لا تخشى ليز ترَس اكتساب أعداء جدد، فقد شبهت رئيسة وزراء المملكة المتحدة الجديدة البيروقراطيين بحيوانات "الغريملين" السينمائية، كما أهانت القادة المحليين والأجانب، وقالت إنّ العمال البريطانيين بحاجة إلى مزيد من المهارات.
صرحت ليز، التي تُطلِق على نفسها وصف "المشاكسة"، الأحد، بأنها مستعدّة لاتخاذ قرارات لا تحظى بتأييد شعبي، وسيتوجب عليها الآن اختيار مَن ستُعاديهم أكثر من غيرهم، في ظل مواجهتها أزمة تكلفة المعيشة المتضخمة بشدة، التي تواجه الأُسَر والشركات.
تشير الدلائل إلى احتمالية تراجع ترَس عن رفضها تقديم المنح المالية المباشرة، التي حذرت منها وهي تتودد إلى أعضاء حزب المحافظين، ممن ستحاول استرضاءهم باستخدام التخفيضات الضريبية. وقد يزعج كلا الإجراءين الأسواق بسبب مخاوف تأجيج التضخم.
"تحوُّل كبير"
ويل جينينغز، أستاذ السياسة في جامعة ساوثهامبتون، توقع نسيان الوعود الانتخابية التي قُطعت في أثناء السباق على منصب رئاسة الوزراء بسرعة. وقال: "سيكون هناك تحول وتغيير ضخم ومفاجئ، وسيتطلب عمل ذلك مهارات كبيرة".
اقرأ أيضاً: شعبية ليز ترَس تتراجع عشية فوزها المتوقّع برئاسة الحكومة البريطانية
رغم هذا، فإنّ أنصار ترَس المقربين لديهم شكوك تجاهها، وخطاب فوزها يوم الاثنين لم يبدد كثيراً من الشكوك حول مهاراتها التواصلية، فقد أدى مدحها المتكلَّف للزعيم المنتهية ولايته بوريس جونسون إلى صمت محرج، قبل أن يفهم الجمهور ما ألمحت إليه.
في الأيام الأولى المحمومة لرئاسة ترَس للوزراء، التي تبدأ رسمياً الثلاثاء بعد اجتماع مع الملكة إليزابيث الثانية في اسكتلندا، سينصبّ التركيز على تحديد الكيفية التي تخطط بها لإصلاح الاقتصاد الذي يمرّ بأسوأ مراحله منذ السبعينيات.
تفاقم الضغوط
بعدما كشفت لمحات عن أفكارها الخاصة خلال حملتها الانتخابية، من المتوقع أن تشرح ترَس، البالغة من العمر 47 عاماً، تفكيرها بشكل واضح في أول خطاب لها بوصفها رئيسة للوزراء، بمقر داونينغ ستريت بعد ظهر الثلاثاء، حتى لو أجّلت الكشف عن بعض هذه الأفكار حتى وقت لاحق. ومن المتوقع صدور بيان ماليّ أو ميزانية طارئة لاحقاً هذا الشهر.
اقرأ أيضاً: أجواء من الركود بانتظار رئيس وزراء بريطانيا القادم
ثم ستبدأ بعدها في إعلان أبرز وزرائها، ومن المرجح أن يكون بينهم كواسي كوارتنغ كوزير للخزانة، وذلك استعداداً لعقد أول اجتماع لمجلس الوزراء الأربعاء.
إلى جانب التضخم المتفشي، تتولى ترَس مسؤولية دولة تواجه انهياراً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، والإضرابات العمالية التي تسببت في توقف شبكات النقل.
مخاطرة سياسية
من حيث السياسة الخارجية، تعيش لندن في خصومة مع بروكسل وواشنطن بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ويرجع ذلك جزئياً إلى المسار الذي اتخذته ترَس بوصفها وزيرة للخارجية.
أما الضغط الذي سيُلقى على عاتقها فوراً فهو اتخاذ قرار مؤثر حول فواتير الطاقة متزايدة الارتفاع، التي من المقرر تضاعفها 3 مرات تقريباً هذا الشتاء مقارنةً بالشتاء السابق. ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، ترغب ترَس في الكشف عن حزمة دعم ماليّ مؤقتة للتصدي لارتفاع فواتير الطاقة بشكل فعال، مع اتخاذ إجراءات بشأن الأمن على المدى الطويل حول إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد: فواتير الطاقة في بريطانيا تترقب ارتفاعاً قياسياً جديداً في أكتوبر
لكن ذلك -مع الاقتراض الإضافي المرجح اللجوء إليه بالتبعية- ينذر بتخييب آمال مؤيدي حملتها الانتخابية التي بُنيت على وعود التخفيضات الضريبية، مع تقليص مشاركة الحكومة إلى حد كبير. فقد كانت هذه الحملة مصممة لاستمالة حزب المحافظين الذي لا يزال يعيش على ذكرى الزعيمة السابقة مارغريت ثاتشر.
يقول حلفاء ترَس إنّ السباق الانتخابي أبرز مهارتها في استهداف المجموعة المناسبة من الأشخاص، وإنه لطالما جرى التقليل من شأنها إلى حد كبير بسبب خطاباتها السابقة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
تعزيز نفوذها
استغلّت ترَس منصبها وزيرة للدولة لشؤون التجارة الدولية في مجلس وزراء جونسون لتقديم نفسها على أنها بطلة البريكست، وعززت هذه الفكرة باستخدام منشورات منصة "إنستغرام" المرفقة بصور للعَلَم البريطاني وهو مرفوع في جميع أنحاء العالم. ودعم ذلك تفضيل القاعدة الشعبية في حزب المحافظين لها بجولة الإعادة مع ريشي سوناك. كما عزز استمرار دعمها لجونسون موقفها بعدما بقيت في الحكومة في الوقت نفسه الذي استقال فيه سوناك من منصبه وزيراً للمالية.
