يعكس تحول بكين المفاجئ من إبداء الأسف إلى التوعد بالرد على المزاعم الأميركية حول منطاد التجسس، الواجب المحليّ على شي جين بينغ لإظهار دفاعه عن الصين في وجه الضغوط الخارجية، ما يضعف بشكل أكبر احتمال عودة العلاقات للمسار الطبيعي قبل ذروة موسم الانتخابات الأميركي.
كان يفترض أن تشكل نهاية الأسبوع الماضية خطوة للأمام مع وصول وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، لبكين في أول زيارة من هذا المستوى منذ أكثر من أربع سنوات، لكن أدى النزاع إلى تبادل التعليقات اللاذعة الحقيقية والمجازية بعد أن فجرت طائرة من طراز "إف-22 رابتور" (F-22 Raptor) منطاداً صينياً عالي التقنية في السماء قبالة ساحل ساوث كارولاينا بصاروخ "إيه آي إم 9 إكس سايدويندر" (Aim-9X Sidewinder).
"رد فعل مبالغ فيه"
وبدلاً من التأكيد على "الحدود" وعقد اجتماعات رفيعة المستوى، بما في ذلك لقاء محتمل مع الرئيس "شي"، انتهى الأمر بـ"بلينكن" بتأجيل رحلته لأجل غير مسمى.
أميركا والصين تتعهدان بتحسين التواصل تجنّباً لتفاقم التوترات
أدانت الصين، التي تقول إن المنطاد كان أداة أبحاث مناخية مدنية انجرفت بشكل غير متوقع فوق الأراضي الأميركية، "رد الفعل المبالغ فيه بوضوح" من جانب الولايات المتحدة عبر قرار استخدام القوة، وقالت وزارة الخارجية في بيان أمس الأحد: "ستحمي الصين بلا هوادة الحقوق والمصالح المشروعة للشركة المعنية، وتحتفظ بحق تقديم مزيد من الردود إذا لزم الأمر".
قال درو تومسون، زميل باحث زائر في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة في سنغافورة: "تخبرنا هذه الحادثة أننا لم نجد أرضية مشتركة للعلاقات.. لا تتجه العلاقة (الأميركية- الصينية) إلى اتجاه إيجابي وقد تتدهور أكثر".
محاولة فاشلة
تأتي ملحمة المنطاد بعد أقل من ثلاثة أشهر على اتفاق الرئيس، جو بايدن، و"شي"، على مواصلة المفاوضات في أول اجتماع مباشر لهما كقائدين لدولتيهما في بالي، وهو انفراج صمد إلى حد كبير رغم الجهود الأميركية لدعم الجيش التايواني، والحد من الوصول الصيني إلى أشباه الموصلات المتقدمة. بينما توقع قليلون إنجازات رئيسية من زيارة "بلينكن" الملغاة، كان يُنظر إليها كمحاولة للحفاظ على الوضع الراهن.
يعتبر هذا الانفراج مهماً لاقتصاد الدولتين، نظراً لصمود الروابط بين الشركات رغم التوتر الحاد، كما كانت التجارة بين الولايات المتحدة والصين على مسار كسر الأرقام القياسية في 2022.
ازدهار التجارة الأميركية الصينية يتحدى أقاويل فك الارتباط
السؤال الآن هو عمَّا إذا كان الطرفان قادرين على إيجاد طريقة للتراجع دون المزيد من التصعيد. استغرق الأمر أسابيع لعودة المحادثات إلى المسار الصيف الماضي بعد أن زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي في ذلك الوقت، نانسي بيلوسي، الديمقراطية والحليفة الرئيسية لـ"بايدن"، تايوان، واستجابت الصين بإطلاق صواريخ فوق الجزيرة ديمقراطية الحكم التي تدعي بكين أنها تابعة لها.
اختبار جديد للعلاقات
قد تُختبر العلاقات مجدداً إذا قرر كيفن مكارثي الجمهوري، رئيس مجلس النواب الجديد، تنفيذ تعهد سابق بزيارة تايبيه. وقد تزيد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وتايوان التوتر أكثر مع مواجهة "بايدن" دعوات من الحزبين لإظهار القوة تجاه بكين.
