تخصص الصين أرصدة بقيمة 7.2 تريليون يوان (1.1 تريليون دولار) للإنفاق على البنية التحتية، في تحول حاسم عن تركيزها على السيطرة على المديونية إلى تدعيم وتنشيط اقتصاد دمرته فترات الإغلاق.
يشير هذا الرقم إلى الأموال التي تقف الحكومة وراءها، ويستند على تحليل "بلومبرغ نيوز" لما أعلنته رسمياً، ويشمل مبلغاً غير مسبوق بقيمة 1.5 تريليون يوان في صورة سندات "خاصة"، تستخدم بالأساس في تمويل مشروعات البنية التحتية، التي قد يسمح للحكومات المحلية بطرحها خلال النصف الثاني من هذا العام، وفقاً لأشخاص مطلعين على المباحثات.
مع زيادة الحكومة للدعم المالي، يُرجّح أن ينمو الاستثمار في البنية الأساسية عام 2022 بنسبة 7.7% مقارنة بمستوى العام الماضي، وفقاً لبنك "سيتي غروب". وسوف يمثّل ذلك دفعة كبرى لثاني أكبر اقتصاد في العالم في إطار محاولة بكين تعويض الآثار السلبية الناجمة عن تكرار عمليات الإغلاق المرتبطة بفيروس كوفيد والأزمة في سوق العقارات.
أسعار المنازل في الصين تتراجع للشهر العاشر مع تفاقم أزمة الرهن العقاري
تمويل البنية الأساسية - الصين تجمع التمويلات اللازمة لخطة الاستثمار في البنية الأساسية
مصدر التمويل | القيمة (تريليون يوان) | النسبة الموجهة للبنية الأساسية (%) | الإنفاق على البنية الأساسية (تريليون يوان) |
الإنفاق من الموازنة العامة | 26.7 | 8.7 | 2.3 |
سندات خاصة للحكومات المحلية | 5.2 | 60.0 | 3.1 |
الإنفاق من حصيلة بيع الأراضي | 7.4 | 10.0 | 0.7 |
تمويل البنوك السياسي | 1.1 | 1.1 | |
الإجمالي | 7.2 |
المصدر: حسابات أجرتها "بلومبرغ" بناءً على بيانات وتقارير رسمية
الأرقام تشير إلى التمويلات التي تقف الحكومة وراءها فقط
تنشيط النمو الاقتصادي
قال كبير اقتصاديي الصين في بنك "سيتي غروب" يو شيانغرونغ: "لقد دخلنا في دورة جديدة من أعمال تنمية البنية الأساسية. وسيصبح ذلك قاعدة جديدة".
توقع يو أن يصل معدل نمو إجمالي الاستثمار في الأصول الثابتة إلى 6% تقريباً هذا العام، وهو ما يسهم بمقدار نقطتين مئويتين في معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للصين. وأضاف: "إن التوجه نحو الانصراف عن الاستثمار في البنية التحتية في إطار حملة التخلص من المديونية قد بلغ نقطة النهاية".
دعا الرئيس الصيني تشي جينغبينغ إلى بذل جهود "شاملة" من أجل زيادة الإنفاق على البنية الأساسية هذا العام على أمل تنشيط النمو الاقتصادي وتحقيق مستهدف نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.5% تقريباً.
هدف رئيس الصين يواجه تحدياً فيما تشي بيانات بانكماش الاقتصاد
تصدر الحكومات المحلية سندات بوتيرة قياسية بهدف تمويل بناء مناطق صناعية، وشبكات المواصلات، ومشروعات المياه، وشبكات الهاتف المحمول، ومراكز البيانات.
عندما نضع في الاعتبار التمويل من مصادر القطاع الخاص والبنوك التجارية، تصبح قيمة الإنفاق المقبل على البنية الأساسية غير واضحة. ويقدّر يو من بنك "سيتي غروب" أن هذا الرقم قد يصل إلى 16.5 تريليون يوان. ويتبنى آخرون أرقاماً أكثر تفاؤلاً، فيتوقّع ليان بينغ، كبير الاقتصاديين لدى "معهد جيشين لأبحاث الاستثمار" أن يبلغ الإنفاق إلى نحو 19 تريليون يوان هذا العام، وأن يسهم بمقدار 3.7 نقطة مئوية في معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للصين.
