سجل الاقتصاد المغربي تباطؤاً حاداً في النمو خلال الربع الثاني من العام الجاري متأثراً بموجة جفاف حادة لم تشهدها البلاد منذ عقود، مع تباطؤ نمو الطلب الداخلي ومستوى إنفاق الأسر.
نما الناتج المحلي بنسبة 2% في الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 14.2% في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات حديثة صدرت يوم الجمعة عن "المندوبية السامية للتخطيط"، الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب.
انخفض النشاط الفلاحي بـ15.5%، فيما سجلت الأنشطة غير الفلاحية ارتفاعاً بـ4.2%.
يُسهم القطاع الفلاحي بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويرتبط معدل النمو بأداء هذا القطاع في ظل فرص العمل التي يوفرها والقيمة التي يحققها.
الطلب الداخلي
ألقت معدلات التضخم بظلالها على الطلب الداخلي وإنفاق الأسر خلال الربع الثاني، إذ ارتفعت أسعار المستهلكين 8% في أغسطس على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى مسجل في المملكة منذ تسعينيات القرن الماضي، اضطر معه البنك المركزي لرفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى 2 خلال الأسبوع الجاري، في خطوة لم يقدم عليها البنك منذ 14 عاماً.
سجل الطلب الداخلي تباطؤاً ملحوظاً في الربع الثاني، حيث سجل نمواً بـ2% خلال الربع الثاني 2022 مقارنة بـ10% قبل عام. وهبطت مساهمته في النمو الاقتصادي من 11.3 نقطة مئوية قبل عام إلى 2.2 نقطة خلال الربع الثاني من العام الجاري، وفق بيانات المندوبية.
كما سجلت نفقات الاستهلاك النهائي للأسر تراجعاً في معدل نموها من 13.6% خلال الربع الثاني من 2021 إلى 3.2% مساهمة في النمو بـ1.7 نقطة مقابل 7.4 نقطة.
في المقابل، سجلت المبادلات الخارجية للسلع والخدمات مساهمة في النمو بلغت 0.2 نقطة عوضاً عن مساهمة قدرها 2.9 نقطة خلال الربع الثاني من سنة 2021.
يتوقَّع بنك المغرب أن يسجل النمو في نهاية العام 0.8% على أن يتسارع إلى 3.6% العام المقبل، مقابل ركود بـ7.2% عام 2020، وانتعاش قوي بـ7.9 % خلال العام 2021.
سجّلت ميزانية المغرب عجزاً بقيمة 30.4 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار) بنهاية أغسطس، وفقاً لوزارة الاقتصاد والمالية، إذ شهدت النفقات ارتفاعاً بقيمة 22 مليار درهم، وقد نجم ذلك بشكل أساسي عن الدعم المخصص للعاملين في قطاع نقل المسافرين لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات.
بدأ المغرب مطلع سبتمبر تطبيق زيادة على الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، بواقع 6% و10% على التوالي، بعد اتفاق وُقِّع شهر مايو الماضي مع النقابات الكبرى واتحاد أصحاب العمل.
وتنادي النقابات حالياً بإقرار زيادة جديدة على الأجور، تشمل القطاعين العام والخاص، لدعم القدرة الشرائية للمواطنين بمواجهة التضخم. وكبديل عن ذلك؛ تفضل الحكومة مناقشة إمكانية خفض الضرائب المفروضة على الأجور لإدراجها في موازنة 2023.
النمو المحقق في الربع الثاني يعد جيداً، في ظل الوضع التي يعيشه المغرب من موسم جفاف وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وفق المحلل الاقتصادي إدريس الفينة.
قال الفينة، لـ"الشرق"، إن "المغرب وازن بين التأثيرات الإيجابية والسلبية للأوضاع الدولية الحالية، إذ ارتفعت قيمة صادراته مدفوعةً بمبيعات الفوسفات والزراعة ما عوض الزيادة في الواردات الناتجة عن ارتفاع فاتورة الطاقة".
يبلغ احتياطي المغرب من العملات الأجنبية ما يناهز 340 مليار درهم (30 مليار دولار)، وهو ما يغطي استيراد السلع والخدمات الأساسية الضرورية لقرابة 6 أشهر، وهي "وضعية مريحة مقارنة بدول أخرى في المنطقة"، حسب رأي الفينة.
يساهم في تعزيز رصيد المغرب من العملة الصعبة تحويلات المغتربين التي من المرتقب أن تنهي العام برقم قياسي يصل إلى 100 مليار درهم (9 مليارات دولار)، إلى جانب صادرات الفوسفات والسيارات والفلاحة.
فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي خلال العام المقبل، نبه المحلل الاقتصادي إلى أن "الأمطار أصبح تتأخر إلى بداية يناير مقابل سبتمبر وأكتوبر في السنوات الماضية، وبالتالي يصعب توقع النمو المقبل".
أضاف: "إذا امتد موسم الجفاف للعام القادم سيكون الأمر كارثياً على اقتصاد المغرب لأن البلاد غير مهيأة لموجة جفاف أخرى".
ولدعم القطاع الفلاحي في الدولة، أعلن البنك الإفريقي للتنمية، اليوم الجمعة، عن موافقته على قرض بقيمة 195 مليون دولار للمغرب لزيادة إنتاجية الحبوب بنسبة 50%، وخفض واردات الحبوب بنسبة 20% بحلول عام 2030 وزيادة دخل المزارعين.
ولدعم الطلب الداخلي الذي يلعب دوراً مهماً في النمو الاقتصادي، قال إدريس الفينة إن ذلك ممكن من خلال التحفيزات الضريبية وهو ما قامت به عدد من الدول عبر العالم، بدلا من الدعم المباشر الذي يؤثر بشكل أكبر على التوازن المالي والتضخم.