من جانبه، يواجه "شي" ضغوطاً محلية، إذ يحاول إظهار سيطرته بعد التخلي الدرامي عن استراتيجيته المبتدعة، "صفر كوفيد"، والتي أثارت احتجاجات شعبية في نوفمبر. وسُمح لمقاطع الفيديو التي تصور إسقاط المنطاد بالتداول على نطاق واسع عبر إنترنت الصين الذي يخضع لرقابة شديدة.
الطاقة والرقائق وتايوان.. قضايا شائكة في 2023
كتب أحد المستخدمين: "إنه مجرد منطاد مدني، الولايات المتحدة تستخدم مدفعاً ضد بعوضة" فيما قال آخر: "من المثير للسخرية أن منطاداً ضالاً أخاف الولايات المتحدة إلى هذا الحد، فهل ينبغي للصين أن ترد بالمثل بإسقاط جميع الطائرات أو السفن الأميركية غير المصرح لها التي تدخل المجال الجوي الصيني والمياه الإقليمية من الآن فصاعداً؟".
علاقات معقدة من الآن فصاعداً
قال مسؤول أميركي إن إدارة "بايدن" لم تعط الصين إخطاراً مسبقاً بخطة إسقاط المنطاد. ويتوقع المسؤولون أن تكون العلاقات الأميركية الصينية معقدة من الآن فصاعداً، لكن البلدين قالا إن لديهما أسباباً لوضع الحادثة وراءهما.
قالت ديانا تشويليفا، كبيرة الاقتصاديين في "إينودو إيكونوميكس" (Enodo Economics)، وهي شركة أبحاث مقرها لندن تركز على الصين: "الكرة في ملعب الصين. لكن هل يتحمل "شي" القيام بإيماءة تصالحية واضحة إرضاءً للولايات المتحدة، ما يتيح مجالاً كافياً لإدارة بايدن لاستئناف جهود وضع أرضية للعلاقات سريعة التدهور؟ سنرى".
الصين تنتقد أميركا بشأن سقف الديون وتتهمها بالتخريب المتعمد
قبل يوم واحد من تحول الخطاب، أبدت الصين أسفاً عميقاً بشأن المنطاد قائلة إنها "تأسف على الدخول غير المقصود للمنطاد في المجال الجوي الأميركي بسبب قوة قاهرة"، وفي مكالمة مع "بلينكن"، حذر، وانغ يي، الدبلوماسي الصيني الرفيع، من "التخمين والضجيج اللذين لا أساس لهما"، وحثّ الطرفين على التعامل مع خلافاتهما "بطريقة هادئة ومهنية".
عذر للجانبين لتأجيل الزيارة
قال وانغ ييوي، مدير معهد الشؤون الدولية في جامعة رنمين، ودبلوماسي صيني سابق، إن رد بكين يعكس الطبيعة "الهشة" للعلاقات الأميركية الصينية.
تابع: "وجدت الولايات المتحدة عذراً لتأجيل رحلة بلينكن، أيضاً يقول الجانب الصيني إنهم لم يدعوه.. وهذا لأنهم لم يتوصلوا لاتفاق بعد حول الكثير من الأشياء، ولا تغير الولايات المتحدة سياستها تجاه الصين، لذا وجد الطرفان الآن عذراً لتأجيل الرحلة".
أميركا تسرع الإطار الزمني لشطب شركات صينية من بورصاتها
قال جا إيان تشونغ، أستاذ مساعد للعلوم السياسية في الجامعة الوطنية في سنغافورة، إن بكين كانت تحاول تحقيق ثلاثة أهداف؛ فهي تريد مواصلة التفاوض مع الولايات المتحدة، وأن تبدو قوية أمام الجمهور المحلي، وأن تحافظ على اتساق رد الفعل بعد أن قالت إن المنطاد كان ذا طبيعة مدنية.
أضاف "تشونغ"، مشيراً إلى اسم الصين الرسمي: "الآلية السياسية داخل جمهورية الصين الشعبية تُصعّب عليها أن تكون تصالحية مع الولايات المتحدة، وهم (المسؤولون الصينيون) عليهم أيضاً موازنة المخاوف المحلية بدقة.. وبالنظر إلى الوضع الراهن، حتى لو كانت هناك بعض الرغبة في تحسين التواصل مع الولايات المتحدة، فالنتيجة ليست مفروغاً منها بأي حال من الأحوال".