مخاطر وصعوبات
رغم ذلك، ومع كل هذا السخاء المالي، هناك احتمال أن تخيب الآمال في نمو الاستثمار في البنية الأساسية. فأولاً، رغم أن بكين تسمح للحكومات المحلية بإصدار مزيد من السندات، فإنها تطلب منها تخفيض ما يُسمّى "الديون الخفية"– أي قروض الشركات المملوكة للدولة من البنوك خارج الميزانية، التي استُخدمت في تمويل جانب كبير من مشروعات البنية الأساسية في الصين على مدى العقد الماضي.
الصين تدرس تحفيز اقتصادها ببيع غير مسبوق للسندات بقيمة 220 مليار دولار
ثانياً، هناك ضرورة لأن تحلّ القروض من البنوك التجارية ومستثمري القطاع الخاص محل أرصدة المالية العامة– وكلاهما ربما يتردد في تقديم قروض في بيئة استثمار خطرة. وأخيراً، عانت الحكومات المحلية في الأعوام الأخيرة حتى تجد مشروعات للبنية الأساسية تستطيع أن تدرّ عائداً كبيراً يكفي لسداد قيمة السندات الخاصة. ويقدّر بعض الاقتصاديين أن الحكومات المحلية خلفت تريليوني يوان من مخصصات هذه المشاريع لم تنفقها في السنة الماضية.
رغم أن بكين تسمح للسلطات المحلية بتسريع وتيرة الإنفاق، فما زلنا ننتظر حتى نرى إذا كانت الاتجاهات والمواقف سوف تتغير.
كتب اقتصاديو "غولدمان ساكس غروب" ومن بينهم شينكوان شن في مذكرة خلال الأسبوع الماضي: "إن الأموال ليست هي العقبة أمام الاستثمار في البنية التحتية هذا العام، وإنما يتركز الاختناق بشكل رئيسي في خطة المشروعات التي تنتظر التنفيذ والحوافز الحكومية". وفي إشارة إلى أن التحفيز المالي لم يسرّع بعد الأعمال الإنشائية، تنخفض مبيعات معدات الحفر في الصين بانتظام منذ أبريل من العام الماضي. وخلال الفترة من يناير إلى يونيو الماضي، تدهورت مبيعات الحفارات بنسبة 53%.
يعتقد معظم الاقتصاديين أن بكين، حتى مع الدفعة الكبيرة من مشروعات البنية الأساسية، لن تكون قادرة على بلوغ مستهدف معدل نمو إجمالي الناتج المحلي هذا العام. فيُرجّح أن يشهد النصف الثاني من العام استمرار عمليات الإغلاق المرتبطة بفيروس كوفيد، مع استمرار الأزمة العميقة في القطاع العقاري، كما يتوقع أن يضعف الطلب الخارجي على السلع الصينية. ويجمع الاقتصاديون على توقع معدل نمو 4.1% للاقتصادي الصيني في العام الحالي.
اقتصاديون يخفّضون توقعات نمو الصين بسبب إغلاقات كورونا
وفيما يلي نظرة أكثر تفصيلاً على الأرصدة المتاحة للإنفاق على البنية الأساسية:
أرصدة المالية العامة
من المتوقع أن تصل قيمة الموازنة العامة للصين إلى 26.7 تريليون يوان هذا العام– معظمها موجهة إلى سداد رواتب موظفي الحكومة والإنفاق على الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات. وفي عام 2020، أنفق نحو 8.7% من إجمالي قيمة الموازنة على مشروعات مثل منشآت الأحياء الريفية والطرق والسكك الحديدية. وإذا طبقنا نفس المعدل على موازنة العام الجاري، ستبلغ قيمة الأرصدة المتاحة للإنفاق على البنية التحتية نحو 2.3 تريليون يوان.
