بلومبرغ–بقلم: زينب فتاح وعبير أبو عمر
أحدهما هو وجه الإمارة.. والآخر هو رجل الأرقام، لكنّ كليهما مكلَّف بالحفاظ على مكانة دبي بوصفها مركزاً للأعمال في الشرق الأوسط.. إنهما الشيخ حمدان ولي عهد دبي، والشيخ مكتوم نائب حاكم دبي ووزير المالية في الإمارات العربية المتحدة، وكلاهما من أبناء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
يبدو معتاداً في دبي أن يتزاحم السياح لالتقاط صور "سيلفي" مع ولي عهد دبي الشيخ حمدان وهو مبتسم، وسط عشرات المسؤولين المحليين، مختطفاً الأضواء كما لو أنه أحد مشاهير "إنستغرام"، وهو المعتاد الحضور مع النجوم العالميين كلاعب كرة القدم كريستيانو رونالدو.
أما خلفه، وعلى بُعد أمتارٍ قليلة، فيقف ضمن معرض "دبي إكسبو"، في وقتٍ سابق من هذا العام، رجل قد يكون أقل نشاطاً اجتماعياً في الإمارة، إلا أن تأثيره يلقى إشادة المستثمرين الأجانب، وهو شقيق ولي العهد، إنه الشيخ مكتوم بن محمد، الذي يُبقي المديرين التنفيذيين للشركات الحكومية متأهبين للقيام بمهامّهم.
نظراً إلى أن والدهما، نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء وحاكم دبي يُلقي على عاتقهما مزيداً من المسؤوليات، فقد حرص كل من الشيخ حمدان بن محمد (39 عاماً) وشقيقه الشيخ مكتوم (38 عاماً) على اكتساب مكانتهما الخاصة في سياق اضطلاعهما بمهمة الحفاظ على مكانة دبي بوصفها مركز أعمال بارزاً في الشرق الأوسط، وسط منافسة إقليمية وتمحيص دولي في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.
تشاور دائم
يقول ناصر الشيخ، مدير عام دائرة المالية السابق في دبي، الذي أسهم في جهود الإمارة لمواجهة أزمة الديون عام 2009: "فكّر في المدينة على أنها شركة، حمدان رئيس مجلس إدارتها، ومكتوم الرئيس التنفيذي. فالأول هو وجه دبي وولي العهد، إلاّ أن القرارات في جميع القضايا تُتخذ بعد التشاور بين الشقيقين".
فضلاً عن ذلك، يضطلع الشيخ حمدان، ولي العهد صاحب الشخصية القوية، بدور "مدير التسويق" في مدينةٍ تعتمد على التألق والقدرة على جذب رؤوس الأموال وملايين السياح. في حين أثبت الشيخ مكتوم دوره المحوري هذا العام على صعيد تعزيز مكانة دبي بوصفها سوقاً مالية، إذ كان صاحب المبادرة لإدراج الشركات العملاقة التي تديرها الحكومة للاكتتاب العام، آخرها هذا الشهر "سالك" مشغّل رسوم الطرق، وهو يستدعي تباعاً رؤساء هذه الشركات للاطلاع على أرقام المؤسسات التي يديرونها.
هل تفقد نيويورك ولندن وهونغ كونغ بريقها فيما تبرز دبي؟
بعيداً عن الأسواق المالية، تتعرّض دبي لضغوط تتعلق بطلبات دولية لتضييق الخناق على ما يتدفق من أموال قد تكون غير مشروعة. وفي حين أن أزمة الطاقة ربما ساهمت بتعزيز عائدات النفط في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنها ستسرع على المدى الطويل التحرك العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري.
إلى ذلك، يحتاج الشقيقان إلى الحفاظ على توازن القوى الدقيق داخل الدولة، بعدما اتفقت أبوظبي مع دبي على إعادة التركيز على الأعمال والاقتصاد، وبدرجة أقل على السياسة الخارجية التي أدّت إلى تدخّلات في صراعات عسكرية تمتدّ من اليمن إلى ليبيا وتركيا.
في غضون ذلك، تمثل المملكة العربية السعودية تحدّياً آخر برغبتها في محاكاة دبي باعتبارها نقطة جذب للمواهب الأجنبية والاستثمار.
