في أحدث سلسلة من التحركات التي تقوم بها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وافقت بورصة العملات المشفرة "كراكن" (Kraken) على دفع 30 مليون دولار لتسوية ادعاءات بخرق ضوابط الهيئة عبر تقديمها خدمة أتاحت للمستثمرين الحصول على مكافآت من خلال "إيداع عملاتهم المشفرة مقابل عائد" (Staking).
تسعى هيئة الأوراق المالية إلى ضم مشغّلي قطاع التشفير في الولايات المتحدة إلى إطار العمل التنظيمي ذاته الذي يحكم بيع كل أنواع الأوراق المالية –أي التعامل مع الرموز بالطريقة ذاتها التي تُعامل بها الأسهم والسندات بشكل كبير.
ما يختلف عن جهود القمع الأخرى، هو أن إيداع العملات المشفرة مقابل عائد يُعتبر سمة رئيسية للعديد من كتل "بلوكتشين" مثل "إيثريوم"، كما إنه مهم للتحوُّل بعيداً عن الأنظمة التي تتطلب كماً هائلاً من الكهرباء بالنسبة إلى عملات مشفرة أخرى.
1) ما هو إيداع العملات المشفرة مقابل عائد؟
تشمل هذه العملية إيداع عملة "إيثريوم" أو عملات مشفرة أخرى لاستخدامها في ما يُعرف باسم نظام الإثبات أو "الموثوقية"، الذي يسهم في إدارة شبكة "بلوكتشين" من خلال ترتيب المعاملات بما يتيح إنشاء سجلات عامة مؤمَّنة.
في سبتمبر الماضي، تحوّلت "إيثريوم" إلى إيداع العملات المشفرة مقابل عائد ليحلّ ذلك محل نظام "إثبات العمل" الذي بدأته "بتكوين" وتستمر في استخدامه.
قطاع التشفير يستحق الإصلاح.. وعلى الجهات التنظيمية التحرك
ويعد تحوّل "إيثريوم" نحو خفض استهلاك الشبكة للطاقة بنحو 99% عن طريق تقنية الدمج، خطوة مهمة للقطاع الذي تعرّض لانتقادات لاذعة بسبب حجم استهلاكه للكهرباء.
2) ما أهمية أنظمة "الإثبات"؟
لن تعمل العملات المشفرة دون سلاسل كتل "بلوكتشين"، وهي تكنولوجيا حديثة نسبياً تقوم بوظيفة قديمة، وهي الحفاظ على دفتر بيانات المعاملات حسب توقيت إجرائها.
الفارق بين ذلك وبين السجلات الورقية، هو أن الدفتر تجري مشاركته على أجهزة الكمبيوتر في كل أنحاء العالم. وعلى كتل "بلوكتشين" تولي مهمة أخرى لا ضرورة لها في عالم النقود المادية، ما يضمن عدم قدرة أي شخص على إنفاق رمز من رموز العملات المشفرة أكثر من مرة من خلال التلاعب بالدفتر الرقمي.
"باول": هناك "حاجة حقيقية" لتنظيم أفضل للعملات المشفرة
تعمل كتل "بلوكتشين" دون وصيّ مركزي مسؤول عن الدفاتر، كالبنوك. ويعتمد كل من نظامي "الموثوقية" و"إثبات الحصة"، على العمل الجماعي لتنظيم وحماية السجل التسلسلي الخاص بأي "بلوكتشين".
3) ما هي أوجه الاختلاف بين النظامين؟
في كل من النظامين، يجري تجميع المعاملات في "كتل" منشورة على "سلسلة" عامة. وفي نظام "إثبات العمل"، يحدث ذلك عندما يضغط النظام البيانات الموجودة بالكتلة في صورة مسألة يمكن حلّها فقط من خلال حسابات التجربة والخطأ التي قد يتطلب حلّها ملايين المرات.
ويؤدي هذه المهمة القائمون على التعدين، الذين يتنافسون ليكونوا أول من يجد حلاً، وتكون مكافأتهم عملات رقمية جديدة إذا اتفق بقية القائمين على التعدين على نجاح الحل. أما نظام "الموثوقية"، فهو يعمل من خلال تقديم مجموعة من الحوافز التي تعمل بسياسة العصا والجزرة إلى الأشخاص لدفعهم إلى العمل معاً على المهمة.
نيويورك تقر قانوناً يحظر تعدين العملات المشفرة مؤقتاً
إليك مثال: بإمكان كل من يقدم، أو يودع، 32 عملة "إيثريوم" (جرى تداول إيثريوم عند نحو 1,519 دولار في 10 فبراير) أن يصبح "مصادِقاً"، فيما يمكن لمن يملكون عدداً أقل من عملات "إيثريوم" أن يصبحوا مصادِقين بشكل مشترك على بلوكتشين "إيثريوم". ويجري اختيار المصادقين لتنظيم كتل المعاملات على بلوكتشين "إيثريوم".
4) ما الدافع وراء إيداع العملات مقابل عائد؟
إذا وافقت لجنة، يُسمى أعضاؤها شهود إثبات، على الكتلة، ويُمنح المصادقون عملات "إيثريوم" جديدة. لكن إذا حاول أحد الأشخاص التلاعب بالنظام، قد يفقد العملات المودعة.
في العادة، يحصل الأشخاص الذين يودعون عملاتهم على مكافأة بعوائد تبلغ نحو 4%، لكونهم مستخدمي خدمة الإيداع مقابل عائد على "إيثريوم".
5) لماذا تعترض هيئة الأوراق المالية على إيداع العملات مقابل عائد؟
طرحت "كراكن" وغيرها من المزودين المركزيين "خدمة إيداع العملات مقابل عائد"، ما يتيح للمستخدمين إيداع عملاتهم دون شراء أجهزة الكمبيوتر المطلوبة لغرض الإيداع أو حتى الاحتفاظ بها.
