قد يواجه صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار، صعوبة في تكرار نجاحه الذي تحقق في السنوات الأخيرة وأثبت حضوره بقوة على مستوى العالم كمصدر تمويل لمديري الأصول ورواد قطاع الأعمال والتكنولوجيا.
فقبيل مؤتمر مستقبل الاستثمار الرائد في المملكة هذا الأسبوع، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن استراتيجية الصندوق حتى عام 2025. والتي تتضمن ضخ ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد المحلي، لإنشاء مدن وصناعات جديدة بهدف توفير 1.8 مليون وظيفة. كما تشمل الاستراتيجية التخطيط لمضاعفة قيمة أصول الصندوق لتصل إلى 4 تريليونات ريال (1.1 تريليون دولار)، مقترباً بذلك من حجم الصندوق السيادي النرويجي، الأكبر في العالم.
وبينما يتجه المستثمرون اليوم الأربعاء إلى المؤتمر السنوي للاستثمار في المملكة والذي يجمع بين المشاركة بالحضور فعلياً وافتراضياً عن طريق الإنترنت بسبب كوفيد-19 يتذكر الكثيرون أن سجل المملكة العربية السعودية في المشاريع الطموحة غير مكتمل.
ومنذ أن كشف الحاكم الفعلي عن خطته الشاملة للتحول الاقتصادي في 2016، ضاعفت السعودية إيراداتها غير النفطية، وانفتحت أمام السياح، وأنشأت صناعة ترفيهية وشهدت قفزة في انضمام النساء إلى القوى العاملة. وهو ما يعد تغيرات هائلة بالنسبة للدولة الإسلامية المحافظة.
لكن الأداء الاقتصادي شهد مؤشرين للركود في تلك الفترة التي أشرف فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الاقتصاد، حيث ارتفع معدل البطالة لمستوى قياسي وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 37% مقارنة بمستوياته قبل العام 2016 وهو ما يرجع بشكل جزئي إلى انتشار فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.
ماذا تقول بلومبرغ ايكونوميكس؟
يقول زياد داوود، كبير اقتصادي الأسواق الناشئة "ساهمت حصيلة حملة الحكومة المعلنة لمكافحة الفساد والتي أبرمت تسويات لمرة واحدة مع رجال الأعمال في جزء كبير من الزيادة في الإيرادات غير النفطية للسعودية. وستنتهي تلك الأموال في مرحلة ما، مما يجعل هذا الدخل غير مستدام ".
ولم يمنع عدم استدامة الايرادات ولي العهد من الإعلان عن مشاريع ضخمة جديدة وأهداف بقيمة تريليون ريال قبل تحقيق الأهداف المعلنة من قبل.
وكتبت مجموعة أوراسيا في تقرير لها: "يبقى التحدي الرئيسي لتطوير الاقتصاد المحلي تنفيذ ما يتم الإعلان عنه من تغييرات ضخمة". وذكر التقرير: "إن إعادة هيكلة الاقتصاد في فترة زمنية قياسية ليس بالأمر السهل، حتى لو كان هناك دعم سياسي واضح".
وتحول صندوق الاستثمارات العامة من مؤسسة محلية عادية إلى محرك اقتصادي يسهم في خلق وظائف وتطوير الأداء الحكومي وشريكًا للشركات الأجنبية.
قد تشهد المرحلة التالية مساهمته في كافة نواحي وقطاعات اقتصاد المملكة تقريباً. حيث يمتلك الصندوق معظم المشاريع الضخمة التي تبناها ولي العهد، بما في ذلك مدينة نيوم المستقبلية.
وقال ولي العهد السعودي يوم الأحد، إنه ومنذ تولى رئاسة مجلس إدارة الصندوق منذ 5 سنوات وقد تضاعفت أوله لتصل إلى نحو 1.5 تريليون ريال، كما ساهم في توفير 331 ألف وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر.
وارتفع عائد الاستثمار من نحو 3% بين عامي 2014 و2016 إلى 8% في الفترة من 2018 إلى 2020، وفقاً لموقع صندوق الاستثمارات العامة.
ويقدر الأهلي كابيتال، البنك الاستثماري ومقره الرياض، أن تسهم استثمارات صندوق الثروة في عام 2021 في زيادة إجمالي النفقات الرأسمالية -بما في ذلك إنفاق الجهات الحكومية- إلى 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 6.2% على مدى السنوات الخمس الماضية.
استقطب مؤتمر الاستثمار التابع لصندوق الاستثمارات العامة بعضاً من أكبر مؤسسات المال والأعمال العالمية. حيث أنشأت شركة "بلاك روك" مكتباً في السعودية مؤخراً، ووسعت البنوك الأجنبية من تواجدها في المملكة بما في ذلك "غولدمان ساكس" و"كريدي سويس" سعياً منها للحصول على نصيب من الاستثمارات.
أهداف أقوى في العقد المقبل
يستهدف الصندوق مشاريع جديدة تصل قيمتها إلى 1 تريليون ريال بحلول عام 2025 إضافة إلى مشروعات بقيمة 2 تريليون ريال إضافية بحلول عام 2030، ولكن مع القليل من التفاصيل حول كيفية تمويل المشاريع الجديدة، يتوخى المحللون الحذر.
ويتوقع "بنك أوف أمريكا" ارتفاع أصول الصندوق إلى 500 مليار دولار بحلول 2028، بناء على المعدلات التاريخية لعوائد الاستثمار ومدفوعات "أرامكو" لشراء الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك".
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: "تبدو الأهداف متشعبة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الطبيعة واسعة النطاق لأهداف صندوق الاستثمارات العامة المختلفة". وأضافت "التمويل والاستثمارات الأجنبية ستكون مهمة أيضاً لتحقيق هذه الأهداف".
وقال صندوق الاستثمارات العامة إن مصادر تمويل التوسعات تتمثل في أرباح الاستثمارات القائمة، وتحويل أصول حكومية لإدارة الصندوق، وكذلك الاقتراض. وتتضمن تلك التمويلات تحويلاً بقيمة 40 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي العام الماضي، ونحو 30 مليار دولار من عائدات الطرح العام الأولي لشركة "أرامكو" في عام 2019.
إذا كانت الأهداف طموحة أكثر من اللازم أو غير واقعية، فليس من قبيل الصدفة، فبحسب قول ولي العهد في مقابلة مع بلومبرغ في عام 2018، فإنه وضع أهدافاً عالية عمداً لتحفيز المسؤولين على الوصول إلى أبعد من ذلك؛ حيث قال وقتها "شيء جيد أن نحقق 100%" وأكمل "كذلك تحقيق 50% أمر جيد وأفضل من عدم تحقيق أي شيء".