طالع أيضاً: إنفوغراف: كيف تغير اقتصاد بريطانيا في 20 عاماً؟
قال جو تانر، وهو محلل سياسي عمل مستشاراً لجونسون عندما شغل منصب عمدة لندن، في مقابلة: "ترَس تعرف كيف تكسب تأييد القاعدة الشعبية، وتعلم ماذا تريد هذه القاعدة. لقد طورت نفسها عبر الظهور بإطلالات ذكية، والتحدث بلهجة صارمة، كما خففت من حدتها قليلاً. أعتقد أنها عززت مكانتها خلال الصيف بطريقة كان الناس ينصحونها بفعلها منذ سنوات".
كانت المسيرة المهنية السياسية لترَس مليئة أيضاً بالمتناقضات، ما يدلل على أنها يمكنها تعديل نهجها إذا استلزم الأمر ذلك. شنّت حملة من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتبنى الـ"بريكست" عندما ذهبت للتصويت في الاتجاه الآخر.
جرى اصطحابها للمشاركة في الاحتجاجات ضد حكومة المحافظين برئاسة مارغريت ثاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي عندما كانت طفلة، قبل أن تقود الرابطة الديمقراطية الليبرالية في جامعة "أكسفورد"، فقط لتصبح في ما بعد حاملة الشعلة لليمين المحافظ.
مخاوف المحافظين
لكن المنافسة دقت أيضاً ناقوس الخطر لدى بعض أعضاء حزب المحافظين، الذين يتساءلون عما إذا كان باستطاعتهم توحيد الحزب بالنظر إلى أنها نجحت في جولة الإعادة الأخيرة مع سوناك بصعوبة بالغة. كان يوجد عداء متبادل خفيّ منذ ذلك الحين، إذ تنافَسَ الخصمان للفوز بالأصوات خلال صيف العام الحالي.
بالنسبة إلى ما خلف الكواليس، فحتى أنصار ترَس يساورهم القلق من الغضب العامّ إزاء أسعار الطاقة وقصور الخدمات العامة، إذ أشار أحدهم إلى أن سيدة عنفت وزير الصحة ستيف باركلي جراء أوقات انتظار وصول سيارات الإسعاف.
"12 سنة – لم تقُم بأيّ شيء في هذا الشأن".
جاء في نص التغريدة: "هذا هو الوقت الذي قاطع فيه عضو غاضب من الجمهور مقابلة صحفية مع وزير الصحة ستيف باركلي ليسأله لماذا لم تقُم الحكومة "بشيء إزاء فترات الانتظار الطويلة لوصول سيارات الإسعاف".
إنّ عداء ترَس الممتد لفترة طويلة تجاه موظفي الخدمة المدنية والنقابات العمالية غير مناسب بصورة واضحة لأزمة ستتطلب، على أقل تقدير، دعماً بيروقراطياً لطرح أي تدابير مساعدة. قال الأشخاص الذين عرفوها في "وايتهول" إنّ ترَس يمكن أن تكون فظة في التعامل مع المسؤولين وتواجه صعوبة في التوصل إلى حلول وسط.
اقرأ أيضاً: "بنك أوف أميركا": الاقتصاد البريطاني سيدخل الركود العام المقبل
قال زميلها السابق بمجلس الوزراء ديفيد غوك: "كانت تمتلك باستمرارٍ وجهةَ نظر تقول إنّ البلاد يعرقلها رجال مؤسسة من كارهي المخاطرة الذين هم غير مستعدّين، ولا يمتلكون شجاعة كافية، من أجل الانغماس فيها وإجراء إصلاحات جذرية، ويتمثل الخطر في أنها غالباً ما تتبع غرائزها، في حين أن الحكمة المكتسبة في الواقع تكون أكثر دراية ولديها وعي أعمق بالموقف".
دبلوماسية ترَس
كانت ترَس أيضاً شرسة بصفتها أكبر دبلوماسية في حكومة جونسون. في حين أنها أذهلت قاعدة الحزب خلال منافسة الزعامة بقولها إنّ "القرار لم يصدر" حول ما إذا كان إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا، حليفة المملكة المتحدة القديمة، "صديقاً أم عدواً"، فإنّ هذه الإهانة لن تسهم في نزع فتيل التوترات إزاء خططها الخاصة بإعادة كتابة أجزاء من اتفاق الانفصال للـ"بريكست"، ما يُعَدّ مخاطرة بنشوب حرب تجارية.
على الأرجح أيضاً سيسفر التمادي في هذه الخطة عن غضب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كثيراً ما حذّر المملكة المتحدة من فعل أي شيء يخاطر بالسلام في أيرلندا الشمالية. من جهة أخرى، حظي موقف المملكة المتحدة إزاء روسيا وأوكرانيا عندما كانت وزيرة للخارجية بالإشادة وسط أوروبا الشرقية، بما فيها بولندا.
في نهاية المطاف، سيُحكم على ترَس من قِبل حزبها، الذي يتولى السلطة منذ 12 سنة، في ما يتعلق بطريقة قلبها تقدم حزب العمال في استطلاعات الرأي والاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية الكبيرة التي فاز بها جونسون في 2019.
قال غوك إنه آمَن بأن ترَس دخلت مجال السياسة لأنها أرادت أن تقوم "بأمور إيجابية للبلاد"، لكنها "ستُختبَر فعلاً" من خلال صعوبات بالغة تجابهها حالياً. وأضاف: "أنا غير متأكد من أنها ستكون على صواب دائماً".