يعيش رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد منذ عام 2020 في نزاع مستعر مع قادة منطقة تيغراي الشمالية. حيث دخلت قواته في صراع معهم على مدى أكثر من 16 شهراً قبل إعلان الهدنة خلال مارس الماضي. ثم في أغسطس، اتهم الجانبان بعضهما البعض بالتخطيط لشن هجمات جديدة. قالت لجنة معنية بحقوق الإنسان تابعة لمنظمة الأمم المتحدة إن هناك أدلة على ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق. دفع الصراع ملايين الناس إلى الجوع، وشوّه سمعة آبي، الذي حاز من قبل على جائزة نوبل. تفاقمت المأساة بسبب أسوأ موجة جفاف منذ 4 عقود وارتفاع أسعار الحبوب والوقود. تتصدى السلطات أيضاً للعنف السياسي في داخل البلاد ونزاع حدودي مع السودان، والهجمات التي تشنها الميليشات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
1) كيف ساءت أحوال آبي؟
كانت بداية آبي في منصب رئيس الوزراء خلال 2018 قوية، حيث ألغى الحظر المفروض على المعارضة والجماعات المتمردة، وعزل المسؤولين المتهمين بالفساد، كما أنهى الخصومة بين إثيوبيا وجارتها إريتريا التي استمرت على مدى عقدين، وهي مبادرة أهلته للحصول على جائزة نوبل للسلام في 2019. كما رحّب برأس المال الأجنبي للحفاظ على الزخم في واحدة من أسرع الاقتصادات توسّعاً في العالم، وتعهد بإخماد الاضطرابات المدنية. لكنه عانى لاحتواء التوترات العرقية، كما أن محاولاته لتهميش الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي لعبت دوراً بارزاً كوسيط سياسي قوي في البلاد على مدار عقود، أدت لاشتعال الحرب الأهلية. كما أوقف صراع الخصخصة المخطط لها لأصول قطاع الاتصالات الرئيسية في البلاد، وغيرها من الإصلاحات الاقتصادية، كما دفع الحكومة الأميركية إلى فرض عقوبات على إثيوبيا ومنع وصولها إلى الأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية.
2) كيف اشتعلت شرارة الحرب الأهلية؟
سعى آبي إلى تثبيت أقدامه في السلطة بمساعدة حزب الازدهار الذي شكله حديثاً بعد توليه زمام منصبه. وهذا يعني مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي هيمنت على الائتلاف الحاكم منذ الإطاحة بالنظام الماركسي في 1991 واستمرت في حكم منطقة تيغراي. رفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الرضوخ للتغييرات الجديدة، وتجاهل قادتها توجيهاً حكومياً لتأجيل الانتخابات التشريعية في تيغراي بسبب الوباء، وردت الجمعية البرلمانية الاتحادية بوقف الدعم المباشر للميزانية للإقليم. أصدر آبي أوامر بالتوغل عسكرياً في تيغراي خلال نوفمبر 2020 بعد اتهام القوات الموالية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمهاجمة قاعدة عسكرية لسرقة أسلحة.
اقرأ أيضاً: حرب إثيوبيا الأهلية كارثة تزداد سوءاً
قالت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إن غارتها كانت ضربة استباقية لأن القوات الاتحادية كانت تستعد للهجوم. في نهاية المطاف، فازت الحكومة بالمعركة وانسحب المتمردون إلى داخل حدود تيغراي في ديسمبر 2021. واصلت الحكومة الضربات الجوية على تيغراي واستمر القتال في منطقتي أمهرة وأفار المجاورتين قبل إعلان الهدنة. في سبتمبر من هذا العام، اتهمت الجبهة القوات الاتحادية ونظيرتها المتحالفة من إريتريا المجاورة بشن هجوم جديد في 4 مناطق شمال تيغراي، مما أثار مخاوف من استئناف الحرب الشاملة.
