ستبدأ الولايات المتحدة وتايوان محادثات رسمية بشأن مبادرة تجارية واقتصادية، تنفيذاً لوعد خطط له منذ فترة طويلة يهدف لتعميق العلاقات وسط معارضة صينية.
قال مكتب الممثل التجاري الأميركي في بيان يوم الأربعاء إنَّ الجولة الأولى من المحادثات التجارية من المقرر عقدها في وقت مبكر من هذا الخريف، وكشف النقاب عن الموقف التفاوضي للمبادرة الأميركية التايوانية بشأن التجارة في القرن الحادي والعشرين التي تم الإعلان عنها في يونيو. أضاف المكتب أنَّ المناقشات ستغطي تيسير التجارة، والممارسات التنظيمية، ومعايير مكافحة الفساد، وتعميق التجارة الزراعية وغيرها من القضايا.
طالع المزيد: كيف انعكست زيارة "بيلوسي" إلى تايوان على سوق السندات؟
ذكر المكتب في البيان أنَّ المفاوضات التجارية ستعمل على تعميق علاقاتنا التجارية والاستثمارية، وتعزيز أولويات التجارة المتبادلة على أسس القيم المشتركة، وتعزيز الابتكار، والنمو الاقتصادي الشامل لعمالنا وشركاتنا.
تقوية اقتصاد الجزيرة
في سياق منفصل، أعلن "مكتب المفاوضات التجارية" في تايوان في بيان أنَّه يهدف إلى تقوية اقتصاد الجزيرة من خلال تعزيز تجارة منتجاتها الزراعية، ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على التوسع في الأسواق الأميركية. تريد تايبيه أيضاً زيادة ثقة المستثمرين الدوليين في تايوان وإتاحة الفرصة للجزيرة "لجذب الأموال والتقنيات من الولايات المتحدة والعالم".
قد ينتهي الأمر باتفاق تعزيز التجارة إلى أن يكون رمزياً أكثر من أن يكون ملموساً، وذلك بالنظر إلى تحفظ الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة تجاه تبني اتفاقيات تجارة حرة.
تم الإعلان عن مبادرة التجارة بين الولايات المتحدة وتايوان بعد أسابيع من إطلاق الرئيس جو بايدن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في مايو، وهي صفقة صمّمت لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة، ولم تشمل تايبيه على الرغم من أنَّ أكثر من 50 عضواً في مجلس الشيوخ حثوا بايدن على تضمين الجزيرة.
طالع أيضاً: الشركات الأجنبية في الصين تدرس سيناريوهات مواجهة "البجعة السوداء"
تعرضت هذه المبادرة لانتقادات من قبل دعاة التجارة لأنَّها تقدّم القليل من حيث التفاصيل حول قضايا مثل الوصول إلى الأسواق أو خفض الرسوم، على الرغم من الترحيب بها كإشارة على الانخراط الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
علاقات متوترة
منذ ذلك الحين، أصبحت علاقة واشنطن مع بكين أكثر توتراً بشأن تايوان الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي والتي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها. وفي أعقاب الزيارة التاريخية التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايبيه في وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت الصين مناورات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة، مما أثار القلق في المنطقة.
بدوره قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في إفادة صحفية يوم الأربعاء إنَّ الولايات المتحدة تتوقَّع استمرار الترهيب العسكري والتكتيكات الاقتصادية القسرية الصينية بجوار تايوان.
أضاف المتحدث: "سنواصل اتخاذ خطوات حازمة، ولكنََّها هادئة أيضاً للحفاظ على السلام والاستقرار في مواجهة جهود بكين المستمرة لتقويض الوضع الراهن". أدت التدريبات التي أجرتها الصين إلى تقليص المنطقة العازلة المحددة بشكل مبهم، وهي التي ساعدت منذ فترة طويلة في الحفاظ على السلام حول تايوان.
دعت الصين الولايات المتحدة إلى الامتناع عن إبحار السفن البحرية عبر مضيق تايوان، قائلة إنَّ بكين ستتخذ المزيد من الإجراءات في أعقاب زيارة بيلوسي. يُذكر أنَّه لطالما اعتبرت الولايات المتحدة أنَّ الزيارات، مثل تلك التي يقوم بها أعضاء الكونغرس، تتفق مع سياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها بعدم الاعتراف رسمياً بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تايبيه.
سلاسل إمداد آمنة
من جانبه قال دانييل كريتنبرينك، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ في إفادة إعلامية تبعت الإعلان، إنَّ هذه المبادرة "ليست مصممة فقط لزيادة حجم التجارة والتعاون بين الولايات المتحدة وتايوان، لكنَّها فرصة أيضاً لمساعدة تايوان في بناء مرونتها وضمان وجود سلاسل إمداد مرنة وآمنة بيننا".
تعتبر مكانة تايوان كمورّد عالمي رائد لأشباه الموصلات ركيزة أساسية لعلاقتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة والصين ودول أخرى، مما يجعل من الجزيرة أصلاً استراتيجياً للدول الساعية للحصول على تكنولوجيا الرقائق المتطورة. يذكر أنَّه من بين صادرات تايوان الأساسية الأخرى الإلكترونيات والآلات، إلى جانب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وفقاً لمكتب المفاوضات التجارية في الجزيرة، كانت الولايات المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري لتايوان العام الماضي. وأظهرت بيانات من وزارة المالية التايوانية أنَّ الشحنات إلى الولايات المتحدة ارتفعت 30% تقريباً في عام 2021 لتبلغ قيمة قياسية قدرها 65.7 مليار دولار، وهو العام الخامس على التوالي من النمو.
في الوقت ذاته، تمثل الصين وهونغ كونغ حوالي 40% من إجمالي صادرات الجزيرة، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بين الاقتصادين 328.3 مليار دولار العام الماضي.
تقليل الاعتماد على بكين
في السنوات الأخيرة، كانت تايبيه تحاول تقليل اعتمادها الاقتصادي على بكين، حيث تستكشف الرئيسة تساي إنغ ون طرقاً لتعزيز التجارة والاستثمار مع جنوب شرق آسيا، والهند، وأستراليا، ونيوزيلندا.
لدى تايوان بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع نيوزيلندا وسنغافورة، وفي عام 2020 رفعت حظراً على واردات لحم الخنزير من الولايات المتحدة في محاولة لإزالة حجر عثرة قد يعيق صفقة محتملة.
في العام الماضي، تقدّمت تايوان بطلب للانضمام إلى "الاتفاق الشامل والتقدّمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ" - أكبر صفقة تجارية عملية في آسيا والمحيط الهادئ - بعد أيام قليلة من قيام الصين بذلك، وتبعت ذلك برفع حظر منفصل على بعض الأطعمة من اليابان. يذكر أنَّ طلَبي الانضمام إلى هذه الاتفاقية ما يزالان معلّقين.
قال "مكتب المفاوضات التجارية" بالجزيرة إنَّ توقيع اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة "لن يساعد فقط" تايوان في الانضمام إلى "الاتفاق الشامل والتقدّمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ"، لكنَّه سيوفر لها أيضاً المزيد من الفرص "لتعميق الروابط المؤسسية مع البلدان الأخرى".
أضاف مكتب المفاوضات التجارية في تايوان: "أظهر الجانبان درجة عالية من الطموح، كما يتطلّعان إلى تحقيق نتائج ملموسة في أقرب وقت ممكن وتوقيع اتفاقية تجارية".