يُشار إلى أن حمدان ومكتوم نادراً ما يتحدثان إلى وسائل الإعلام، ولم يردّ المكتب الإعلامي في دبي على الطلبات المكتوبة لإجراء مقابلات أو التعليق على هذا المقال.
"فزاع" الديناميكي
لُقِّب الشيخ حمدان باسم "فزاع"، أي الشخص الذي يندفع لمساعدة الآخرين. وقد عُيّن ولياً للعهد عام 2008، في تخطٍّ لشقيقه الأكبر الشيخ راشد الذي قضى لاحقاً عام 2015 عن عمر يناهز 33 عاماً. وبينما تمتلئ حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي بصور أكثر رسمية خلال المهام الحكومية، يتميّز الشيخ حمدان أيضاً بمهاراته في القفز بالمظلات، وتسلق الجبال، وركوب الخيل، والوقوف على قمة أطول برج في العالم. كما لديه 14.6 مليون متابع على "إنستغرام" -أي أكثر من عدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة- ويتفاعل مع الناس في مراكز التسوق والمطاعم في دبي استمراراً لصورة القائد الودود التي طوّرها والده على مدى عقود.
يرافق الشيخ حمدان والده في معظم الاجتماعات مع حكام الإمارات، ويرأس المجلس التنفيذي لدبي المكوّن من 22 عضواً، الذي يضم شقيقه مكتوم. وحسب موقع المجلس على الإنترنت فإن حمدان "يتميز بشخصيته الشابة والديناميكية" التي ساعدته في بناء علاقات مع سكان المدينة. وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة صندوق الثروة السيادي للإمارة "مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية".
في الوقت نفسه، يصف موقع المجلس الشيخ مكتوم بأنه يمتلك "سمات القائد الشاب الطموح" الذي انطلق إلى دائرة الضوء عندما عُيّن وزيراً للمالية في دولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2021 بعد وفاة عمه. وقادته عمليات بيع أسهم الشركات التي كانت مملوكة للدولة لفترة طويلة إلى لفت انتباه المستثمرين إليه، الذين طالبوا لسنوات بإدراج الشركات التي تديرها الدولة لتعزيز بورصة دبي.
دبي.. المركز الجديد لصناديق التحوّط العالمية
تقول الشيخة نجلاء القاسمي، وهي باحثة رئيسية في "مركز دبي لبحوث السياسات العامة" (بحوث)، وقد عملت أيضاً سفيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة: "يلعب الشيخ مكتوم حالياً الدور المنوط به بدقّة، وهو دور محدّد وتقني. أما دور الشيخ حمدان بوصفه ولياً للعهد فهو دور سياسي بدرجة أكبر. وهو محبوب جداً من قِبل المواطنين والقبائل، فضلاً عن قدرته على التواصل مع المجتمع الكبير من المغتربين في دبي".
تدقيق مكثّف
منذ توليه رئاسة جهاز الرقابة المالية في دبي، أصدر الشيخ مكتوم أوامره بإجراء تحقيقات مالية في عديد من الشركات الحكومية عند الاشتباه في وجود فساد محتمل، حسب أشخاص مطّلعين على الأمر، رفضوا الكشف عن هويّاتهم نظراً إلى سرّية المعلومات. وأضافوا أنه يحرص على أن تكون الاجتماعات الرسمية قصيرة وجادّة وتمسّ صُلب الموضوعات.
يكشف مسؤول تنفيذي في شركة مملوكة لحكومة دبي أنه فوجئ عندما تلقّى مكالمة من مكتب الشيخ مكتوم لاستدعائه. وعند وصوله إلى المكتب جرى توجيهه لكي يسير وحده برفقة الشيخ مكتوم لبضع دقائق، الذي كان يحمل بيده زجاجة مياه، وبدأ على الفور في مراجعة بعض المعاملات، طالباً منه بعض التفاصيل والمعطيات.
المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه لخصوصية الاجتماع، نوّه بأنه شعر بعدم الارتياح من اللقاء، إذ بدا متوتراً بمراجعة ملفاته، قبل أن يبادر الشيخ مكتوم لتهدئة روعه، وقُبيل مغادرته أعطاه رقم هاتفه المباشر.
