تواجه باكستان أزمة جديدة في سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي دفعتها مراراً للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي. رغم ذلك، لم تكتمل أغلب خطط الإنقاذ السابقة، البالغ عددها 13 خطة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي في الدولة، إذ لم تقم إسلام أباد بأي تغييرات هيكلية هادفة، للمساهمة في كبح الإنفاق الحكومي أو زيادة الإيرادات.
تشارك حكومة رئيس الوزراء، شهباز شريف، الآن في محادثات لإعادة إحياء أحدث برامجها للاقتراض، الذي تبلغ قيمته 6.5 مليار دولار، بعد وقوع الاقتصاد مرة أخرى في حالة من الفوضى فاقمتها فيضانات مدمرة العام الماضي واستمرار الاضطراب السياسي.
لكن من الصعب توقع المزيد من إجراءات التقشف المطلوبة قبيل الانتخابات العامة في البلاد، والمقرر عقدها في وقت لاحق من العام الجاري.
1) كيف وصلت باكستان إلى هذه الحالة؟
في 2013، وافق رئيس وزراء باكستان آنذاك، نواز شريف، على شروط الحصول على قرض بقيمة 6.6 مليار دولار من صندوق النقد الدولي على مدى 3 سنوات. لكن حكومته فشلت في توسيع نطاق قاعدة الضرائب أو خصخصة الشركات الخاسرة المملوكة للدولة. وبدأ برنامج الإنقاذ الحالي في 2019 على يد رئيس الوزراء آنذاك، عمران خان، الذي عُزل من منصبه خلال تصويت برلماني العام الماضي.
على مدار العامين الماضيين، خرج برنامج القروض ذلك عن مساره 3 مرات على الأقل، إذ سعى كل وزير جديد للمالية لإعادة التفاوض.
وبعد تعيين أحدث وزير للمالية في باكستان، إسحاق دار، في سبتمبر الماضي، توقع دار وصول فريق من صندوق النقد الدولي في أكتوبر لاستئناف المحادثات، لكن الفريق لم يصل حتى أواخر يناير من العام الجاري، وهو تأخير طويل وصفه الوزير بأنه "غير عادي".
2) ما هي طلبات صندوق النقد مقابل خطة الإنقاذ؟
قالت ممثلة صندوق النقد الدولي في باكستان، إستر بيريز رويز، في بيان إنه من المقرر استمرار ما تسمى بالمراجعة التاسعة حتى 9 فبراير.
تركز هذه المراجعة رسمياً على سياسات لاستعادة الاستدامة المحلية والخارجية، بما في ذلك تقوية موقف البلاد المالي. لكن على المستوى العملي، من المتوقع أن يتشاور الجانبان بشأن احتمال رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز – التي تدعمها الحكومة بشكل كبير – إلى جانب فرض ضرائب جديدة.
تسعى المهمة أيضاً لاستعادة قدرة قطاع الكهرباء على الاستمرار وعكس مسار تراكم الدَّين المستمر في قطاع الطاقة. وكانت باكستان قد أرخت قبضتها على عملتها، كما رفعت أسعار الوقود العام الماضي، في خطوات أولية لمحاولة إعادة إحياء خطة الإنقاذ.
على الجانب الآخر، تراجعت الروبية الباكستانية 15% تقريباً في يناير الماضي، وهو أكبر انخفاض شهري لها خلال 34 عاماً على الأقل، وفقاً لبيانات أعدتها بلومبرغ. وفي 3 فبراير الجاري، وصف رئيس الوزراء الحالي، شهباز شريف، شروط صندوق النقد الدولي لتقديم مزيد من الأموال بأنها صارمة و"من الصعب تخيلها".
3) إلى أي مدى تحتاج باكستان لهذا القرض؟
إلى أقصى درجة، حيث هوى الاحتياطي الأجنبي في باكستان إلى قرابة النصف خلال شهر، ووصل إلى 3.1 مليار دولار. ويكفي ذلك المبلغ لتغطية الواردات لأقل من شهر، مقابل المستوى المعياري العالمي البالغ 3 أشهر. كما تعرض التصنيف الائتماني لباكستان لمزيد من التخفيض ليصل إلى ما دون الدرجة الاستثمارية العام الماضي.
هدأت المخاوف من تخلف البلاد عن سداد سندات بقيمة مليار دولار العام الماضي عندما سددتها، لكن السندات الدولارية طويلة الآجال ما تزال متداولة عند مستويات متعثرة.
قفزت أسعار المستهلكين في باكستان إلى أعلى مستوياتها خلال 5 عقود تقريباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع التضخم على مستوى العالم الذي تلا جائحة كوفيد والغزو الروسي لأوكرانيا. كما أن أي صعود في الأسعار مرتبط بصندوق النقد الدولي سيرفع فقط من وتيرة زيادة أسعار المستهلكين.
ليس هذا وحسب، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي للبلاد هو الآخر للنصف، ووصل إلى 2% بعد فيضانات أغرقت نحو ثلث البلاد، كما وصلت تقديرات الأضرار في أكتوبر الماضي إلى 32 مليار دولار.
4) ما وجه الاختلاف هذه المرة؟
ينتظر أن تعقد باكستان انتخابات جديدة بعد أغسطس المقبل، عندما تنتهي فترة ولاية الحكومة. وعلى مدار العصور، اعتاد السياسيون الإنفاق بسخاء لجذب المصوّتين. وأظهرت حكومة شريف، التي تتألف من 13 حزباً سياسياً، معارضتها بالفعل لإجراءات التقشف.
تطلب الأمر شهرين للموافقة على إلغاء بعض مخصصات دعم الوقود بعد تولي شريف منصبه، رغم أن الحكومة لم تلغ الدعم بالكامل مثلما طلب صندوق النقد.
وقال وزير الكهرباء، خورام داستغير خان، إن بلاده لن ترفع أسعار الكهرباء رغم مواجهة الدولة سلسلة من تحديات الطاقة، مثل الشبكة القديمة لنقل الكهرباء التي عانت من انقطاعات متكررة، بما في ذلك انقطاع على مستوى البلاد خلال يناير.
5) هل أمام باكستان خيارات أخرى؟
لا، فالخيارات المتاحة أمامها تقل. حصلت باكستان على تمويل جديد من دول الخليج، لكن هذه الدول رفضت الإقراض منذ العام الماضي إلى أن تتبع الدولة برنامج صندوق النقد الدولي من جديد.
من جانبها، تدرس السعودية تقديم تمويل لباكستان بقيمة ملياري دولار. لكنها أشارت إلى تحول خلال يناير الماضي في طريقة تقديمها مساعدات مالية للدول، إذ جعلت المساعدات مشروطة بوعود هذه الدول بإصلاح اقتصاداتها، فيما يشبه قواعد صندوق النقد الدولي.
قالت باكستان إنها حصلت على تمويل جديد بمليار دولار من الإمارات العربية المتحدة أوائل العام الجاري، كما تتوقع أيضاً تجديد الصين لقرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
ختاماً، ووفقاً لتقرير نشره صندوق النقد الدولي في 2022، تدين باكستان بنحو 30% من ديونها الخارجية -البالغة 30 مليار دولار تقريباً- للصين وحدها. ويُعتبر ذلك 3 أضعاف حجم ديون باكستان لصندوق النقد، وأكثر مما قدمه كل من البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي للدولة.