انقضى نحو عامين منذ أن ضربت عاصفة رملية بالمنطقة العربية شبكات الإمداد العالمية، ودفعت سفينة حاويات يبلغ طولها 1300 قدم إلى الجنوح في قناة السويس بمصر.
كان جنوح سفينة "إيفرغيفن" لمدة أسبوع بمثابة تحذير كبير من أن نظام التجارة عالمياً، عكس الاعتقاد، غير مستقر.
منذ ذلك الحين، أدت أزمة الإمدادات الناجمة عن الوباء، وحرب روسيا مع أوكرانيا، والخلاف المتزايد في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى ترسيخ فكرة أن العالم يحتاج إلى شبكات تجارية أكثر مرونة.
مع بدء الصدمات التي تواجه سلسلة التوريد في التلاشي خلال العام الجديد، ستوضح الهشاشة المرتقبة التي سيتم الكشف عنها، مدى تقادم النظام التجاري العالمي خلال عصر تتراجع فيه أكبر دول العالم عن المبادئ التأسيسية للعولمة.
فيما يلي خمسة أشياء ستؤثر على حركة التجارة العالمية خلال 2023:
حرب بايدن التجارية
سيواصل الرئيس جو بايدن تحديد وبلورة سياسة إدارته تجاه الصين بوسائل سيكون لها تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي.
واصل بايدن الحرب التجارية التي أطلقها سلفه دونالد ترمب عندما فرض قيوداً على صادرات القطاعات الصناعية الرئيسية، وقدم أوجه دعم ضخمة أحدثت تشوهات للتجارة، وأبقى على تعريفات جمركية ضد صادرات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات.
من الآن فصاعداً، من المرجح أن تنتهج الولايات المتحدة استراتيجية ذات شقين تتضمن العمل بوتيرة أسرع من خلال دعم الصناعات الأميركية التي توفر فرص عمل، وإبطاء الصين من خلال فرض المزيد من الضوابط القوية على التصدير والحواجز التجارية.
في حين أن هذه السياسات لن تفصل تماماً بين الاقتصادين الأميركي والصيني على المدى المتوسط، إلا أنها يمكن أن تعيد تشكيل العلاقة بشكل أساسي بوسائل تزيد من أسعار المستهلك وتقلل من الإنتاجية عالمياً.
أميركا تسرع الإطار الزمني لشطب شركات صينية من بورصاتها
التوترات عبر المحيط الأطلسي
السؤال الحاسم للعام الجديد هو ما إذا كان بايدن يستطيع إقناع الاقتصادات الرئيسية، وخاصة الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى الاستراتيجية التي تهدف إلى احتواء الصين.
لا زالت الشكوك تساور حلفاء أميركا من الأوروبيين -وخاصة ألمانيا وفرنسا- بشأن استراتيجية بايدن تجاه الصين، كما أنهم هم محبطون من ظهور السياسات الصناعية الأميركية ذات الطائع الحمائي، مثل قانون خفض التضخم وقانون الرقائق والعلوم.
يمثل حل هذه الخلافات أمراً حاسماً للرؤية الاستراتيجية الأميركية على المدى الطويل إزاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ ولاستقرار العلاقة التجارية عبر الأطلسي البالغ قيمتها 1.1 تريليون دولار.
صندوق النقد: الانقسام التجاري قد يكبّد العالم 1.4 تريليون دولار
حرب الدعم العالمية
لم يعد المسؤولون في واشنطن يقفون مكتوفي الأيدي تجاه استخدام بكين خزائنها الحكومية الضخمة لدعم القطاعات الصناعية الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، مثل تقنيات الطاقة النظيفة والمعادن الأرضية النادرة وأشباه الموصلات.
تُنفذ إدارة بايدن حالياً أكبر مبادرات الإنفاق على المستوى الفيدرالي لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة منذ عقود، بعد الموافقة في عام 2022 على حزمة بقيمة 437 مليار دولار تركز على المناخ وبرنامج دعم لأشباه الموصلات بقيمة 52.7 مليار دولار.
تُعطي الحكومات الأجنبية اهتماماً بما يحدث. وتعمل سياسة بايدن في المجال الصناعي -التي تحفز الشركات على نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة- على دفع الصين وأوروبا والاقتصادات الكبرى الأخرى لأن تسلك نفس المسار.
قد يؤدي ما يحدث إلى نشوب سباق عالمي لتقديم الدعم، حيث ستكون الحكومات التي تتمتع بالخزائن المالية الكبيرة هي الفائزة، بينما ستخسر اقتصادات العالم النامي التي تعاني بالفعل من تزايد أعباء الديون.
هل تواجه تعددية الأطراف أزمة؟
يمثل 2023 اختباراً حاسماً لأهمية منظمة التجارة العالمية ونظام قواعدها الذي يحكم نظام التجارة البالغ حجمها 32 تريليون دولار.
تقول إدارة بايدن إنها تريد المساعدة في إحياء منظمة التجارة العالمية، وجعلها أكثر أهمية للتجارة، لكن في الوقت نفسه، ترفض الولايات المتحدة شرعية المنظمة دون اعتذار، باعتبارها جهة محايدة تجاه السياسات التجارية الأميركية- مثل التعريفات التي فرضها ترمب على واردات الصلب والألمنيوم.
لا حاجة للقول إن رؤية المهندس الأصلي لنظام التجارة العالمي يتحرك ضد منظمة ساعدت في الحفاظ على حقبة استمرت 75 عاماً من السلام والازدهار عالمياً، لا يُعدّ فأل خير.
في حال عدم تغيير المسار، فإن قرار إدارة بايدن بتجاهل منظمة التجارة العالمية يمثل نقطة تحول مهمة قد تنذر بالعودة إلى حقبة غلبة سياسات القوة العظمى.
كيف أصبحت القوائم السوداء سلاحاً في الحرب التجارية؟
العودة إلى التكتلات
مع تعثر النظام القائم على التعددية، سيستمر العالم في الاتجاه نحو حقبة جديدة من التكتلات التجارية القائمة بذاتها والمترابطة بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.
هذا التوجه نحو التكتلات التجارية مدفوع جزئياً برؤية إدارة بايدن بتحريك سلاسل التصنيع والإمداد "الصديقة" بعيداً عن الأنظمة الاستبدادية والاقتراب من الاقتصادات القائمة على السوق ذات القيم المشتركة.
من شأن تسارع هذا التوجه، أن يؤدي إلى تحسين الوصول إلى الأسواق وتقليل الحواجز التجارية وراء الحدود لمن هم أعضاء داخل التكتلات، وفي الوقت نفسه زيادة التكاليف وعدم قدرة الدول خارج التكتلات على النفاد.
قد يؤدي هذا الاتجاه أيضاً إلى خفض إجمالي الإنتاج العالمي بنسبة 5%، مما سيحول العالم إلى مكان يواجه الفقر وقلة الإنتاجية.