تحولت الانتخابات الرئاسية في البرازيل، التي ستنطلق في أكتوبر المقبل، إلى معركة نديّة مشوّقة بين شخصين استثنائيين متناقضين على الصعيد السياسي، وهما: الرئيس الحالي للبلاد، جايير بولسونارو، ولويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي حكم البلاد من 2003 إلى 2010.
ورغم أن هناك 9 مرشحين آخرين في السباق، لا يملك أياً منهم فرصة حقيقية في الفوز. ستؤثر نتيجة الانتخابات بشكل كبير على أكبر دول جنوب أميركا وأكثرها اكتظاظاً بالسكان.
1 - لماذا تعد هذه الانتخابات معركة شرسة للغاية؟
أُدين لولا، وهو زعيم سابق لاتحاد العمال، بتهمتي غسيل الأموال وفساد في 2017، وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 أعوام، مما منعه من الترشح في الانتخابات التي أوصلت بولسونارو إلى السلطة منذ 4 أعوام. أُفرِج عن لولا في 2019 بعد تعديل في قوانين الاستئناف، وألغت المحكمة العليا في البلاد الحكم الذي حصل عليه لأسباب إجرائية في 2021، وهو سمح له بالعودة للعمل السياسي مجدداً. كما نجا المرشح البالغ من العمر 76 عاماً من مرض السرطان، ويحظى باحترام الذين ينسبون إليه الفضل في تطبيق سياسات اجتماعية انتشلت الملايين من الفقر خلال فترتي حكمه، فيما يمقته آخرون ممن يرونه رمزاً للفساد. أما بولسونارو، الذي يبلغ من العمر 67 عاماً، فشغل منصب قائد سابق في الجيش، وتعرض لحادثة طعن أثناء الحملة الانتخابية في 2018، ونُقل إلى المستشفى عدة مرات نتيجة لهذا الهجوم، وهو مثير للجدل بنفس القدر. مؤيدو بولسونارو يعتبرونه حامي القيم الأسرية التقليدية وناشطاً ضد الفساد، لكن معارضوه وصفوه بأنه حاكم سلطوي يميني متطرف، ويتهمونه بالترويج للتمييز على أساس الجنس والعنصرية وكراهية المثليين.
2 - ما التحديات المتوقعة؟
على الإدارة المقبلة أن تستجيب للغضب الشعبي المتزايد بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة وازدياد الفقر والجوع في أعقاب جائحة كورونا، حتى في الوقت الذي تحاول فيه إقناع المستثمرين بأنها ملتزمة بسياسات مالية سليمة. تعهد بولسونارو، إذا أُعيد انتخابه، بخصخصة شركة النفط "بتروليو برازيليرو" التي تملكها الدولة، وخدمة البريد الوطنية، وخفض ضرائب الشركات في محاولة لتعزيز الاستثمار، وتمرير قوانين مؤيدة لحمل السلاح، والتصدي للإجهاض.
قال لولا إنه سيعمل على تغيير قواعد تحد من الإنفاق العام، وإصلاح نظام الضرائب بحيث يدفع الأغنياء أكثر والفقراء أقل، والتأكد من تحقيق البرازيل الاكتفاء الذاتي في النفط والوقود، وحماية غابة الأمازون المطيرة. سيكون التصويت أيضاً اختباراً رئيسياً للمؤسسات البرازيلية، إذ يبدو أن بولسونارو يمهد الطريق لمعارضة نتيجة الانتخابات إن لم تكن في صالحه.
3 - كيف يشكك بولسونارو في نزاهة الانتخابات؟
قال بولسونارو إنه لن يعزله من منصبه غير الله، كما سعى خلال أغلب فترة حكمه التي امتدت 4 أعوام إلى تقويض المؤسسات التي تفرض ضوابط وتوازنات على سلطاته.و شكك مراراً في مصداقية نظام التصويت الإلكتروني للدولة، حتى أنه زعم دون دليل أن انتخابات 2018 زُورت لتغيير النتيجة لأنه لم يفز من الجولة الأولى. هناك أيضاً مخاوف بأنه قد يقلّد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في محاولته لقلب نتيجة الانتخابات خلال 2020. في أواخر يوليو، وقع كبار المسؤولين في الشركات والبنوك البرازيلية والحقوقيين والاقتصاديين وغيرهم من المهنيين خطاباً، دفاعاً عن نظام التصويت في البلاد، وقالوا إن الهجوم غير المبرر على النظام شكّل "تهديداً كبيراً" للديمقراطية. لم يذكر الموقّعين، الذين تخطى عددهم 60 ألفاً، بولسونارو بالاسم. نفى الرئيس أنه قد يفكر في القيام بانقلاب في حالة خسارته للانتخابات، وتعهد مؤخراً بقبول نتيجة الانتخابات في محاولة لاستمالة الناخبين المعتدلين.
