يمكن للمستثمرين الذين يشعرون بخيبة أمل بسبب افتقار المؤتمر الأخير لـ"الحزب الشيوعي" للتوجيه السياسي، أن يستعدوا لسلسلة من الاجتماعات في الأسابيع المقبلة، التي يمكن أن تلقي الضوء على كيفية تخطيط كبار المسؤولين لإدارة المخاطر المباشرة على الاقتصاد الصيني.
من المقرر أن يضع الحزب الحاكم أولويات السياسة لعام 2023 وما بعده في سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى التي ستُعقد على مدار الأسابيع الثمانية المقبلة أو نحو ذلك. من أبرز هذه الاجتماعات اجتماع مبكر في ديسمبر لـ"المكتب السياسي" الجديد المكوّن من 24 عضواً -المليء الآن بالموالين للرئيس شي جين بينغ- والذي سيحدد مسار السياسة الاقتصادية المستقبلية.
أهم ما في أذهان المستثمرين هو ما إذا كانت بكين ستبدأ في التخفيف من نهج عدم التسامح المطلق في مكافحة تفشي كورونا. تأرجحت الأسواق المالية بين الصعود والهبوط هذا الأسبوع بسبب شائعات عن تحول كبير في السياسة، على الرغم من أن المسؤولين قالوا يوم الأربعاء إنهم ما زالوا ملتزمين بهذه الاستراتيجية. ورغم أن "المكتب السياسي" قد لا يعالج المشكلة بشكل مباشر، إلا أن الخطاب حول "صفر كوفيد" وعلاقته بالنمو الاقتصادي سيخضع لفحص دقيق.
قد يقدم "المكتب السياسي" إرشادات بشأن هدف النمو الاقتصادي للعام المقبل -وهو أمر ستتم مراقبته عن كثب نظراً لكيفية تقليل المسؤولين من أهمية هدف هذا العام البالغ 5.5% منذ أن أصبح بعيد المنال. من الواضح أن هدف هذا العام لن يُحقق بهامش كبير- وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ أن بدأت الحكومة في تحديد هدف النمو في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. يقول المحللون إن مفتاح توقعات النمو للعام المقبل سيكمن في سياسات الدعم النقدية والمالية بالإضافة إلى التيسير التدريجي لقطاع العقارات.
قال يو شيانغرونغ، كبير الاقتصاديين لشؤون الصين لدى "سيتي غروب" في هونغ كونغ: "من المرجح أن تتخذ بكين إجراءات عملية لمواجهة تحديات قطاع العقارات وكوفيد... قد يأتي المزيد من الدعم لقطاع العقارات في الأشهر المقبلة".
فيما يلي إشارات السياسة الرئيسية التي يمكن توقعها:
هدف النمو
على الرغم من أنه قد لا يتم الكشف عن هدف النمو الاقتصادي إلى حين عقد الاجتماع التشريعي السنوي في مارس المقبل، إلا أن النبرة التي ستصدر من الاجتماعات حول أهمية النمو ستسلط بعض الضوء على تفكير السلطات.
قلل المسؤولون من أهمية سرعة توسع الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، حيث يسعون إلى نموذج نمو أكثر استدامة. في تقريره إلى مؤتمر الحزب في أكتوبر، شدد "شي" على أن التنمية الاقتصادية كانت "أولوية قصوى" للحزب، لكنه أضاف أن التنمية تحتاج إلى أن تكون متوازنة مع الأمن القومي.
يتوقع "يو" من "سيتي غروب" أن تحدد الحكومة هدف النمو عند نحو 5.5%" لعام 2023. وهو نفس هدف هذا العام، لكن قد يكون أكثر قابلية للتحقيق نظراً لانخفاض أساس المقارنة لهذا العام.
توقع الاقتصاديون في "مورغان ستانلي" بقيادة روبن شينغ هدفاً ملزماً يزيد عن 5%. بينما كشفت توقعات أحدث استطلاع أجرته "بلومبرغ" لخبراء الاقتصاد أن الاقتصاد سيتوسع بنسبة 4.9% في عام 2023، مرتفعاً عن معدل النمو المتوقع لهذا العام البالغ 3.3%.
يتوقع بروس بانغ، الاقتصادي في شركة "جونز لانغ لاسال"، أن تصدر إشارات من كبار القادة مفادها أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيتم وضعه ضمن قالب من أهداف التنمية مثل استقرار العمالة والأعمال.
كوفيد والعقارات
وفقاً ليو بليتشان، كبيرة الاقتصاديين لشؤون الصين في "ناتويست غروب" (NatWest Group)، من غير المحتمل أن تتناول الاجتماعات القادمة بشكل مباشر أي تغييرات محددة في استراتيجية "صفر كوفيد" التي تؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي. لكن من المحتمل أن يأتي مؤتمر "المكتب السياسي" على ذكر قيود "كوفيد"، وأي تغييرات في النبرة حول كيفية نظر القادة إلى تلك القيود وعلاقتها بالنمو الاقتصادي يمكن أن تؤثر على توقعات السوق.
