تدهور نشاط الاقتصاد الصيني خلال نوفمبر الماضي قبل أن تتخلى الحكومة بطريقة مفاجئة عن سياسة "صفر كوفيد"، في ظل احتمال أن يتسبب تصاعد حالات الإصابة في الأشهر المقبلة في مزيد من الاضطرابات، وفي دفع صناع السياسة إلى زيادة التحفيز.
كشفت بيانات صادرة عن المكتب الوطني الصيني للإحصاء الخميس أن انكماش مبيعات التجزئة زاد إلى 5.9% في نوفمبر الماضي مقارنة مع السنة الماضية، ما يعد أسوأ من متوسط التوقعات بتراجعها بنسبة 4% في استطلاع رأي لبلومبرج شمل خبراء اقتصاد.
انخفض نمو الناتج الصناعي إلى 2.2% من 5% في أكتوبر الماضي، في حين تراجع معدل نمو استثمارات الأصول الثابتة إلى 5.3% في أول 11 شهراً من العام الجاري. أخطأ كلاهما توقعات خبراء الاقتصاد. وصعد معدل البطالة بحسب استطلاع الرأي إلى 5.7%، وهو المستوى الأعلى منذ مايو الماضي.
موجات كورونا
أوضح ريموند يونغ، كبير خبراء الاقتصاد المختص بالصين الكبرى لدى "أستراليا أند نيوزيلندا بانكينغ غروب" (Australia & New Zealand Banking Group) أنه في ظل تعرض الصين للموجة الأولى من الإصابات عقب رفع القيود، "لم يتحسن الموقف خلال ديسمبر الجاري، ولم يدم طويلاً التعافي الذي أعقب فترة إغلاق شنغهاي بالربع الثالث. على الأرجح لن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير نسبة 3%".
هبط مؤشر "سي إس آي 300" القياسي للأسهم بالصين 0.4% عند الساعة 11:04 صباحاً بالتوقيت المحلي إذ انخفضت الأسهم الآسيوية بنسبة كبيرة. سجلت عوائد السندات الحكومية فئة 10 أعوام تغيراً محدوداً عند 2.89%. تراجع سعر صرف اليوان 0.1% ليجري تداوله عند 6.9607 مقابل الدولار بالسوق الداخلية.
الصين تركز على الطلب المحلي في خطتها الجديدة للنمو
تفاقمت موجات تفشي فيروس كورونا بالصين الشهر الماضي مع تزايد حالات الإصابة بالعاصمة بكين ومناطق أخرى، ما أسفر عن فرض إجراءات أشد صرامة من أجل السيطرة على الفيروسات أدت للحد من عمليات التنقل، وعطلت إنتاج المصانع وألحقت الضرر بمشاعر الثقة.
منذ ذلك الوقت، تخلت السلطات على نحو مفاجئ عن استراتيجية صفر كوفيد طويلة الأجل، ما أسفر عن تزايد حالة عدم اليقين أكثر من خلال توقعات النمو في ظل انتشار العدوى على نطاق أوسع. تدلل البيانات المتواترة على غرار أعداد قطارات الأنفاق وحركة المرور فعلياً على حدوث تباطؤ في بكين ومناطق أخرى.
سيحرر التخلي سريعاً عن قيود كوفيد في نهاية الأمر النشاط الاقتصادي ليصل إلى التعافي. لكن الأزمات الفورية الناجمة عن تفشي المرض تعني أن الطريق سيكون وعراً تماماً خلال الشهور المقبلة. عزل الصعود السريع لحالات الإصابة الناس في منازلهم إما بسبب الإصابة بالمرض أو لتفادي العدوي بكوفيد. يعد وقوع اضطرابات في الإنتاج والاستهلاك امراً حتمياً. نرى احتمالاً ضعيفاً لتخفيف حدتها على الأقل حتى بلوغ عدد حالات الإصابة مستوى الذروة. -- تشانغ شو واريك تشو خبيرا اقتصاد
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
صمود الاقتصاد
قال المكتب الوطني الصيني للإحصاء في بيان: "صمد الاقتصاد أمام ضغوطات عديدة غير متوقعة بنوفمبر الماضي وحافظ على القوة الدافعة للانتعاش ويعمل عموماً داخل نطاق معقول".
أضاف: "لكن البيئة العالمية تتحول بصورة متفاقمة لتصبح كئيبة ومعقدة، و تعافي الاقتصاد المحلي لا يقوم على أساس صلب". دعا البيان لتعزيز ثقة السوق ولتطبيق التدابير الحكومية الداعمة للنمو.
