كانت أموال المستثمرين الأجانب تتدفق منذ أغسطس الماضي على سوق السندات السيادية الحكومية في الهند، البالغ قوامها تريلون دولار، متحدية بذلك التراجع العالمي في السندات مع زيادة توقعات إضافة الهند أخيراً إلى مؤشرات الأسواق الناشئة التي تعدّها "فوتسي راسل"، و"جيه بي مورغان تشيس آند كو" وآخرين. سيكون تضمين الهند على هذه المؤشرات إنجازاً كبيراً للدولة التي قيدت وصول المستثمرين الأجانب على مر التاريخ، خشية تقلبات "الأموال الساخنة". وإذا أُضيفت الهند بالفعل؛ سيحظى المستثمرون الأجانب بوسيلة جديدة لضخ أموالهم في اقتصاد عملاق يوفر لهم بعضاً من أعلى معدلات العوائد في المنطقة، كما سيستعيد مقدمو المؤشرات التوازن في عروضهم عقب استبعاد روسيا هذا العام. لكن لو لم تضف؛ قد تصعد العوائد، مما سيجعل الاقتراض أكثر تكلفة بالنسبة للهند، وقد تعاني الروبية بصورة أكبر. قد يصدر إعلان عن هذا الأمر في أي وقت قريب.
1) ما خلفيات هذه القضية؟
بدأت الهند في تحرير اقتصادها بالتسعينيات، لكنها اعتمدت على الاقتراض المحلي فقط من خلال السندات المقوّمة بالروبية، وكان ذلك جزئياً لتجنب التقلبات التي يمكن أن تثيرها الصناديق الأجنبية المتذبذبة. لكن في أواخر 2019، بدأت الدولة العمل للوصول إلى مؤشرات السندات في محاولة لخفض تكاليف الاقتراض والترويج لانضباطها المالي. وفي ظل تخييم وباء كوفيد-19 على اقتصادها حينها، مع اقتراض الحكومة بمستويات قياسية لتمويل حزمة تحفيز بمليارات الدولارات؛ فتحت الدولة مجموعة من أسواق السندات السيادية للمستثمرين الأجانب. مع ذلك، كانت الصناديق العالمية تبيع أصول الأسواق الناشئة للاحتفاظ بأكبر كم ممكن من الدولارات. ما يزال المستثمرون الأجانب يمتلكون 17.8 مليار دولار تقريباً فقط، أو ما يعادل 2%، من الديون السيادية الهندية، بينما يبلغ الحد الأقصى 6%. (في إندونيسيا، وهي سوق ناشئة كبيرة أخرى، يمتلك الأجانب أكثر من ثلث الديون السيادية).
اقرأ أيضاً: الهند تتجه لزيادة الفائدة 50 نقطة أساس للمرة الثالثة مع هبوط الروبية
جاء قرار الهند في الوقت الذي أُضيفت فيه السندات السيادية الصينية إلى المؤشرات العالمية بدءاً من 2019. وفي السنوات الثلاث التي تلت ذلك، ارتفعت حيازات الأجانب من السندات الحكومة الصينية إلى ما يقرب من 11% مقارنة بـ7.6% من قبل، رغم أن النسبة انخفضت هذا العام وسط ظروف السوق الصعبة إلى 9.8% اعتباراً من 30 أغسطس الماضي، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
2) كيف كان أداؤها؟
تقدّمت الدولة ببطء. فقد كانت الهند على قائمة البلدن المرتقب دخولها إلى مؤشر ديون الأسواق الناشئة من "فوتسي راسل" منذ مارس 2021. وبعد بضعة أشهر قال "جيه بي مورجان" إن الهند كانت "على المسار الصحيح" لتصبح من الدول المرتقب دخولها لمؤشر السندات العالمي للأسواق الناشئة. وقال مستشار بوزارة المالية العام الماضي إن 99% من الأعمال التحضيرية تمت بالفعل. لكن المحادثات توقفت بعدما رفضت نيودلهي التغييرات الضريبية للأجانب -بما في ذلك الحق في فرض ضرائب على مكاسب رأس المال- التي كان من شأنها تسهيل تداول الديون الهندية على منصات دولية مثل "يورو كلير" (Euroclear) كانت هناك أيضاً اعتراضات سياسية محلية على منح إعفاءات ضريبية للمستثمرين الأجانب غير المتاحة للهنود، كل هذا مع استمرار المخاوف بشأن التقلبات وهي مشكلات ما تزال دون حل.
3) لماذا التفاؤل الآن؟
قد يكون استبعاد روسيا من مقاييس الأسواق الناشئة لـ"جيه بي مورجان" بعد غزو موسكو لأوكرانيا أضاف حوافز لجهات جمع المؤشرات للنظر في إمكانية سد هذه الفجوة بالديون الهندية. كتب المحللون في بنك "غولدمان ساكس" خلال أغسطس الماضي إن إدراج الهند سيعزز متوسط العائد على المؤشر العام. بالإضافة إلى ذلك، فإن السندات الحكومية الصينية والإندونيسية لا تُتداول في "يورو كلير" أيضاً، ومع هذا فهي جزء من مؤشر "جيه بي مورغان". وفقاً لبنك "مورغان ستانلي"، يدعم معظم المستثمرين في مؤشر "جيه بي مورغان" الإدراج أو لا يعترضون عليه. كتب استراتيجيو البنك في أوائل سبتمبر: "أدى استبعاد روسيا إلى جعل المؤشر أكثر محدودية وغير متوازن. وبالتالي، لدى (جيه بي مورغان) حافز أكبر لتضمين الهند حتى دون تداولها في (يورو كلير)".
