الأرجح، إذا أُضيفت الدولة إلى لائحة عالمية تضم دولاً تعاني أوجه قصور في معالجة التدفقات النقدية غير المشروعة.
تعتزم مجموعة العمل المالي "فاتف" (The Financial Action Task Force) التي تُشرف على الامتثال لتدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستُدرج جنوب أفريقيا ضمن ما يُعرف بـ"اللائحة الرمادية"، وذلك خلال الاجتماعات المقرر عقدها بين 20 و24 فبراير الجاري. ويأتي هذا بعد تقييم أُجري في 2019، بعد حقبة استشرى فيها الفساد والكسب غير المشروع، حيث وُجد أن الاقتصاد الأكثر تصنيعاً في أفريقيا يفتقر إلى التدابير الـ11 الفعّالة كافة، واللازمة للتصدي لتدفق الأموال المشبوهة.
رئيس جنوب أفريقيا يعلن عن إصلاحات شاملة لمكافحة الفساد
يعني مثل هذا التصنيف، زيادة الرقابة المالية على جنوب أفريقيا، ومساواتها بدول مثل سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. كما أنه سيؤثر على سمعة دولة تعاني من تدهور اقتصادها وارتفاع معدلات البطالة إلى 32.9% وتراجع تصنيفاتها الائتمانية إلى مستويات غير مرغوب فيها. وقد أجبرت إخفاقات متعلقة بالحوكمة والسياسات أيضاً، الرئيس سيريل رامافوزا على إعلان حالة الطوارئ، نظراً للقيود المفروضة على إمدادات الكهرباء.
عواقب أشد خطورة
يقول بيتر أتارد مونتالتو، رئيس أبحاث أسواق رأس المال لدى شركة الأبحاث "إنتليديكس" (Intellidex)، إن التأثير الفوري لإدراج جنوب أفريقيا ضمن اللائحة الرمادية، سيكون ضئيلاً على الأرجح، لأن المصارف العالمية صنّفت البلاد بالفعل ضمن فئة عالية المخاطر نتيجة مشكلاتها العديدة، حيث قامت الأسواق بتسعير هذه الخطوة بالفعل. أظهر تقرير أصدرته شركة الأبحاث في 2022، أن الدولة معرّضة "بدرجة كبيرة" لاحتلال مكان على هذه اللائحة.
على الرغم من أن اللائحة الرمادية قد ترفع تكاليف التمويل الأجنبي التي تتكبدها الحكومة وتؤثر على التدفقات التجارية، إلا أن الجدارة الائتمانية لجنوب أفريقيا لن تتأثر على الأرجح "بشكل كبير"، بحسب سميرة منساه وذهبية غوبتا، وأوميغا كولوكوت، المحللين في وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز غلوبال".
جنوب أفريقيا تفك قيود القطاع الخاص في محاولة لإنهاء أزمة الكهرباء
ربما تواجه شركات حكومية، مثل شركة الكهرباء "إسكوم هولدينغز" (Eskom Holdings) ومُشغّلة الموانئ والسكك الحديدية "ترانسنت" (Transnet)، عواقب أشد خطورة.
قال محللو "ستاندرد آند بورز"، إن "اختلاس الأموال العامة وسوء الإدارة تسببا في تقويض الشركات الحكومية الرئيسية بالفعل، كما إن اللائحة الرمادية قد تثير مخاوف المستثمرين تجاه احتمال انعدام جدوى الجهود المبذولة لتحسين الحوكمة والرقابة ضدّ الممارسات الفاسدة المتجذرة عبر المؤسسات الكبرى المملوكة للدولة". وأوضحوا أن الأسواق المحلية في جنوب أفريقيا ليست كبيرة بما يكفي لتلبية احتياجات التمويل الخاصة بشركاتها العامة الكبرى.
"اللائحة الرمادية" تضعف حظوظ المغرب بالاقتراض من صندوق النقد
بمجرد دخولها اللائحة الرمادية، سيُنظر تلقائياً إلى المواطنين من أصحاب الحسابات خارج البلاد باعتبارهم عملاء ذوي مخاطر أعلى من قبل المؤسسات المالية التي لديها عمليات خارج البلاد، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من عمليات الرقابة المرهقة، وزيادة التكاليف التي قد تُمرّر إلى العملاء.
تعليقاً على الأمر، قال ويرنر ألبرتس، نائب الرئيس التنفيذي لـ"كابيتال إنترناشونال غروب" (Capital International Group)، إن تكاليف الامتثال للعملاء ذوي المخاطر المرتفعة تعد أعلى بأربعة أضعاف من نظرائهم ذوي المخاطر الاعتيادية.
تبادل المعلومات الاستخباراتية
وقّع الرئيس رامافوزا في ديسمبر على نصين تشريعيين ينُظر إليهما باعتبارهما مهمّين في معالجة مواطن الخلل التي سُلط عليها الضوء من قبل هيئة الرقابة. التزمت سلطات جنوب أفريقيا والولايات المتحدة مؤخراً بتبادل معلومات استخباراتية مالية تتعلق بالتجارة غير المشروعة للحيوانات البرية، والتحقيقات المتداخلة في الفساد عالي المستوى، والاتجار بالمخدرات والمنظمات الإجرامية الدولية.
المنح المالية للمواطنين في جنوب أفريقيا قد تأتي بنتائج عكسية
على الرغم من ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة جنوب أفريقيا على مقاضاة المستفيدين من التدفقات المالية غير المشروعة. نقلت صحيفة "بيزنس داي" عن شاميلا باتوهي، رئيسة مكتب المدعي العام في جنوب أفريقيا، قولها إن وكالات إنفاذ القانون تم تفريغها خلال ما عُرف بالاستيلاء على الدولة، موضحة أن ثمة مؤشرات تدل على أن الدولة لن تفي بكل المتطلبات اللازمة لتجنب إدراجها على اللائحة الرمادية.
أعرب وزير المالية، إينوك غودونغوانا، الشهر الماضي، عن أمله في أن تأتي هذه التعديلات التنظيمية في مصلحة البلاد، على الرغم من أن السلطات لا تزال تدرس كيف أخرجت موريشيوس نفسها من اللائحة في أقل من عامين.
موريشيوس، الدولة الواقعة في المحيط الهندي، كانت وظفت مستشارين دوليين لإدارة جهودها المبذولة للخروج من اللائحة الرمادية. لكن في حالة جنوب أفريقيا، هناك احتمال كبير بأن "انعدام التأثير اللحظي" لمثل هذا القرار سيتيح للساسة في البلاد إعطاء الأولوية للانتخابات الوطنية القادمة في 2024 على الخروج من تلك اللائحة، بحسب مونتالتو من "إنتليديكس".
قال ريتشارد وينرايت، الرئيس التنفيذي لـ"إنفستك بنك" (Investec Bank)، إن المكوث في اللائحة لأكثر من 18 أو 24 شهراً، قد يثير "مشكلات شديدة الخطورة"، مثل خفض مستوى الوصول إلى الدولارات، وربما يؤثر أيضاً على التجارة والاستثمار الأجنبي.