حلّت اليابان جيشها ونبذت الحرب بعدما تعرضت للقصف والفقر واستسلمت في الحرب العالمية الثانية، وكرست جهودها بدلاً عن ذلك للتطوير الاقتصادي بموجب دستور مناهض للحرب.
بعد أكثر من 7 عقود على ذلك، أثار الغزو الروسي لأوكرانيا قلق حزب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الحاكم، ما دفعه للدعوة إلى مضاعفة الإنفاق الدفاعي على مدى 5 سنوات. وأدى تصاعد التوترات مع الصين بشأن تايوان، إلى زيادة الشعور بأن هذا الأمر بات ملحاً.
1) هل تمتلك اليابان جيشاً؟
نعم ولا. تنفق الدولة أكثر من 5 تريليونات ين (36.2 مليار دولار) سنوياً على ما تشير إليه باسم "قوات الدفاع الذاتي". لدى قوات الدفاع الذتي تلك، قرابة 231 ألف فرد ومعدات مذهلة، تشمل طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع ضد الصواريخ الباليستية.
لكن هناك قواعد صارمة بشأن ما هو مسموح لهذه القوات بأن تقوم به. وشكك الباحثون في شؤون القانون في حق اليابان حتى في وجود تلك القوات بموجب الدستور الذي صاغته الولايات المتحدة المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت إحدى المهام التأسيسية للحزب الليبرالي الديمقراطي، مراجعة تلك الوثيقة، لكنه لم يقم بذلك بعد رغم أنه حكم تقريباً بشكل شبه متواصل منذ عام 1955.
2) كيف تدافع اليابان عن نفسها؟
أصبحت اليابان والولايات المتحدة حليفتين رسمياً بعد الحرب، ما يعني أن اليابان ظلت تحت حماية "المظلة النووية" للولايات المتحدة، وسط تهديدات من جارتيها، الصين وكوريا الشمالية. ما تزال هناك عشرات الآلاف من القوات الأميركية متمركزة في اليابان، وهي مدعومة من دافعي الضرائب اليابانيين.
في عام 2022، ساءت العلاقات مع روسيا القريبة منها، بعدما انضمت اليابان إلى الولايات المتحدة وأوروبا في فرض عقوبات بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهذا فضلاً عن أن طوكيو وموسكو على خلاف مع بعضهما البعض منذ عقود بشأن 4 جزر صغيرة تقع بين البلدين.
3) ماذا تفعل قوات الدفاع الذاتي؟
كان دور هذه القوات في البداية مقتصراً على درء أي غزو. بدأت اليابان إجراء تغييرات بعدما اتُّهِمت بـ"دبلوماسية دفتر الشيكات" لمساهمتها بـ13 مليار دولار خلال حرب الخليج في 1990-1991، لكن دون إرسال قوات للمشاركة في الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية من الكويت.
بعد ذلك، شاركت في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كامبوديا، وأرسلت قوات غير مقاتلة إلى العراق في عام 2004 في مهمة لإعادة البناء. قوبلت كل خطوة في مسار السلوك المألوف بعدم ارتياح داخل البلاد وخارجها، بسبب ماضي اليابان العدواني.
في عام 2015، تغلب شينزو آبي، رئيس الوزراء حينذاك، على صيف مليء بالاحتجاجات التي أثّرت سلباً على شعبيته، لتمرير تشريعات تتيح لليابان إرسال قوات إلى الخارج للدفاع عن دولة حليفة تتعرض للعدوان ولعب دور أكبر في حفظ السلام الدولي.
لكن يبدو أن ممارسات روسيا غيّرت وجهات النظر على الصعيد المحلي. فقرارات كيشيدا بإرسال معدات عسكرية غير مميتة إلى أوكرانيا، لم تلق أي مقاومة تقريباً. منذ ذلك الحين، حذّر كيشيدا بصورة متكررة من الخطر الذي تواجهه تايوان من الصين، قائلاً: "أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غداً".