إيجارات المكاتب في دبي ترتفع أسرع من نيويورك ولندن
بدوره، يُفيد أحد المصرفيين بأن الشيخ مكتوم، الذي يتولى أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء ونائب حاكم دبي، معروف عنه أيضاً أنه يطلب أحياناً بيانات حول آخر التطورات بشأن مشاريع بعينها في وقت متأخر من الليل أو في عطلات نهاية الأسبوع.
يَعتبر طارق فضل الله، رئيس أعمال الشرق الأوسط في "نومورا أسيت مانجمنت" (Nomura Asset Management)، أنه "حدث تغيير إيجابي في بورصات دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تولي الشيخ مكتوم مهامه. بالتأكيد من عوامل نجاحه أنه ابن حاكم دبي، وأنه ينتمي إلى جيل يثق بالتغيير السريع".
يهدف الشيخ مكتوم إلى ضمان عدم تكرار الانهيار المالي الذي شهدته دبي عام 2009، والذي تطلّب خطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار بمساعدة من أبوظبي. وعندما كان الشيخ مكتوم في أوائل العشرينيات من عمره آنذاك، حيث كانت دبي تواجه خطر التخلّف عن سداد الديون، طلب من ناصر الشيخ عرضاً تفصيلياً للوضع المالي للإمارة. ويوضح الشيخ: "طُلب مني الاجتماع معه من أجل استعراض الأرقام، فقد كان يريد أن يعرف أين كانت نقاط الضعف تحديداً وما سببها".
تحدّيات جديدة
تواجه دبي الآن تحديات جديدة، ففي وقتٍ سابق من العام الحالي أُدرجت دولة الإمارات العربية المتحدة على ما يسمى بـ "القائمة الرمادية" من قِبل "مجموعة العمل المالي" التي تتخذ من باريس مقرّاً لها، بدواعي "أوجه قصور" تعاني منها الدولة في ما يتعلق بالتعامل مع الأموال غير المشروعة. ومنذ ذلك الحين أعلنت الإمارات إنها "ستكثف اتفاقيات تسليم المجرمين".
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا ازداد التدقيق الدولي حول كيفية تعامل دبي مع "الأموال غير المشروعة". فقد حافظت الإمارات على علاقاتها السياسية مع روسيا، بموازاة إشارة المسؤولين بشكلٍ خاص إلى أن الدولة ستلتزم العقوبات الدولية.
دبي.. سويسرا الجديدة لتجّار السلع الروسية
كما بدأ انفتاح المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في جذب المواهب الأجنبية التي عادةً ما كان ينتهي بها المطاف في دبي.
بذلت الإمارات جهوداً لجعل الدولة أكثر جاذبية بالنسبة إلى الشركات الأجنبية وتشجيع الوافدين على ترسيخ جذور أعمق في الدولة، إذ جرى إلغاء تجريم المساكنة بين غير المتزوجين، وسُمح للوافدين بالزواج والطلاق واستخدام قوانين الميراث المعمول بها في بلدانهم الأصلية، كما أُلغي شرط الحصول على ترخيص لتناول الكحول، كما أنها ألغت الحاجة إلى وجود شركاء مواطنين لتأسيس نشاط تجاري. وأطلقت الإمارات خطط التأشيرات طويلة الأجل، وفتحت الباب بشكل انتقائي لمنح الجنسية الإماراتية، وهي خطوة نادرة في منطقة الخليج.
طريقة انتقال دبي إلى الفصل التالي من مسيرتها ستعتمد على الديناميكية بين الشقيقين، إذ يسير الشيخ حمدان على خطى والده الشيخ محمد بوصفه وجهاً للمدينة، فيما يرسّخ الشيخ مكتوم دوره بوصفه رجل الأرقام.
يلفت جيم كرين، مؤلّف الكتاب الذي صدر في عام 2009 بعنوان "مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية"، إلى أنه عندما جرى تعيين الشيخ مكتوم في موقع رسمي لأول مرّة، "كانت التوقعات غير مرتفعة، وكانت صورته إلى حدٍّ ما غامضة، لكنه الآن يبرز بشكل واضح من خلال قوة شخصيته واستعداده للانخراط في العمل".