بقيت الترتيبات التجارية لايرلندا الشمالية محط خلاف منذ أن غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 2020. وتقول حكومة المملكة المتحدة إن النظام الحالي المعروف باسم "بروتوكول ايرلندا الشمالية" يخنق التجارة بين المنطقة وبريطانيا العظمى، وقد هددت بإعادة صياغة الاتفاق من جانب واحد. بعد ثمانية أشهر من الجمود حول هذه المسألة تم استئناف المحادثات في أكتوبر، دون إحراز تقدم. وفي هذه الأثناء أدى المأزق إلى مزيد من الاستقطاب في سياسات ايرلندا الشمالية المتصدعة أصلاً، وتركها دون حكومة فاعلة في الإقليم.
1- ما هو البروتوكول؟
هو اتفاق لنقل البضائع بين ايرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، وجارتها الجنوبية العضو في الاتحاد الأوروبي، وضمان ألا تتحول الحدود إلى هدف سهل لتهريب البضائع إلى الاتحاد الأوروبي، يعمل الاتفاق عبر آليات فحص مادية للمنتجات التي تصل ايرلندا الشمالية قادمة من بريطانيا العظمى. تقول حكومة المملكة المتحدة إن أعباء الأعمال الورقية والإجراءات الجمركية قد عطلت التجارة وتسببت فعلياً بخلق حدود داخلية ضمن دولة ذات سيادة، وعبرت الحكومة عن عدم رضاها بكون محكمة العدل الأوروبية تشرف على أجزاء واسعة من البروتوكول.
2- هل أُحرز أي تقدم؟
المفاوضات استؤنفت بعد أسابيع من مغادرة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون (الذي أشرف على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي). وكانت المباحثات الفنية حول تفاصيل البروتوكول تُجرى أسبوعياً، حيث بقي وزير خارجية المملكة المتحدة جيمس كليفرلي على تواصل منتظم مع ماروس سيفكوفيتش من المفوضية الأوروبية. قال مسؤولون ايرلنديون إن التسوية ممكنة بحلول نهاية السنة بشرط أن يكون الجانبان على استعداد لتقديم تنازلات.
إحدى النقاط التي يجري التركيز عليها هي صياغة اتفاقية جمركية جديدة، حيث اختبر الموظفون الفنيون للاتحاد الأوروبي قاعدة بيانات جديدة لحظية للتجارة مع المملكة المتحدة، تمر بموجبها البضائع من بريطانيا إلى ايرلندا الشمالية. إذا وافق الاتحاد الأوروبي على هذه الشروط قد يجري الاتفاق على تقليل الرقابة الجمركية في البحر الايرلندي وتسهيل تدفق البضائع، مع الإبقاء على حق الاتحاد الأوروبي بتتبع ما يدخل أسواقه بشكل موثوق. ومع ذلك، هناك عقبات أخرى ما تزال في الطريق، مثل الضرائب والفحوصات الصحية والحوكمة.
3- ماذا يمكن أن تفعل المملكة المتحدة؟
رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك يشرف على المحادثات، وهو يدعم تشريع رئيسة الوزراء التي سبقته ليز ترَس، والذي يمنح المملكة المتحدة الحق في إعادة صياغة الجزء الأكبر من البروتوكول من جانب واحد في حال فشل المفاوضات. بموجب هذا التشريع ستعامل البضائع البريطانية المتجهة إلى ايرلندا الشمالية بشكل مختلف عن تلك المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي، كما سيسمح للشركات في ايرلندا الشمالية بحرية اتباع معايير منتجات المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو كليهما معاً، وستمدد المملكة المتحدة خطط الدعم والإعفاءات الضريبية لتشمل ايرلندا الشمالية، وسيتم تجريد محكمة العدل الأوروبية من دورها في تسوية نزاعات صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإيجاد لجنة تحكيم مستقلة تشرف على القضايا القانونية عوضاً عنها.