4) ما المقترح؟
تنفق اليابان عادةً نحو 1% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. رغم أن الدولة ليست عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، دعا الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى تحقيق هدف التحالف بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار 5 سنوات، على الدفاع. تحقيق ذلك غالباً سيرفع ميزانية الإنفاق العسكري اليابانية 6 مراكز لتصبح ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، نظراً لحجم اقتصاد اليابان البالغ 5 تريليونات دولار.
ذكرت صحيفة "يوميوري" اليابانية أن وزارة الدفاع تفكر في معدات جديدة، من بينها صواريخ أميركية من طراز "توماهوك كروز" . (أجرت ألمانيا، حليفة اليابان في زمن الحرب والتي غدت مسالمة أيضاً رغم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، تحوّلاً جذرياً هي الأخرى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، من خلال اتخاذ قرار بزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير).
5) هل تستطيع اليابان تحمل التكلفة؟
باعتبارها الدولة الأكثر مديونية في العالم، قد تواجه اليابان صعوبات في جمع الموارد، نظراً لتضخم تكلفة دعم شريحة كبار السن بين سكانها. وعلى الرغم من أن الرأي العام على نطاق واسع وراء بعض الزيادة في الإنفاق، إلا أن استطلاعات الرأي تُظهِر أن المصوّتين لا يرغبون بالضرورة في زيادة كبيرة.
وفقاً لوكالة "كيودو نيوز"، فكرت اليابان في بيع سندات وزيادة الضرائب على الشركات وعلى منتجات التبغ للإنفاق على الميزانية. في الوقت الحالي، ليس من الواضح كيف ستُستخدم الأموال. يؤيد الحزب الليبرالي الديمقراطي امتلاك إمكانية توجيه ضربات مضادة طويل المدى، لكن وزير الدفاع السابق إيتسونوري أونوديرا، دعا أيضاً إلى تحسين الرواتب وأوضاع العمل لأعضاء قوات الدفاع الذاتي، إذ تواجه الحكومة صعوبات في العثور على عدد كاف من المجندين.
6) ما رأي الدول المجاورة؟
اتهمت وزارة الخارجية الصينية اليابان بتأجيج سباق التسلح، كما قالت إن الدولة لا بد أن تفكر في "المعاناة الرهيبة" التي تسببت فيها. (ارتفعت ميزانية الدفاع في الصين هي الأخرى بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة).
على الرغم من أن اليابان، التي بدأت الحرب العالمية الثانية في آسيا، اعتذرت عن أفعالها في الماضي، أثار بعض المسؤولين اليابانيين توترات دبلوماسية بشكل متكرر، من خلال التقليل من أهمية الانتهاكات خلال فترة الحرب أو إنكارها، مثل مذبحة نانجينغ بين عامي 1937 و1938، وتجنيد الجيش الإمبراطوري للنساء الكوريات لكي يعملن في بيوت الدعارة.
موقف كوريا الجنوبية، التي احتلتها اليابان حتى قبل الحرب، أكثر تعقيداً باعتبارها حليفة الولايات المتحدة الآن. وقد سعى رئيس كوريا الجنوبية، الذي تولى المنصب في 2022، إلى المصالحة.
7) هل ستغير اليابان دستورها؟
أعاد آبي تفسير الدستور للسماح لليابان بالدفاع عن دول أخرى، كما استهدف الحفاظ على شرعية قوات الدفاع الذاتي عبر تعديل المادة 9 المناهضة للحرب. تظل العقبات التي تواجه ذلك عالية، كما أن كيشيدا، وهو أحد سكان هيروشيما المحليين الذي يطالب بنزع الأسلحة النووية، لم يتعامل مع التغيير الدستوري على أنه أولوية.
أظهر مسح في عام 2022 قامت به هيئة الإذاعة العامة "إن إتش كيه" (NHK)، أن 35% ممن شملهم الاستطلاع أيّدوا التعديل، فيما وقف 19% ضده، و42% كانوا مترددين في موقفهم.