4 - ماذا تُظهر استطلاعات الرأي؟
مع اقتراب موعد التصويت في 2 أكتوبر، تشير الاستطلاعات أن لولا يقترب من الحصول على الدعم الكافي ليحصل على أكثر من 50% من الأصوات الصحيحة المطلوبة لتجنب جولة ثانية. أظهر استطلاع رأي أجراه معهد "داتا فولها" (Data Folha) في 23 سبتمبر حصول المتنافس على 47% من الأصوات في تصويت الجولة الأولى، فيما حافظ بولسونارو على مستواه عند 33%. أظهرت استطلاعات أخرى أيضاً أن لولا اكتسب زخماً في الأيام الأخيرة من الحملة، ورغم أن جولة الإعادة ما تزال هي السيناريو الأكثر ترجيحاً، فإن فرص تحقيق فوز حاسم تزداد باستمرار.
5 - ما سر جاذبية لولا؟
أثار لولا ذكريات العصرٍ الذهبي للبرازيل، حينما نجحت سياسات حكومية موّلتها ازدهار السلع الأساسية في القضاء على الجوع وخفض الفقر وتعزيز صفوف الطبقة الوسطى – وهو زمن جميل تعهد بإعادة إحيائه.
اقرأ أيضاً: دي سيلفا يوسع تقدمه في سباق رئاسة البرازيل
يعد لولا أيضاً البديل الوحيد العملي لبولسونارو من قِبل هؤلاء الذين يتهمون الرئيس الحالي بالفشل في التعامل مع الجائحة، وتقويض المؤسسات الديمقراطية والحقوق المدنية.
6 - ماذا فعل بولسونارو لتحسين موقفه؟
أنفق بولسونارو أموالاً طائلة للحد من تأثير أزمة كوفيد- 19، ومؤخراً لتخفيف ارتفاع تكاليف المعيشة للبرازيليين المعرضين لضغوط. ارتفعت شعبيته إلى مستوى قياسي خلال الجائحة، إذ قدمت الحكومة مساعدات نقدية قدرها 600 ريال (111 دولاراً) للفقراء. مع تخطي معدل التضخم 10%، تقدَّم بولسونارو بتشريع لزيادة المنح المقدمة إلى نحو 18 مليون أسرة مؤقتاً، كما سيقدم مساعدات نقدية مؤقتة لسائقي سيارات الأجرة وشاحنات النقل، لحمايتهم من الأسعار الأعلى للوقود. رغم شعبية الإجراءات وتباطؤ التضخم بشكل كبير، لم يكفِ ذلك حتى الآن لسد الفجوة بينه وبين لولا في استطلاعات الرأي.
7 - ما هو أداء الاقتصاد البرازيلي؟
تعد حالة الاقتصاد، إلى حد كبير، مصدر القلق الرئيسي للناخبين البرازيليين، وقد أظهر الاقتصاد علامات تحسن في الأشهر الأخيرة القليلة. فاق النمو التوقعات في الربع الثاني، والبطالة عند أدنى مستوياتها في قرابة 7 أعوام، رغم أنها ما تزال فوق 9%. يتوقع الاقتصاديون أن تختم البرازيل العام بتوسع يبلغ 2.7% في الناتج المحلي الإجمالي وتباطؤ التضخم إلى 5.88%، وهي تطلعات أفضل بكثير من نظيرتها في بداية 2022. السؤال الأهم الآن هو إذا ما كان هناك وقت كاف قبل الانتخابات المقبلة لتؤثر هذه التحسينات على ما يكفي من الناخبين من أجل زيادة تعزيز أصوات بولسونارو.