3) ما تداعيات الصراع؟
لم تكشف الحكومة عن حجم الخسائر في الأرواح، وقُيّد الوصول إلى مناطق النزاع، لكن هناك شكوك حول سقوط عشرات الآلاف من الأشخاص بسبب القتال والجوع ونقص الرعاية الطبية. قدرت الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أن الحرب والجفاف في شرق إثيوبيا، خلّفا حوالي 20 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة. وكان الوضع مريعاً بشكل خاص في تيغراي وأفار، حيث ينتشر فيهما سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي. رفضت الحكومة مزاعم جماعات حقوق مدنية بأنها أعاقت جهود تقديم المساعدات، أو أن قواتها كانت طرفاً في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. ذكرت لجنة خبراء الأمم المتحدة في سبتمبر أن جميع أطراف القتال ارتكبت على الأرجح انتهاكات مثل عمليات القتل خارج نطاق القانون والاغتصاب. وقالت إن هناك "أسباباً معقولة للاعتقاد" أنه في بعض الحالات، ترقى الانتهاكات إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
4) ما هي التوترات الأخرى المحيطة بالنزاع؟
اتهمت الحكومة أعضاء جيش تحرير الأورومو- الذي انحاز إلى الجبهة، وكان يناضل من أجل مزيد من الحكم الذاتي للإقليم- بقتل مئات المدنيين، ونشرت قوات الجيش لتجنب مزيد من العنف. بدورها، زعمت المجموعة، التي تسيطر على عدد من البلدات والقرى في منطقة أوروميا الوسطى، أن الشرطة الاتحادية كانت تستهدف وتقتل ذوي الأصول الأورومية والنويرية. كما دخل آبي في خلاف مع فانو، وهي جماعة عرقية من أمهرة قاتلت إلى جانب القوات الاتحادية ضد مقاتلو تيغراي وعارضت الهدنة لأنها أرادت انتصاراً تاماً وحقوقاً لا جدال فيها بالأراضي المتنازع عليها. في الوقت نفسه، هناك صراع مستعر بين إثيوبيا والسودان بشأن حقوق ملكية رقعة من الأراضي الخصبة على طول حدودهما. كما شنت حركة الشباب، وهي جماعة إسلامية مقرها الصومال مرتبطة بالقاعدة وتسعى لتوسيع نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، هجوماً في الأراضي الإثيوبية في يوليو 2022.
5) ما أسباب عدم الاستقرار الكبير في البلاد؟
لطالما عانت إثيوبيا، وهي أقدم دولة تنال استقلالها في أفريقيا، من حالة الشقاق الموجودة بين أكثر من 80 جماعة عرقية فيها. كانت البلاد تخضع للنظام الملكي بالكامل حتى الثورة الاشتراكية في 1974 التي أطاحت بالإمبراطور هيلا سيلاسي. وأصبحت الدولة بعدها اتحاداً متعدد الأعراق في 1991، عندما أطاح تحالف بقيادة جبهة التحرير الشعبية في تيغراي بالنظام العسكري الماركسي الذي أعقب عزل سيلاسي. بالرغم من أن التيغرايين يشكلون 6٪ فقط من السكان، إلا أنهم سيطروا على السياسة الوطنية.
اقرأ أيضاً: صفقة بمليار دولار بين موانئ دبي وإثيوبيا لربط الدولة الحبيسة بميناء بربرة الصومالي
في 2018، استقال رئيس الوزراء هايليماريام ديسالين بعد فشله في محاولات إخماد 3 سنوات من الاحتجاجات العنيفة على تهميش مجتمعات أخرى أكبر، بما في ذلك الأورومو والأمهرة، ورشحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي كانت الحزب الحاكم في البلاد آنذاك، آبي أحمد، وهو من الأورومو، ليكون خلفاً له. فاز حزب آبي بأغلبية ساحقة بالانتخابات التي أُجريت في منتصف 2021.
6) كيف أثر ذلك على الاقتصاد؟
توسع اقتصاد إثيوبيا البالغ حجمه 105 مليارات دولار بمتوسط يزيد عن 7٪ سنوياً في الفترة بين 2018 -وهو العام الذي تولى فيه آبي السلطة- و2021، لكن صندوق النقد الدولي يتوقع تباطؤ معدل النمو إلى أقل من 4٪ في 2022.
اقرأ أيضاً: البنك الدولي يمنح إثيوبيا 300 مليون دولار لإعادة الإعمار
في ظل الضغوط الملقاة على عاتق البلاد، أعلنت الحكومة في 2021 أنها تريد إعادة هيكلة ديونها الخارجية ومقدارها 28.4 مليار دولار. لكن الولايات المتحدة حثت المقرضين متعددي الأطراف على وقف تعاملهم مع إدارة آبي، ومن الممكن أن يؤدي حظر تمويلهم إلى عرقلة إعادة جدولة الديون. كما أن صندوق النقد الدولي لم يطلق حتى الآن برنامجاً جديداً لإثيوبيا -وهو مطلب رئيسي لإعادة هيكلة الديون- بعد انقضاء البرنامج السابق دون صرف أي أموال. في هذه الأثناء، شدد البنك المركزي الإثيوبي الضوابط التي يفرضها على العملة.