ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 2.1% رغم تراجع الطلب الأساسي

الاقتصاد الأميركي ينمو 2.9% في الربع الأخير متجاوزاً التوقعات

عامل يحرّك رافعة شوكية داخل إحدة المنشآت الصناعية في فيرجينيا بيتش، بولاية فيرجينيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
عامل يحرّك رافعة شوكية داخل إحدة المنشآت الصناعية في فيرجينيا بيتش، بولاية فيرجينيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

توسع الاقتصاد الأميركي بوتيرة صحيّة في الربع الأخير من 2022، على الرغم من تزايد علامات تباطؤ الطلب الأساسي، فيما تهدّد الزيادات الحادة التي شهدتها أسعار الفائدة، وغير المسبوقة منذ عقود، النمو هذا العام.

أظهر البيانات الأولية لوزارة التجارة الصادرة اليوم الخميس أن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل سنوي بلغ 2.9% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022، بعد نمو بمعدل 3.2% في الربع الثالث. وساهمت زيادة المخزون في نصف هذا النمو المحقق تقريباً، في وقت سجل الإنفاق الحكومي فيه أكبر زيادة له منذ أوائل عام 2021.

في الوقت ذاته، زاد الاستهلاك الشخصي، وهو الجزء الأكبر من الاقتصاد، بوتيرة أقل من المتوقع بلغت 2.1%.

الصورة المتباينة التي يرسمها تقرير وزارة التجارة قد تعني أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يزال في الطريق نحو تحقيق الهبوط السلس، لا سيما أن مسؤولي البنك المركزي يستعدّون لمزيد من تقليص الزيادات في أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، كما يناقشون التوقيت الذي يتوقفون فيه عن رفعها. ارتفع مقياس الأسعار المفضل لديهم بأبطأ وتيرة في عامين، في حين أظهر تقرير منفصل أن طلبات إعانة البطالة ظلت قرب أدنى مستوياتها التاريخية.

تصدّعات متزايدة

تظهر البيانات الاقتصادية الحديثة وجود تصدعات في الاقتصاد آخذة في الاتساع، فقد أظهرت بيانات مبيعات التجزئة والسيارات أن إنفاق الأسر الأميركية بدأ يتراجع. كما أن ضعف سوق الإسكان مستمر، في حين أن بعض الشركات تعيد النظر في خطط إنفاقها الرأسمالي.

في الوقت الذي واصل فيه الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة لضمان القضاء على التضخم، تدهور الإسكان والتصنيع بسرعة، فيما تقوم القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك البنوك وشركات التكنولوجيا، بتسريح جماعي لموظفيها.

أظهرت البيانات بعض العلامات على الضغوط التي تواجه المستهلكين الأميركيين، الذين لم تواكب أجورهم ارتفاع التضخم، ما دفعهم إلى مواصلة خفض مدخراتهم التي راكموها من برامج الدعم الحكومية للإغاثة من تداعيات الجائحة. ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه أعباء زيادة الأسعار وتكاليف الاقتراض المرتفعة، ما يشير إلى توقعات ضعيفة بالنسبة إلى أداء الاقتصاد.

لا نمو من دون استهلاك قوي

قالت ليندسي بيغزا، كبيرة الاقتصاديين في "ستيفل نيكولاس آند كو" (Stifel Nicolaus & Co) في شيكاغو، في تعليق على تليفزيون "بلومبرغ": "عندما ننظر إلى ما يواجه المستهلك، وهو العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، نجد أن في زخم النمو تراجعاً واضحاً". وأضافت: "ببساطة، لا يمكننا أن نتوقع المحافظة على نمو إيجابي من دون أن يكون المستهلكون سعيدين ويتمتعون بالصحة للقيام بعمليات تسوق. وهذا ينطبق على الحديث عن نمو أقوى مماثل" لما تحقق في نهاية العام الماضي.

ارتفع مقياس رئيسي للطلب الأساسي الذي يستبعد مكونات التجارة والمخزونات -المبيعات النهائية المعدلة حسب التضخم للمشترين المحليين- بمعدل سنوي قدره 0.8% في الربع الأخير من العام الماضي، بعد ارتفاعه بمعدل 1.5%. وزادت المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص بنسبة 0.2% فقط، وهي أضعف زيادة منذ الربع الثاني من عام 2020.

دفع إنفاق المستهلكين على الخدمات الاقتصاد إلى تسجيل نمو قوي في الربع الأخير من 2022، لكن الأخبار السارة تنتهي عند هذا الحد. أظهر مقياسان للنشاط الأساسي الذي يستبعد المكونات المتقلبة -بما في ذلك التجارة وتقلبات المخزون والإنفاق الحكومي- نمواً أكثر اعتدالاً إلى حد كبير". - إليزا وينغر، خبيرة اقتصادية.

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

يُظهِر أحدث استطلاع شهري أجرته "بلومبرغ" أن الاقتصاديين يرون أن الاقتصاد يتقلص في الربعين الثاني والثالث، ما يضع احتمالات بنسبة 65% على الركود في العام المقبل.

