في خضمّ الحرب التي يخوضها في أوكرانيا، يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عصر اليوم إلى طهران، ليبحث مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان ملفات سياسية واقتصادية مختلفة، أهمها التعاون الاقتصادي، وآليات تصدير الحبوب العالقة في مواني أوكرانيا، والتطورات في سوريا.
وصل الرئيس التركي، مساء الاثنين، إلى العاصمة الإيرانية طهران لحضور القمة الثلاثية السابعة لمسار "أستانة"، الهادفة إلى بحث الملف السوري.
ستتيح اللقاءات الثنائية التي ستُعقد في طهران على هامش القمة الثلاثية، الثلاثاء، ويجمع أحدها بين بوتين وأردوغان للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا في فبراير الماضي، البحث في ملفات شائكة مثل تداعيات هذه الحرب السياسية والأمنية والاقتصادية، والاتفاق النووي الإيراني، والأزمة السورية.
التعاون الاقتصادي
تخطط روسيا التي تعاني اقتصادياً، في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية، لرفع علاقاتها مع إيران إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، حسب يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي.
تشترك إيران وروسيا في موقفهما السياسي المناهض للغرب، ولكنهما تضررتا من العقوبات الغربية لأسباب مختلفة، إذ تضررت طهران جرّاء برنامجها النووي، أما موسكو فبسبب "أفعالها" في أوكرانيا.
طَوال العقد الماضي حاولت إيران إيجاد طرق لتجنب العقوبات عن طريق بيع النفط إلى الصين التي لم تنفذ العقوبات الأميركية بشكلٍ كامل، وإرسال الوقود الأحفوري المُعالَج مثل الأسفلت والبتروكيماويات والبنزين وغاز البترول المسال إلى الأسواق في الهند وتركيا وأفغانستان، استناداً إلى صحيفة "وول ستريت جورنال".
هذه الاستراتيجية آتت ثمارها، إذ قفزت قيمة مبيعات النفط الإيراني الدولية بنسبة 91% خلال الأشهر التسعة المنتهية في ديسمبر الماضي إلى 27.9 مليار دولار، أي نصف دخل صادرات البلاد، وفقاً لبيانات البنك المركزي الإيراني.
تسعى روسيا إلى الاستفادة من التجربة الإيرانية في مجال الالتفاف على العقوبات، إذ سبق أن طرح الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن ديمتري ميدفيديف، في مطلع يونيو، فكرة إمكانية قيام روسيا بـ"تأمين نفسها بنفسها والالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي"، وفق قوله.
تتربع روسيا على عرش الغاز بامتلاكها أكبر احتياطي في العالم، فيما تُعَدّ ثاني أكبر منتج عالمياً بعد الولايات المتحدة، إذ بلغ إنتاجها خلال العام الماضي نحو 762 مليار متر مكعب.
أما في قطاع النفط فتستحوذ روسيا على 14% من إجمالي المعروض العالمي، فيما بلغ إنتاجها خلال عام 2021 نحو 10.5 مليون برميل يومياً.
إلى جانب روسيا، تأتي إيران كأحد كبار المنتجين في قطاع الطاقة، فهي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي بعد روسيا بإجمالي احتياطيات يقارب 34 تريليون متر مكعب، حسب بيانات منظمة "أوبك".
تجاوز إنتاج طهران من الغاز خلال العام الماضي 18 مليار متر مكعب، فيما تحول العقوبات دون ضخ إيران مزيداً من الخام في أسواق النفط، إذ بلغ إجمالي الإنتاج من الخام نحو 2.4 مليون برميل يومياً خلال 2021.
الغاز والنفط إلى تركيا
خلافاً لروسيا وإيران فإن تركيا لا تمتلك قدرات إنتاجية تضاهي البلدين في قطاعات الوقود الأحفوري، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على الواردات لتأمين احتياجاتها من الطاقة، وفقاً لإدارة التجارة الدولية الأميركية التي أشارت إلى أن أنقرة تنفق أكثر من 40 مليار دولار سنوياً على واردات موارد الطاقة.