الخيار الثاني للمملكة المتحدة هو وضع بند للطوارئ، ويعرف بالمادة "16" ويسمح بتعليق جزء من البرتوكول.
عندها سيكون للاتحاد الأوربي الحق في اتخاذ إجراءات انتقامية فورية تتناسب مع الموقف. لكن المملكة المتحدة تصر على أنها تفضل الوصول إلى حل عبر التفاوض.
4- ماذا يقول الاتحاد الأوروبي؟
قالت المفوضية الأوروبية إن تشريعات المملكة المتحدة تشكل خرقاً للقانون الدولي. ووصفها سيفكوفيتش في يونيو بأنها "تهديد على طاولة المفاوضات". مسؤولو الاتحاد الأوروبي يقولون إن المملكة المتحدة قبلت فعلاً بالبروتوكول بوصفه أفضل الحلول لتجنب صعوبات تتعلق بالحدود في جزر ايرلندا، وحماية سلامة السوق الموحدة للبضائع، والتي تضمن ذات المعايير والقواعد الناظمة لعدة قطاعات، مثل سلامة الأطعمة.
وأضافوا أن الاتفاق الحالي يمنح ايرلندا الشمالية وصولاً فريداً إلى أسواق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. واقترحت الكتلة الأوروبية بعض التنازلات لتخفيف العبء الجمركي على التجار، لكنها رفضت إلغاء دور محكمة العدل الأوروبية.
5- ماذا عن ايرلندا الشمالية؟
تزايد الدعم للأطراف الراغبة في الحفاظ على البروتوكول، حيث حصل الحزب القومي الايرلندي "سين فين" (Sinn Féin) في انتخابات مجلس ايرلندا الشمالية في مايو على مقاعد من الحزب الوحدوي الديمقراطي الذي يفضل علاقات وثيقة مع بريطانيا، والذي أدار حملة لإلغاء البروتوكول بحجة أنه يفصل بين ايرلندا الشمالية وباقي المملكة المتحدة، ويرفض الحزب الديمقراطي الوحدوي منذ فبراير أخذ مكانه في حكومة مشتركة في المنطقة إلا إذا أُلغي البروتوكول.
تأمل المملكة المتحدة التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن البروتوكول، لكي تستطيع إقناع الحزب بإعادة تشكيل حكومة لايرلندا الشمالية بحلول الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاتفاقية السلام في المنطقة في أبريل من 1998.
6- كيف يمكن أن تتدهور الأمور؟
مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين الذي يقوده سوناك أصروا على أن محكمة العدل الأوروبية لا ينبغي أن تكون لها سلطة قضائية في ايرلندا الشمالية. الخطير هنا هو أن رئيس وزراء المملكة المتحدة يعقد الصفقة فقط لمواجهة تمرد في صفوف حزبه. وقد يشكل فشل المحادثات وإيقاف المملكة المتحدة الرقابة الجمركية على البضائع التي تدخل ايرلندا الشمالية معضلة للاتحاد الأوروبي. والسؤال هنا هو: هل ستكون الكتلة الأوروبية على استعداد لبناء حدودها الخاصة بين ايرلندا الشمالية وجمهورية ايرلندا لحماية سوقها الموحدة؟ مسؤولو الاتحاد الأوروبي قللوا من أهمية هذا الاحتمال. فإن الاتحاد إذا أراد تصعيب الأمور يمكنه فرض رسوم جمركية على سلع معينة في بريطانيا.
في نهاية المطاف يبقى الخيار الجذري الأكثر خطورة هو إذا ما قرر الاتحاد الأوروبي الإنهاء الكامل لاتفاقية التجارة والتعاون المتعلقة بخروج بريطانيا من التكتل، وهو ما سيعيق المملكة المتحدة من الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
إذا خرج الخلاف عن نطاق السيطرة في نهاية المطاف، قد يصبح السلام والاستقرار اللذان طال انتظارهما في ايرلندا الشمالية مهددين بالضياع.