تحقّق الحكومات المحلية أيضاً إيرادات عن طريق بيع الأراضي. ونحو 10% من إيرادات بيع الأراضي في الصين تخصص لمشروعات البنية الأساسية، وفق تقرير حديث أعده باحثون صينيون من بينهم يو يونغدينغ، مستشار سابق للسياسة النقدية لدى "بنك الشعب الصيني". غير أن مبيعات الأراضي تدهورت في السنة الحالية بسبب الأزمة في القطاع العقاري. واستناداً إلى اتجاهات السوق حتى نهاية شهر مايو، قد توفر هذه المبيعات نحو 0.7 تريليون يوان لإنفاقها على البنية الأساسية.
السندات الخاصة التي تصدرها الحكومات المحلية أصبحت الآن مصدراً رئيسياً لأموال الاستثمار في البنية الأساسية. فنحو 60% من حصيلة بيع السندات حتى نهاية مارس الماضي أنفقت على البنية الأساسية، وفق حسابات أجرتها "بلومبرغ" على أساس أرقام حصلت عليها من شو هونغكاي، نائب وزير المالية، في تصريحات صحفية موجزة في أبريل الماضي. ومعنى ذلك أن 3.1 تريليون يوان يمكن إتاحتها لتمويل مشروعات البنية الأساسية في ضوء حصة العام الحالي من إصدار السندات الخاصة التي تبلغ 3.65 تريليون يوان مع الوضع في الاعتبار الإصدارات الإضافية.
مصادر أخرى
البنوك الصينية ذات الدور السياسي المملوكة للدولة لا يتم إدراجها في الموازنة التي تخصصها الحكومة، غير أنها تلعب دور الهيئات شبه التابعة للمالية العامة- وتحظى السندات الصادرة عنها بنفس مكانة السندات التي تصدرها الحكومة في النظام المالي. وسوف تجمع تلك البنوك مجتمعة 300 مليار يوان عن طريق بيع سندات وطرق أخرى، توجه بشكل رئيسي إلى مشروعات البنية الأساسية، حسبما أعلن "بنك الشعب الصيني" خلال الشهر الجاري. ذلك إضافة إلى 800 مليار يوان أخرى تمويلات من تلك البنوك المملوكة للدولة عندما يطلب منها ذلك لمشروعات البنية التحتية. ليس واضحاً إذا كانت جميع هذه الأرصدة سوف تستخدم في العام الحالي .
ديون الصين ستقفز إلى مستوى قياسي في 2022
سندات البنوك ذات الدور السياسي تتمتع بأهمية خاصة لأن الحكومة المركزية سوف تدعم مدفوعات الفائدة على هذه السندات لمدة عامين، مما يعني إمكانية استخدام هذه الوسيلة في تمويل المشروعات التي ينخفض فيها العائد على الاستثمار انخفاضاً شديداً إلى درجة لا تشجع على تمويلها من خلال سندات الحكومات المحلية الخاصة.
قال البنك المركزي إن البنوك ذات الدور السياسي سوف تستخدم 300 مليار يوان في تأسيس "كيانات مالية" تستثمر هذه الأموال بوصفها رأس مال في المشروعات الكبيرة، مشيرا إلى أنه يتوقع من البنوك التجارية والشركات أن تضيف المزيد إلى هذه الأرصدة المالية.
قال زو لان، رئيس إدارة السياسة النقدية في "بنك الشعب الصيني"، في تصريحات صحفية موجزة يوم الأربعاء، ينتظر أن تشكل السندات نحو 10% من إجمالي الاستثمارات في المشروعات المعنية. ومعنى ذلك إن هذه المشروعات قد تقترض نحو 2.7 تريليون يوان من القطاع المصرفي وأسواق رأس المال وقنوات أخرى.
الشركات المملوكة للحكومة المركزية –مثل شركة سكك حديد الصين "تشاينا ريلواي" وشركة الهاتف المحمول "تشاينا موبايل"– هي أيضاً من مؤسسات الاستثمار الرئيسية في المشروعات الضخمة، وقد سُمح للأولى أن تصدر سندات لبناء سكك حديدية بقيمة 300 مليار يوان.
تستطيع الشركات الخاصة أيضاً أن تستثمر في مشروعات البنية الأساسية عبر مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والصناديق التي أُطلقت حديثاً للاستثمارات العقارية في البنية الأساسية.