في حين أن التغييرات في سياسات "كوفيد" لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير، إلا أن العديد من الاقتصاديين لا يتوقعون أي تخفيف ذي مغزى قبل الجلسة التشريعية السنوية في مارس، عندما يتم تشكيل الحكومة المقبلة. شدد آخر اجتماع لـ"المكتب السياسي" في يوليو -الذي عقد تحت عنوان الاقتصاد- على الحاجة إلى النظر في الوقاية من الفيروس، والنمو الاقتصادي "من وجهة نظر سياسية".
على الرغم من أن "المكتب السياسي" لم يوضح ما يعنيه ذلك، إلا أن العبارة تشير إلى أنه بالإضافة إلى كونها قضية تتعلق بالصحة العامة، يجب النظر إلى السيطرة على كوفيد من الزاوية السياسية أيضاً، بما في ذلك كيفية تأثير التعامل معها على الاستقرار الاجتماعي أو انعكاسه على الحزب الشيوعي ونظام الحكم في الصين. إذ أكد الحزب مراراً أن الحفاظ على قيادته للبلاد هو الأولوية السياسية الأولى.
يشعر الاقتصاديون بتفاؤل أكبر بشأن آفاق المزيد من التيسير الضئيل لسياسات الإسكان، على الرغم من أن قلة منهم يتوقعون حزمة تحفيز شاملة بالنظر إلى أن الرئيس شي كرر في مؤتمر الحزب الموقف القائل بأن الإسكان ليس للمضاربة.
وفقاً لـ"يو بي إس غروب"، قد تشمل تدابير التيسير تقليل متطلبات الدفعة المقدمة، وخفض معدلات الرهن العقاري، بالإضافة إلى دعم تقديم تمويل إضافي لمطوري العقارات.
السياسات الكلية
يقول "يو" من "سيتي غروب" إنه من المرجح أن تظل كل من السياسة النقدية والمالية داعمة، على الرغم من أنه قد لا يكون هناك تغيير في الخطاب مقارنةً بالاجتماعات السابقة. ويضيف أن أي تخفيضات أخرى في أسعار الفائدة من قبل "بنك الشعب الصيني" قد تعتمد على البيانات الاقتصادية، بينما من المرجح أن يستمر الدعم المالي للاستثمار في البنية التحتية.
بدورها تقول ليو من "ناتويست غروب"، إن السياسة النقدية من المرجح أن تلعب دوراً داعماً وتركز على تعزيز الائتمان، مضيفة أنها ترى مجالاً أكبر للتيسير المالي. يذكر أن بكين زادت خلال الأشهر الأخيرة الدعم التمويلي للبنوك المؤسسية كي تستثمر في البنية التحتية، ووسعت حصص السندات الخاصة للحكومات المحلية لجمع الأموال لمثل هذه المشاريع.
توقّع الاقتصاديون في شركة "تشيشانغ سكيورتيز" (Zheshang Securities) بقيادة لي تشاو أن تحدد "الهيئة التشريعية الوطنية" هدفاً لعجز الميزانية لعام 2023 يبلغ 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أعلى من هدف هذا العام البالغ 2.8%. وكتبوا في تقرير صدر حديثاً أن هذا يعني أن العجز قد يتجاوز 4 تريليونات يوان (548 مليار دولار)، وهو رقم قياسي.
بحسب التقرير فإن حصة الحكومات المحلية من السندات الخاصة الجديدة قد تظل دون تغيير عن 3.65 تريليون يوان هذا العام، على الرغم من أن السلطات المحلية تستعد لبيع المزيد من سندات إعادة التمويل لأنها تواجه زيادة في الديون المستحقة.
الأمن المالي
سيوفر "المؤتمر الوطني للعمل المالي" -الذي لديه أفق زمني أطول من بقية الاجتماعات- إرشادات مهمة حول كيفية تخطيط المسؤولين للمضي قدماً في الإصلاحات المالية، بعد أن أمضت الحكومة السنوات الخمس الماضية في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الديون المفرطة، والممارسات المحفوفة بالمخاطر.
وفقاً لليو بليتشان من "ناتويست غروب"، فإن إحدى الموضوعات التي يُحتمل مناقشتها هي الأمن المالي، ما قد يعني اتباع نهج أكثر حذراً في فتح أسواق رأس المال، وقد يعطي دفعة لتوسيع الاستخدام الدولي لليوان.
وفقاً لخبراء اقتصاديين في "إتش إس بي سي هولدينغز" بما في ذلك ليو جينغ، فإنه من المرجح أن يوفق الاجتماع بين الأهداف الاقتصادية وأهداف الإصلاح المالي.
كتبوا في تقرير حديث: "من المتوقع أن تكون الأهداف طويلة الأمد المتمثلة في منع المخاطر المالية بالإضافة إلى مزيد من التقدم نحو تحسين تنفيذ السياسة النقدية موضع تركيز".