قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن التحديات الصعبة لا تزال قائمة في معركة بلاده ضد كوفيد-19، واعترف بانقسامات في المجتمع أدت إلى احتجاجات عفوية نادرة، وذلك بعد أسابيع من الصمت حول محور سياسة الفيروس الذي أصاب مئات الملايين ووجه ضربة قاسية إلى النشاط الاقتصادي.
قال شي في خطاب ألقاه بمناسبة العام الجديد يوم السبت إن البلاد في مرحلة جديدة من السيطرة على كوفيد، وقد تكيفت بعد اتباع نهج مستهدف قائم على العلم. ولكنه قال في اليوم السابق إن استراتيجية البلاد قد "جرى تحسينها" لحماية حياة الناس وتقليل التكاليف الاقتصادية.
اتخذت الحكومة في 7 ديسمبر خطوات تخفيف نهائية بعد نهجها القاسي بعدم التسامح مع فيروس كوفيد، الذي تضمن عمليات الإغلاق المفاجئ والاختبارات الجماعية المتكررة والحدود المغلقة إلى حد كبير. استمات شي حتى منتصف أكتوبر في الدفاع عن تلك الاستراتيجية رغم التكاليف الاقتصادية المتزايدة.
ولكن يوم السبت، تناول الزعيم الصيني الصعوبات التي عاني منها الشعب خلال عمليات الإغلاق الصارمة، وكذلك ما يعانيه حالياً من الانتشار السريع لفيروس كوفيد.
قال شي: "منذ أن ضرب فيروس كوفيد-19، وضعنا الناس في المقام الأول ووضعنا الحياة في المقام الأول طوال الوقت". وأضاف: "بجهود استثنائية، تغلبنا على الصعوبات والتحديات غير المسبوقة، ولم تكن رحلة سهلة لأحد. لقد دخلنا الآن مرحلة جديدة من الاستجابة لكوفيد، إذ لا تزال هناك تحديات صعبة".
كان الرئيس يروج لإنجازاته في أكتوبر، عندما حصل على فترة ثالثة في السلطة في مؤتمر للحزب الشيوعي. ومع ذلك، بعد أكثر من شهر بقليل، واجهت حكومته الاحتجاجات الأكثر انتشاراً منذ عقود، إذ تضاعف الغضب الشعبي من استراتيجيته الخاصة بـ"صفر كوفيد".
دون الإشارة مباشرة إلى الاحتجاجات، قال شي في خطابه إنه "من الطبيعي" أن يكون لسكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة مخاوف ووجهات نظر مختلفة بشأن بعض القضايا. وقال: "ما يهم هو أن نبني الإجماع من خلال التواصل والتشاور".
علاوة على تفشي فيروس كوفيد المتكرر، عانى الاقتصاد الصيني في عام 2022 من الركود المستمر في سوق العقارات، وتباطؤ الطلب الاستهلاكي، وتراجع الشهية الخارجية لسلعها.
بيانات سلبية
جاء البث التليفزيوني لشي بعد أن أظهرت البيانات في وقت سابق من نفس اليوم أن النشاط الاقتصادي في ديسمبر قد تقلص عن الشهر السابق بوتيرة هي الأعلى منذ فبراير 2020. كذلك واصلت مبيعات المنازل التراجع في ديسمبر، في حين من المتوقع أن تظهر التقارير المقرر إعلانها هذا الأسبوع ضغوطاً أخرى على قطاعي التصنيع والخدمات.
بينما توقع المحللون تباطؤ النمو في الصين إلى 3% في عام 2022، قال شي إن الناتج المحلي الإجمالي للصين تجاوز 120 تريليون يوان (17.4 تريليون دولار) العام الماضي، مما يشير إلى نمو الاقتصاد بنسبة 4.4% على الأقل.