وتوضح تحركات هيئة الأوراق المالية ضد "كراكن"، أن الهيئة تعتبر هذه الخدمة مماثلة لإقراض العملات المشفرة، حيث يدفع المزودون لمودعي العملات المشفرة أسعار فائدة مرتفعة لإقراضهم عملاتهم. شنّت الهيئات التنظيمية حملة ضد هذه الممارسة في العام الماضي، عندما انهار عدد كبير من شركات الإقراض، مثل "سلزيوس نتوورك" (Celsius Network) و"بلوك فاي" وغيرهما.
كيف تغيّر موقف الجهات التنظيمية بعد انهيار قطاع التشفير؟
تعتبر هيئة الأوراق المالية كلاً من إقراض العملات المشفرة وبرامج إيداع العملات مقابل عائد، بمثابة أوراق مالية، وهو توصيف يفرض نطاقاً واسعاً من المتطلبات التنظيمية التي اعتقد قطاع التشفير أنها لا تنطبق عليه.
ووافقت "كراكن" على إيقاف تقديم أو بيع الأوراق المالية من خلال خدمات إيداع الأصول المشفرة في الولايات المتحدة فوراً، ولم تُقرّ الشركة أو تنفِ الإدعاءات المذكورة في شكوى هيئة الأوراق المالية.
6) ما معنى تصنيف الأصل كورقة مالية؟
ببساطة شديدة، تحديد ما إذا كان أحد الأصول ورقة مالية أم لا، بموجب الضوابط التنظيمية في الولايات المتحدة، يرجع في الأساس إلى مدى مشابهته للأسهم التي تصدرها الشركات بهدف جمع الأموال. لتحديد ذلك، تطبّق هيئة الأوراق المالية والبورصات اختباراً قانونياً تقرّر العمل به بناء على أحد قرارات المحكمة العليا الصادرة في 1946.
ثلاث هيئات تنظيمية أميركية تحذر البنوك من أنشطة التشفير
بموجب إطار العمل هذا، يدخل الأصل في نطاق هيئة الأوراق المالية عندما يشتمل على العناصر الآتية: ضخ المستثمرين للأموال، في نشاط مشترك، بنية التربح، من جهود قيادة المؤسسة. عند تقديم خدمة إيداع العملات مقابل عائد، يودع المستخدمون عملاتهم متوقعين الحصول على عائد عليها في المقابل، فيما يتولى مزوّد الخدمة إدارة الجانب التقني من الأمور.
7) ما أهمية توصيف الأصل كورقة مالية؟
مبدئياً، قد تجعل مثل هذه التوصيفات إدارة برنامج يقدم خدمة إيداع العملات مقابل عائد أكثر تكلفةً وتعقيداً. بموجب ضوابط الولايات المتحدة، ينطوي التوصيف على متطلبات صارمة للإفصاحات وحماية المستثمرين. يؤثر ذلك العبء سلباً على المزودين الأصغر حجماً، مقارنةً بالمنافسين الذين يتمتعون بوفرة أكبر في السيولة.
إضافة إلى ذلك، ستواجه البورصات التي تحاول الاستمرار في تقديم الخدمة تدقيقات مستمرة من جانب الجهات التنظيمية، ما قد يؤدي إلى غرامات وجزاءات، وفي أسوأ الفروض دعاوى قضائية في حال تدخل السلطات الجنائية.
تقرير أميركي يحذر من عمق التشابكات بين قطاع التشفير و"وول ستريت"
وقد يعني ذلك أيضاً فقدان التمويل المستقبلي من المستثمرين الذين قد ينتابهم القلق من الأعباء المتزايدة للتقيد بالضوابط والتدقيقات التنظيمية هذه.
يعتقد مؤيدو زيادة القواعد التنظيمية أن تصنيف الأصول كأوراق مالية سيؤدي إلى مزيد من الشفافية، مع حصول المستثمرين على المعلومات، كما سيضم المزيد من المستخدمين للخدمة في نهاية المطاف.
8) ما الذي قد تعنيه حملة تنظيمية تستهدف إيداع العملات المشفرة مقابل عائد؟
تنطبق الحملة فقط على مزودي خدمات إيداع العملات المشفرة مقابل عائد ممن يركزون على المستخدمين في الولايات المتحدة. عادةً ما يؤمِّن المصادقون من جميع أنحاء العالم على كتل "بلوكتشين"، لذا سيستمرون في العمل، بافتراض أن الجهات التنظيمية في الخارج ستكون أكثر تساهلاً في التعامل مع خدمات هؤلاء المصادقين.
حملة القمع ضدّ قطاع التشفير لا تزال في بداياتها
سيتسبب ذلك في تعميق الفجوة بين التنظيم الصارم في الولايات المتحدة مقابل غيابه بشكل كامل في مناطق أخرى من العالم. هناك أسئلة بشأن ما إذا كان تشديد الضوابط المتعلقة بإيداع العملات مقابل عائد ستكون له تداعيات على ما يُسمى مزودي خدمات الإيداع اللامركزيين، الذين يزعمون أنهم لا يخضعون لتلك الضوابط لأنهم لا يُدارون من قبل شركة معينة أو يتخذون من مكان ما مقراً لهم.
نظرياً، هؤلاء المزودون مجرد تشكيلات من البرمجيات التي تنفّذ المعاملات بشكل تلقائي. لكن العديد من خدمات التمويل اللامركزي هذه تديرها بالفعل مجموعة أساسية من الأشخاص لا يزال بإمكان الجهات التنظيمية محاسبتهم على مخالفة الضوابط.