في الوقت الذي تحتضن فيه سنغافورة حقبة ما بعد "كوفيد"، ينشغل قادة المدينة في تحديث القواعد المتعلقة بتعيين العمال الأجانب مع إزالة قيود فيروس كورونا، مستشهدين بمعركة شديدة التنافسية لكسب المواهب العالمية.
وتصدّرت التأشيرات لمدة خمس سنوات وإلغاء قانون ضد ممارسة الجنس بين الرجال، عناوين الصحف، لكن سنغافورة كشفت عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مساعدتها على تجاوز المراكز المالية الأخرى، وجذب المواهب في صناعات الجيل التالي مثل الحوسبة والطيران، وحتى الفنون.
في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء لي هسين لونغ في خطابه الشهر الماضي الذي تعهد فيه بتعزيز مهارات القوى العاملة الوطنية: "لا تزال سنغافورة مدينة عالمية؛ ولا يمكننا البقاء بأي طريقة أخرى".
إليك كل ما نعرفه عن كيفية رؤية سنغافورة لمعركة العمال الأجانب، وما الذي تفعله حيال ذلك:
المنافسة
لطالما كان الاستقرار السياسي، والسلامة، والرعاية الصحية الفعالة، والنقل العام، جزءاً من العرض الذي تُقدّمه سنغافورة للعالم. إلا أن قادة المدينة يقولون إن هذا لا يكفي. والمنافسة ليست فقط مع هونغ كونغ:
في خطابه بمناسبة العيد الوطني، خصّ لي ألمانيا، والتي ستسمح لبعض العمال بدخول البلاد قبل أن يؤمنوا وظيفة، والمملكة المتحدة، التي تقدّم تأشيرة خاصة للخريجين من أفضل 50 جامعة في العالم- اثنتان منها في سنغافورة.
ثم هناك تايلندا، التي كشفت للتو عن خطة التأشيرات الخاصة بها لمدة 10 سنوات للعمال الأجانب، ودولة الإمارات التي ستسمح لبعض الوافدين بالحصول على تأشيرات عمل دون كفالة شركة.
نظام "البوصلة": التعليم، المهارات، الأجور
ابتداءً من عام 2023، تُنشئ سنغافورة نظاماً قائماً على النقاط للمرشحين للحصول على التأشيرة، وذلك بهدف تقييم أشياء مثل التعليم والمهارات والأجور، وكيف تُسهم الجنسية في التنوع في شركتهم. ويحاكي نظام "البوصلة" برامج مماثلة في المملكة المتحدة وكندا.
في برنامج سنغافورة، يحتاج المتقدمون إلى 40 نقطة على الأقل عبر ست فئات للتنافس، مع إمكانية تسجيل 0 أو 10 أو 20 نقطة في كل منها. هل لديك شهادة جامعية من جامعة هارفارد؟ عشرون نقطة لك.
مدة التأشيرة
في أكبر تحول لها، ستقدم سنغافورة تأشيرة عمل لمدة خمس سنوات –تصريح العمل للشبكات والخبرة الخارجية (ONE)- بالنسبة إلى أولئك الذين يكسبون ما لا يقل عن 30,000 دولار سنغافوري (21,300 دولار أميركي) شهرياً، وهي قفزة من تصريح العمل لمدة سنتين الذي حصل عليه العديد من العمال الأجانب.
كما تسمح التأشيرة الجديدة أيضاً للأشخاص الذين يعيلهم العمال، بالبحث عن عمل، وتفتح الباب لمرشحين استثنائيين في الرياضة، والفنون، والعلوم، والأوساط الأكاديمية الذين لا يستوفون معايير الراتب.
فيما يلي تفاصيل تصريح ONE مقارنة بتصاريح العمل الأخرى التي طرأت عليها تعديلات مؤخراً:
التوظيف المحلي
يهدف "إطار التقييم العادل "في سنغافورة إلى ضمان حصول المرشحين المحليين على فرصة عادلة حتى بين الشركات التي لديها موظفون دوليون بين صفوفها.
لقد تم تشديد السياسات مع ارتفاع معدل البطالة خلال الجائحة وركزت الحكومة على دعم القوى العاملة المحلية. إلا أنه جرى تخفيف بعض هذه القواعد الشهر الماضي.
يجب الآن الإعلان عن الوظائف لمدة 14 يوماً، مقارنة مع 28 يوماً خلال ذروة الجائحة. واعتباراً من 1 سبتمبر 2023، ستكون الأدوار براتب شهري لا يقل عن 22,500 دولار سنغافوري معفاة من متطلبات الإعلان عن الوظائف. وستتم مراجعة حد الراتب هذا بشكل دوري. كما يتم أيضاً إعفاء الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 10 موظفين.