قال شي: "يتمتع الاقتصاد الصيني بمرونة كبيرة وإمكانيات هائلة وحيوية كبيرة". وأضاف: "ظلت الأساسيات التي تحافظ على نموها طويل الأجل قوية".
يرى الاقتصاديون احتمالاً متزايداً لحدوث انتعاش أسرع وأقوى في وقت لاحق من عام 2023، بعد البداية البطيئة المحتملة في الفترة من يناير إلى مارس، إذ من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 4.8% لهذا العام، وفقًا لمتوسط تقدير الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع "بلومبرغ".
قال هاو تشو كبير الاقتصاديين في "جوتيا جونان إنترناشيونال" (Guotai Junan International) في مذكرة يوم السبت، في إشارة إلى بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لشهر ديسمبر: "في الواقع يصعب على المحللين تقديم توقعات معقولة بالنظر إلى حالة عدم اليقين المتعلقة بالفيروس خلال الشهر الماضي". وأضاف: "نعتقد أن المستثمرين ينظرون إلى ما هو أبعد من أرقام المعنويات هذه، وأن ينتبهوا إلى بيانات النشاط الاقتصادي عالية التذبذب التي من شأنها أن توفر معياراً للتعافي بعد الوباء".
في الوقت الحالي، تقول الصين إنّ لديها آلاف الحالات الجديدة يومياً. لكن هيئة الصحة الحكومية العليا قدرت أن ما يصل إلى 248 مليون شخص، أو ما يقرب من 18% من السكان، من المحتمل أن يكونوا قد أصيبوا بالفيروس في أول 20 يوماً من شهر ديسمبر. وكانت النتيجة اكتظاظ غرف الطوارئ بالمستشفيات وكذلك محارق الجثث.
يمكن أن تشهد البلاد ما يصل إلى 25 ألف حالة وفاة يومياً في يناير بسبب كوفيد، وفقاً لشركة "أيرفينتي" (Airfinity Ltd)، وهي شركة أبحاث مقرها لندن تركز على التحليلات الصحية التنبئية.
ضوء الأمل
قال شي بشأن معركة الفيروس: "دعونا نبذل جهداً إضافياً للمضي قدماً، لأن المثابرة والتضامن يعنيان النصر"، مضيفاً أن "ضوء الأمل أمامنا مباشرة".
يراهن شي على أن انتعاشاً اقتصادياً هذا العام سيساعد البلاد على تجاوز الصدمة، إذ تعهد المسؤولون في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي المكون من 24 عضواً بتنشيط الاستهلاك ودعم القطاع الخاص.
تعهد البنك المركزي الصيني يوم الجمعة بدعم الطلب المحلي والحفاظ على النمو "الفعال" للائتمان. وقال إن السياسة النقدية "ستركز على استقرار النمو والتوظيف والأسعار، فضلاً عن دعم التوسع في الطلب المحلي".
أكد بنك الشعب الصيني مجدداً أنه سيوفر دعماً أقوى للاقتصاد الحقيقي، وسيحافظ على استقرار الأسعار بشكل أساسي، ويزيد الحوافز المستهدفة للمناطق والصناعات الرئيسية التي تضررت من الوباء. وقال أيضاً إنه سيلبي احتياجات التمويل بصورة معقولة لقطاع العقارات، وسيدفع عمليات الدمج والاستحواذ في هذا القطاع إلى الأمام.
قال ديفيد كو من "بلومبرغ إيكونوميكس": "بالنظر إلى ارتفاع الإصابات، سيمر الاقتصاد بوقت عصيب في الأشهر القليلة المقبلة قبل أن تبدأ دفعة إعادة الفتح، على الأرجح في أواخر فبراير أو مارس بعد أن تبلغ الموجة الأولية ذروتها". وقال: "البيانات تعزز وجهة نظرنا بأن مزيداً من الدعم السياسي سيكون وشيكاً، إذ من المحتمل أن يخفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في الربع الأول للمساعدة على استقرار الاقتصاد".