فتح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على ارتفاع في جلسة اليوم، فيما ارتفعت عوائد سندات الخزانة، ولم يسجل الدولار تغيراً يُذكر بعد صدور تقرير الناتج المحلي الإجمالي وطلبات إعانة البطالة الأسبوعية التي جاءت أفضل من التوقعات، إذ انخفضت إلى 186 ألفاً الأسبوع الماضي، مسجلة أدنى مستوى منذ شهر أبريل.

تباطؤ زيادة الأسعار

أظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس تضخم رئيسي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ارتفع بمعدل سنوي بلغ 3.2% في الربع الأخير، وهو الأبطأ منذ عام 2020، بعدما سجل ارتفاعاً بمعدل 4.3% في الأشهر الثلاثة السابقة.

ارتفع المؤشر الأساسي الذي يستبعد الغذاء والطاقة بمعدل 3.9%، وهو الأبطأ منذ الربع الأول من عام 2021، بعد ارتفاع بنسبة 4.7% في الربعين السابقين، مع الإشارة إلى أن البيانات الشهرية لشهر ديسمبر ستصدر يوم غد الجمعة.

يتماشى هذا الاعتدال في ضغوط الأسعار مع التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفف الأسبوع المقبلة من حملته لتشديد السياسة النقدية، إذ من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. كان صانعو السياسة النقدية قد رفعوا سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس في ديسمبر، بعد زيادات بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعاتهم الأربعة السابقة.

الاقتصاد الأميركي في العام الماضي

توسع أكبر اقتصاد في العالم بمعدل 2.1% في العام الماضي. في عام 2021، عندما تراجع الطلب نتيجة عمليات الإغلاق المرتبطة بالوباء، نما الاقتصاد بمعدل 5.9%، مسجلاً بذلك أفضل أداء منذ عام 1984.

أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي زيادة الإنفاق على الخدمات بمعدل 2.6% على أساس سنوي في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر، وهي أبطأ زيادة منذ الربع الأول من العام الماضي. أما الإنفاق على السلع فزاد بنسبة 1.1%، وهي أول زيادة منذ 2021.

تباطأ الاستثمار في الأعمال التجارية بشكل حاد بعد نموه في الربع الثالث، إذ انخفض الإنفاق على المعدات بمعدل 3.7% على أساس سنوي، وهو أكبر انخفاض منذ الربع الثاني من عام 2020.

أظهر تقرير آخر صد اليوم الخميس أن الحجوزات المسبقة للسلع الرأسمالية غير الدفاعية، باستثناء الطائرات، التي تعبّر عن الاستثمار التجاري، انخفضت بنسبة 0.2% في ديسمبر، وهي أعلى نسبة مسجلة في ثلاثة أشهر.

"لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن آفاق عام 2023. في الولايات المتحدة، بدأت زيادات أسعار الفائدة التي قام بها البنك المركزي في التأثير في التضخم، لكنها أيضاً تنعكس سلباً على مسار نمو الاقتصاد". - ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لـ"غولدمان ساكس غروب"، خلال الإعلان عن أرباح المجموعة يوم 17 يناير. "النشاط الذي نراه يبدو جيداً، لكننا، ومثل أي شخص آخر، نتساءل بقلق: إلى أين سيقودنا ذلك؟". - دانيال فلورنيس، الرئيس التنفيذي لشركة "فاستنال" (Fastenal)، خلال الإعلان عن أرباح الشركة يوم 19 يناير. "إذا كان هناك من مؤشر في قراءة بيانات الأشهر الستة والتسعة الماضية فهو أن المستهلك صامد نسبياً في الولايات المتحدة، وهذا يمنحنا ثقة كبيرة". - أندريه شولتن، المدير المالي في شركة "بروكتر آند غامبل"، خلال الإعلان عن أرباح الشركة يوم 19 يناير. "ما سنراه لن يكون على شكل ركود طبيعي، ولهذا السبب تجدنا نتحدث نحن والآخرون عن ركود معتدل يمكن إدارته بطريقة صحيحة، وهذا هو الأمر المحتمل إن كنا سندخل في ركود". - جين فريزر، الرئيس التنفيذي لـ"سيتي غروب"، خلال الإعلان عن الأرباح يوم 13 يناير.

كيف ينظر المسؤولون التنفيذيون إلى الوضع؟

تراجع الاستثمار في مجال الإسكان بنسبة 26.7% على أساس سنوي، مسجلاً التراجع الفصلي السابع على التوالي. وتراجعت مبيعات المنازل في العام الماضي بأكبر نسبة منذ عام 2008، في ظل ارتفاع معدلات الفائدة على قروض الرهن العقاري.

أظهر التقرير أن التجارة أضافت 0.56% إلى الناتج المحلي الإجمالي، فيما أضافت المخزونات ما نسبته 1.46%.

ستصدر بيانات الدخل المحلي الإجمالي، وهو أحد مقاييس الحكومة الرئيسية للنشاط الاقتصادي، مع التقديرات الثانية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في أواخر فبراير. تستخدم لجنة تأريخ دورة الأعمال التابعة للمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، وهي الجهة الرسمية التي تحدد متى تبدأ دورات الأعمال ومتى تنتهي في الولايات المتحدة، متوسط الناتج المحلي الإجمالي والدخل المحلي الإجمالي، جنباً إلى جنب مع مجموعة من المتغيرات الاقتصادية الأخرى، لتحديد ما إذا كان هناك ركود أم لا.

تصنيفات

قصص قد تهمك