الصين تضع خططاً اقتصادية للتحول من نهج "صفر كوفيد" إلى النمو
مبيعات السيارات، وهي تشكل جزءاً رئيسياً في مبيعات التجزئة ونقطة مضيئة نادرة في الإنفاق الاستهلاكي خلال السنة الجارية، انخفضت بنسبة 4.2% بنوفمبر الماضي بالمقارنة بنفس الشهر في السنة الماضية، في أول هبوط لها في 6 شهور. وكشفت بيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاء عن أن إنتاج السيارات تراجع أيضاً لأول مرة منذ مايو الماضي، إذ تقلص بنسبة 9.9% الشهر الماضي بالمقارنة مع نفس الشهر في السنة السابقة.
اضطرابات أكثر
بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاء، فإن تفشي مرض كوفيد في كافة أنحاء البلاد أسفر عن الحد من خروج الناس وتراجع الإنفاق الاستهلاكي. هبطت مبيعات الملابس والأحذية ومنتجات المنسوجات والأجهزة المنزلية وأجهزة الاتصالات بنسبة تفوق 10%. وتراجع الإنفاق في المطاعم بنسبة 8.4% على أساس سنوي مع فرض قيود على تناول الطعام داخل المطاعم ببعض المناطق، بحسب البيانات.
"غولدمان ساكس": طريق الصين لإعادة فتح اقتصادها ستكون صعبة
هَوَت مبيعات المنازل 31% مقارنة بالسنة السابقة، مقارنة مع التراجع بنسبة 23% بأكتوبر الماضي، وفق تقديرات بلومبرغ القائمة على بيانات رسمية، ما يؤكد استمرار الهبوط في سوق العقارات رغم سياسة الدعم المطبقة مؤخراً. وانخفضت أسعار المنازل الجديدة في 70 مدينة 0.25% الشهر الماضي بالمقارنة مع أكتوبر، وتقلصت مبيعات مواد البناء والتشطيبات بنسبة 10% على أساس سنوي، بينما تراجع حجم الاستثمار العقاري 20% تقريباً.
حوافز اقتصادية
يتوقع خبراء الاقتصاد وقوع اضطرابات أكثر خلال الشهور المقبلة، قبل تعافي محتمل بالنصف الثاني من السنة المقبلة. زاد البعض من توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المقبلة، إذ إن عملية إعادة فتح اقتصاد الصين ستعزز إنفاق المستهلكين والشركات، وعلى الأرجح ستضيف الحكومة حوافز أكثر.
في سياق منفصل، ضخَّ بنك الشعب الصيني الخميس سيولة مالية أكثر بالنظام المصرفي فاقت التوقعات ضمن عملية شهرية لضخ سيولة للمساهمة في تخفيف ضغوط أسواق المال في ظل تراجع السندات. ربما يساعد ضخ 150 مليار يوان (ما يعادل 22 مليار دولار) أيضاً على تسهيل عملية الإقراض بالاقتصاد لدعم التعافي.
الصين تدرس إعلان هدف 5% للناتج المحلي مع تحول التركيز للنمو
قال تشو هاو، كبير خبراء الاقتصاد في "غوتاي جونان إنترناشيونال هولدينغز" (Guotai Junan International Holdings): "تدلل بيانات النشاط الضعيفة على أن السياسة النقدية تحتاج لتيسير أكثر من أجل إحياء القوة الدافعة للنمو، ومن المتوقع أن يخفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة على قروض البنك المركزي مدة سنة بمقدار 10 نقاط أساس خلال الربع الأول من 2023.
الأولوية للنمو الاقتصادي
أشار كبار المسؤولين فعلاً إلى أن التركيز خلال السنة المقبلة سينصب على تدعيم الاقتصاد عوضاً عن السيطرة على حالات الإصابة بمرض كوفيد، مما يشير إلى أن فرض تدابير مالية ونقدية أكثر ربما يكون مطروحاً. ومن المنتظر أن يجتمع المسؤولون الخميس في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لمناقشة الأهداف الاقتصادية للسنة المقبلة.
تشير التوقعات إلى أن معدل نمو الاقتصاد العام الجاري سيهبط إلى ـ3.2% فقط، ما يعد المعدل الأضعف من سبعينيات القرن الماض فيما عدا فترة الركود المرتبطة بالوباء في 2020.