في حين يلبي إنتاج النفط المحلي 7% فقط من الطلب، تستورد تركيا ما يقرب من 260 مليون برميل من النفط، فيما بلغ إجمالي واردات البلاد من الغاز في عام 2021 نحو 61.6 مليار متر مكعب، بزيادة سنوية قدرها 23%، وفقاً لبيانات شركة خطوط أنابيب البترول التركية "بوتاس".
تمثّل روسيا وإيران مَصدرين هامّين لموارد الطاقة التركية، حسب وزير الطاقة التركي الذي قال إن بلاده "تعتمد على موسكو بنسبة 45% في إمداداتها من الغاز الطبيعي، و15% في احتياجاتها من النفط".
كما تمدّ إيران تركيا بالغاز عبر خط أنابيب تبريز-أنقرة، لتقدم طهران إلى أنقرة نحو 16% من احتياجاتها من الغاز في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، وفقاً لبيانات رسمية إيرانية.
أزمة الحبوب
من المتوقع أن يبحث الرئيس الروسي ونظيره التركي في طهران آليات تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة في مواني أوكرانيا بسبب الغزو الروسي، خشية نشوب أزمة غذائية عالمية، حسب وكالة "فرانس برس".
ومن المقرر أن تجري في تركيا محادثات بين موسكو وكييف وأنقرة والأمم المتحدة هذا الأسبوع بعد تقدّم سُجِّل خلال مفاوضات الأسبوع الماضي.
المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، قال يوم الاثنين، حسبما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية: "أولاً نحن مستعدون لمواصلة العمل في هذا الاتجاه، وثانياً سيجري بحث هذه المسألة بين الرئيسين"، بوتين وأردوغان.
في المقابل، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار "التوصل إلى اتفاق مبدئي" مع أوكرانيا وروسيا لإنشاء ممر بحري آمن يسمح بنقل الحبوب.
حسب مصدر رسمي، طلب عدم الكشف عن هويته، قد يُعقد اجتماع جديد "الأربعاء أو الخميس" بعد قمة طهران، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
الأزمة السورية
ستتضمن اللقاءات أيضاً الحديث عن تطورات الأزمة في سوريا، في ظل تلويح أردوغان منذ شهرين بشنّ عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، تنطلق من الحدود التركية وتمتد إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب شمال سوريا.
تخشى أنقرة وجوداً قوياً لأكراد سوريا عند حدودها، ما قد يعزّز موقع حزب العمال الكردستاني المتمرد داخلها، الذي تصنفه "منظمة إرهابية". وهي تتحدث عن احتمال تنفيذ عمليات عسكرية إلى عمق 30 كيلومتراً في الحدود السورية.
سبق لموسكو أن أعربت عن أملها في أن "تُحْجِم" أنقرة عن شنّ الهجوم، فيما حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أن عملية مماثلة قد تؤدي إلى "زعزعة أمن المنطقة".
عبد اللهيان أوضح، يوم الاثنين، أن القمة في طهران "تُعقَد في ظروف نأمل من خلالها أن نتمكن من تكريس الهدف المهم لصيغة أستانة، الذي يتمثل في خفض التوتر بمناطق الاشتباك"، كاشفاً أنه خلال الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى أنقرة ودمشق كان يحمل رسالة من الرئيس الإيراني، "لنتمكن من إدارة الأزمة التي برزت الآن في المجال الأمني بين تركيا وسوريا".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف أن "عملية التسوية السورية صيغة مهمة للغاية أظهرت قابليتها للتطبيق، وهي الصيغة الدولية الوحيدة التي تسهم بالفعل في التسوية السورية الآن".
وأكّد أن "قضايا التعاون الثنائي مع إيران وتركيا، بما في ذلك الحوار السياسي، ستكون في صميم المفاوضات مع رئيسَي البلدين.. بالطبع ستتاح لنا الفرصة لمناقشة العلاقات الثنائية، وفي مقدمتها العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران وتركيا، وآفاق وسبل استمرار الحوار السياسي مع كل من إيران وتركيا".
توصّلت الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن الدولي، قبل أسبوع، إلى اتفاق على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا لستة أشهر، ليرضخوا بذلك لرغبة روسيا، في وقت كانت فيه الدول الغربية تسعى لتمديدها لمدة عام، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية.