اتّبعت معظم البنوك المركزية في دول الخليج العربي مسار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في رفع أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام للحفاظ على ربط عملاتها بالدولار الأميركي، على الرغم من أن الكويت وقطر لم تتطابقا مع الزيادة بالكامل.
وقد أدّى عدم التوافق بين الولايات المتحدة، حيث يسير التضخم بأعلى وتيرة له في أربعة عقود، واقتصاديات الدول الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي، إلى خلق مساحة إضافية للمناورة من جانب صانعي السياسات النقدية المحليين الذين لا يحتاجون إلى التصرف بنفس الإلحاح لاحتواء ضغوط الأسعار.
ولكن مع ربط معظم العملات الإقليمية بالدولار، ما تزال البنوك المركزية تتبع قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى حد كبير. ففي يوم الأربعاء، تحرّكت المملكة العربية السعودية، والبحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة على قدم وساق مع البنك المركزي الأميركي ورفعت أسعارها المعيارية بمقدار 75 نقطة أساس.
على النقيض من ذلك، لم تقم الكويت، التي تربط قيمة عملتها بسلة عملات، برفع سعر الفائدة بنفس النسبة كاملة وزادت سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس فقط، في حين رفعت قطر سعر الإقراض بمقدار 50 نقطة أساس. وفي يونيو، سمح عدم التوافق مع الولايات المتحدة بالفعل للمملكة العربية السعودية والكويت برفع أسعار الفائدة بأقل من 75 نقطة أساس التي رفعها الاحتياطي الفيدرالي.
تعليقاً على الموضوع، قالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، قبل إعلان أسعار الفائدة: "ما تزال بعض دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بالمرونة لعدم اتباع مقدار رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل كامل؛ والنقطة الحاسمة هي أن مستويات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير من المستويات الأميركية، خاصة بالنسبة للدول التي طبّقت سقف أسعار الوقود. وبالتالي، فإن المنطقة لا تتطلّب نفس الدرجة من التقشف النقدي كما هو الحال في الولايات المتحدة".
ظروف متفاوتة
• رفعتْ الكويت سعر الخصم بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.5% من 2.25%.
• رفعت قطر سعر الفائدة على الإيداع وسعر إعادة الشراء بمقدار 75 نقطة أساس إلى 3% و3.25% على التوالي، بينما رفعت سعر الإقراض بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3.75%.
• رفعت البحرين سعر الفائدة الأساسي على الودائع لليلة واحدة بمقدار 75 نقطة أساس إلى 3%، وسعر الفائدة الأساسي على الودائع لأربعة أسابيع إلى 4%، وسعر الإقراض إلى 4.5%، وسعر الفائدة الأساسي على الودائع لأسبوع واحد إلى 3.25%.
• رفعت دولة الإمارات العربية المتحدة سعر الأساس على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة بمقدار 75 نقطة أساس.
• رفعت المملكة العربية السعودية سعر إعادة الشراء بمقدار 75 نقطة أساس إلى 3% وسعر إعادة الشراء العكسي بمقدار 75 نقطة أساس إلى 2.5%.
على صعيد الولايات المتحدة، يتحرك رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول بقوة لزيادة أسعار الفائدة في ظل وجود انتقادات بأنه كان بطيئاً في الاستجابة لارتفاع الأسعار خلال السنة الماضية.
لكن منطقة الخليج الغنية بالنفط تعتبر من بين المناطق التي بقي فيها التضخم ضعيفاً نسبياً، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى القيود المفروضة على تكاليف الوقود المحلية في بعض الدول وعلى أسعار المواد الغذائية بالنسبة لحالة الكويت. من المنتظر أن يبلغ معدل تضخم في أسعار المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي مع نهاية السنة الحالية 3.1%، بحسب صندوق النقد الدولي، وهو أقل كثيراً بالمقارنة بما هو عليه الوضع في الولايات المتحدة وفي كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقاً.
كان نقص السيولة نسبياً عند البنوك السعودية عاملاً مساعداً إضافياً يقف وراء بطء وتيرة التشديد النقدي في المملكة مقارنة بغيرها. ونشرت "بلومبرغ نيوز" في تقرير لها أن البنك المركزي السعودي ضخ أموالاً كودائع لأجل محدد في بنوك تجارية في يونيو الماضي بهدف تخفيف تكلفة الأموال.
إدارة الأزمة
قبل صدور القرارات المتعلقة بأسعار الفائدة، قال سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في "أكسفورد إيكونوميكس ميدل إيست": "يتمثل السؤال في كيف تدير دول الخليج سياسة نقدية أكثر تقشفاً وقد فرضت عليها؟ على الأرجح سينطوي ذلك على تدابير على غرار ضخ السيولة في المملكة العربية السعودية التي ربما تساعد في الحد من زيادة أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك ومزيج السياسة المالية والسياسة النقدية من خلال الحكومات التي تتحول لتصبح أكثر دعماً للنمو الاقتصادي".
مع ارتفاع متوسط أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل خلال السنة الجارية، فإن غالبية بلدان المنطقة تسير على الطريق الصحيح لتسجيل فوائض ضخمة في الميزانية، بحسب صندوق النقد الدولي، وهو ما يعطيها مجالاً أوسع لزيادة حجم الإنفاق.
رغم أن ارتفاع معدلات التضخم أقل بروزاً مما هو عليه الأمر في مناطق أخرى على مستوى العالم، إلا أن التضخم آخذ في التزايد أيضاً في الخليج بعد أن صعدت أسعار السلع الأساسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت سابق من السنة الحالية.
ازدادت تكاليف مدخلات الإنتاج في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في غضون الشهور القليلة الماضية، بحسب استطلاعات مؤشر مديري المشتريات التي جمعتها شركة "ستاندرد أند غلوبال"، رغم أن الشركات لم تحول باستمرار التكاليف الزائدة إلى المستهلكين. رغم ذلك، صعد معدل التضخم في دبي، في الإمارات العربية المتحدة، ليبلغ 6% تقريباً على أساس سنوي في يونيو الماضي، وهو أعلى معدل على الإطلاق.
زيادة الدعم
من أجل مساعدة الشعب على التغلب على زيادة التكاليف، خصصت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نحو 13 مليار دولار لدعم المواطنين من ذوي الدخل المنخفض ولرفع مخزون السلع الأساسية. تمثل أسعار البنزين مصدراً للقلق لا سيما في الإمارات العربية المتحدة، حيث تخطت الارتفاعات في دول الجوار.
لحق الضرر بالمنطقة بشدة جراء تفشي جائحة فيروس كورونا في سنة 2020، حيث تزامنت عمليات إغلاق وباء كوفيد -19 وتعطيل التجارة والسياحة مع هبوط أسعار النفط الخام، الذي يُعدّ المصدر الأساسي للدخل. استجابت الحكومات بتقديم حزم تحفيز مالي هائلة بينما اقتفت البنوك المركزية أثر الاحتياطي الفيدرالي في تقليص أسعار الفائدة إلى ما يقرب من مستوى الصفر.
قالت كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية في مصرف "ستاندرد تشارترد" ومقرها في دبي: "لا نتوقع أن تؤثر الأوضاع النقدية المتشددة سلباً على نمو القطاع غير النفطي في بلدان مجلس التعاون الخليجي. رغم ذلك، فإننا نتوقع فعلاً تراجع معدل النمو المرجح لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 4.5% في سنة 2023 من 7.7% في سنة 2022، مع اقتراب مستوى إنتاج النفط من الطاقة الإنتاجية الكاملة".