مجتمع الميم+
في محاولة لتحديث الإطار الاجتماعي للمدينة، أعلن رئيس الوزراء لي عن خطط لإلغاء قانون من الحقبة الاستعمارية يجرم الجنس بين الرجال، لكنه قال إن الحكومة ستعدل أيضاً الدستور لمنع الطعن في المحكمة في تعريف الزواج على أنه زواج بين رجل وامرأة، حيث تعني هذه الخطوة أن البرلمان سيحسم في نهاية المطاف هذا الجدل.
وفي الحقيقة، فإن إعلان لي –الذي كان من المفترض أن يكون بمثابة حل وسط بين غالبية من المواطنين الذين يعارضون تغيير التعريف التقليدي للزواج والذين يضغطون من أجل توسيع الحقوق- يترك الشركات في موقف صعب عند السعي لتوظيف مرشحين من مجتمع الميم+ من الخارج.
الموضوع الأكثر إشكالاً بالنسبة لمديري التوظيف هو التأشيرات وأهلية العمال لأزواج المواهب من مجتمع الميم+ الذين لم يتم الاعتراف بزيجاتهم في سنغافورة، حيث قال مسؤولون حكوميون إنهم يتعاملون مع هذه السيناريوهات على أساس كل حالة على حدة.
تفضيلات القطاع
تم تفضيل الأدوار التكنولوجية من جميع الأنواع بشكل كبير حيث تفتح سنغافورة أبوابها بشكل أكبر للمتقدمين الدوليين.
يُشار إلى أن تصريح "Tech.Pass" الذي قدّمته سنغافورة في عام 2020 لا يزال جذاباً لقادة التكنولوجيا إذا جمعت شركاتهم تقييماً أو قيمة سوقية لا تقل عن 500 مليون دولار. ويمكن مراجعة هذا البرنامج بعد أن يصبح تصريح ONE والتغييرات الأخرى سارية المفعول، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "ستريتس تايمز".
الجدير بالذكر أن سنغافورة لم تكن خجولة بشأن رغبتها في تعزيز جاذبيتها لأولئك العاملين في مجال الطاقة الخضراء والتمويل الأخضر، وهي عازمة على البناء على سمعتها باعتبارها "المدينة الخضراء" التي تصورها زعيمها المؤسس، لي كوان يو.
يُشار إلى أنه عندما طُلب من وزير القوى العاملة تان سي لينغ أن يكون أكثر تخصيصاً للقطاع، أخبر "بلومبرغ" بأن الخبراء في مجالات مثل الخلايا الكهروضوئية، وأنظمة تخزين الطاقة، وتكنولوجيا الرنا المرسال سيكونون جذابين بشكل خاص. لكنه قال إنه لا يريد أن يكون أكثر تفصيلاً، لأن "الجميع سيلاحقون بعد ذلك" نفس الأشخاص، وقد تندلع حرب مزايدة.
العمال ذوو الدخل المنخفض
يلاحَظ في نهج سنغافورة الأخير تجاه المغتربين غياب الحوافز لأولئك الذين هم في الطرف الأدنى من سلم الدخل. وفي حين كان نقص العمالة منتشراً على نطاق واسع خلال الجائحة، قال الوزير تان إنه واثق من أنه سيتم تخفيف الأزمة في أعمال البناء، والمعالجة البحرية، وأحواض بناء السفن في الأشهر المقبلة.
وبالمثل، شهدت الأدوار منخفضة الأجر في مجال الترفيه، والضيافة، وقطاع الأغذية، والمشروبات أسواق عمل ضيقة بشكل خاص. إلا أن السلطات ظلت لسنوات تفضل الحلول الرقمية والأتمتة -بما يتجاوز الأدوار التي قد يشغلها الموظفون المحليون- بدلاً من جذب المزيد من العمال ذوي الدخل المنخفض من الخارج.
تكلفة المعيشة
ربما يكون العامل الأكبر الذي يجب أن يزنه العمال الأجانب في أي مكان ينتقلون إليه هو تكلفة المعيشة. وقد ارتفعت أسعار الإيجارات في سنغافورة بأكبر قدر في النصف الأول من العام في 30 مدينة شملتها الدراسة التي أجرتها شركة "سافيلز" (Savills)، حيث قفزت بنسبة 8.5%. ومع ذلك، كانت الدولة المدينة في المرتبة 13 فقط عالمياً من حيث تكلفة المغتربين، وفقاً لمسح أجرته شركة "إي سي إيه إنترناشونال" (ECA International) في مارس. وتصدّرت هونغ كونغ القائمة، كما تصدرت كل من لندن ونيويورك وطوكيو وسيؤول القائمة على سنغافورة.