اقرأ أيضاً: حملة الهند لتسوية المعاملات التجارية بالروبية تجذب اهتمام روسيا والإمارات وإيران
قالت وزيرة المالية نيرمالا سيترامان في 5 سبتمبر الماضي إن تضمين الهند وشيك. وهناك بعض المواعيد النهائية التي حلت بالفعل أو ما تزال مرتقبة فمراجعة مؤشر "فوتسي راسل" كانت في 29 سبتمبر بعد إغلاق الأسواق في نيويورك. وعادةً ما يُظهر مؤشر "جيه بي مورغان" الأكبر حجماً مراجعته في سبتمبر أو أكتوبر. وهناك أيضاً "بلومبرغ إل بي" الشركة الأم لـ"بلومبرغ إندكس سيرفسيس" (Bloomberg Index Services)، المتخصصة في إدارة المؤشرات، التي تتنافس مع شركات تقديم المؤشرات الأخرى.
4) ما الفوائد المحتملة؟
سيتمكن مقدمو المؤشرات والمستثمرون من تنويع محافظهم المالية وتخصيص الأموال لسوق ذات عوائد عالية في خامس أكبر اقتصاد في العالم. بالنسبة للهند، ستشكل هذه فرصة للاستفادة من حزمة سيولة أكبر لتلبية الاحتياجات المتزايدة. (من المقرر أن تقترض الدولة 14.3 تريليون روبية (ما يعادل 175 مليار دولار) خلال السنة المالية الحالية). ويمكن أن يجذب الإدراج تدفقات تتراوح بين 30 مليار دولار إلى 40 مليار دولار في السنة المالية المقبلة، مع خفض منحنى العائد بمقدار 40 إلى 60 نقطة أساس، حسب تقديرات بنك "سويستيه جنرال". وهذا نفسه هو مقدار المال الذي تحتاجه الهند لتمويل حسابها الجاري، وسد العجز المالي الذي اتسع في أعقاب الوباء. كما يمكن أن يوفر الإدراج بعض الراحة للعملة المضطربة في البلاد، والتي تراجعت إلى أضعف مستوياتها على الإطلاق، وذلك من خلال تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات.
5) ماذا عن المخاوف؟
ما يزال بإمكانهم إلغاء أحدث الخطط. فرغم إزالة الهند القيود المفروضة على الملكية الأجنبية على بعض السندات، وإجرائها تحسينات فيما يتعلق بمتطلبات الهامش وتقارير التجارة لتسهيل الإدراج في المؤشرات العالمية، إلا أنها استبعدت أي تغييرات في السياسات الضريبية، حسبما قال أشخاص مطلعون على هذا الأمر لـ"بلومبرغ نيوز".
اقرأ أيضاً: "سيتي غروب" يراهن على الهند كبديل استثماري بعد تزايد مخاطر الصين
رغم أن جهات تجميع المؤشرات بمقدورها المضي قُدماً على أي حال، إلا أن مفاوضات الإدراج السابقة انهارت بسبب مطالبة الحكومة الاحتفاظ بالحق في فرض ضرائب على أرباح رأس المال. وما تزال الحكومة والبنك المركزي قلقين من أن التدفقات الأجنبية ستزيد من تقلب الأسواق المحلية. في الوقت نفسه، يشير مديرو الأموال إلى مشكلة عدم تداول الهند في "يورو كلير"، وكفاءة الصفقات، والوضوح بشأن الضرائب باعتبارها عقبات مستمرة.
6) متى يحدث ذلك؟
يمكن أن يحدث الإدراج الفعلي في العام المقبل فقط، لكن إعلان قرار إضافة الهند سيوفر الراحة والوضوح للمستثمرين. يتوقع "غولدمان" صدور الإعلان في الربع الرابع من العام الجاري، وأن يجري الإدراج الفعلي في الربع الثاني أو الثالث من 2023. فيما يتوقع "مورغان ستانلي" ضمها رسمياً في الربع الثالث من العام المقبل، إذ يحتاج المستثمرون إلى مهلة طويلة. وكلا البنكين يتوقعان أن يكون وزن الهند 10%، وهو الحد الأقصى لدولة ما في المؤشر، مقابل 8% لروسيا قبل استبعادها.
7) ما تأثير ذلك على الأسواق؟
دعمت احتمالية الإدراج على المؤشر ارتفاع السندات الهندية في الوقت نفسه الذي صعدت فيه عوائد سندات الخزانة الأميركية. انخفض العائد على السندات المقوّمة بالروبية لأجل 10 سنوات 30 نقطة أساس تقريباً إلى 7.33% في أواخر سبتمبر، بعدما وصلت إلى أعلى مستوى لهذا العام في يونيو. في المقابل، ارتفعت العوائد الأميركية للسندات ذات الآجال المماثلة بنحو 70 نقطة أساس خلال هذه الفترة. قفزت مشتريات السندات من قبل الصناديق العالمية في إطار ما يسمى بالسندات ذات مسار الوصول الكامل (Fully Accessible Route) إلى 42 مليار روبية في أغسطس، وهو أكبر مبلغ منذ يناير الماضي، ويأتي بعد 6 أشهر من التدفقات الخارجة المتواصلة، واستمر اتجاه الشراء في سبتمبر.
مع كل هذا، تبددت آمال متداولي السندات في الماضي بشأن إدراج الهند على المؤشرات، وإذا لم يحدث ذلك مرة أخرى؛ فقد تشهد السندات المقوّمة بالروبية موجة بيع.