يرى مجموعة من المسؤولين الأوروبيين البارزين احتمالات ضئيلة حول إبداء روسيا استعدادها لتقليص الضغوط الغذائية العالمية، عبر عقد صفقة تسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية الحيوية، وأضاف المسؤولون أن الكرملين ينظر للأزمة كوسيلة لتعزيز نفوذه ضد كييف وحلفائها.
قال مسؤولون حكوميون واستخباراتيون، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم أثناء مناقشة مثل هذه الأمور الحساسة، إن المفاوضات التي تيسرها الأمم المتحدة مع موسكو وكييف ما تزال تعاني لإحراز تقدم. وأوضح مصدر مطلع على المناقشات أن العديد من القضايا لم يتم حلها، بما في ذلك كيفية نقل البضائع بأمان داخل وخارج أوكرانيا.
أشار أحد المصادر أن الكرملين صمم المحادثات ليستخدمها كوسائل لرفع العقوبات، وكان عازماً على استخدام تهديد الجوع العالمي كأداة للمساومة في أي محادثات سلام مستقبلية. ولم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على أي منتجات زراعية روسية بسبب الحرب، وتقول إنه لا توجد صلة بين العقوبات على موسكو وصادرات الحبوب والأسمدة من روسيا أو أوكرانيا.
جوع عالمي
تسبب غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمار بشري واقتصادي لا يوصف في أوكرانيا، وأجبر ملايين الأشخاص على الفرار إلى أماكن أخرى داخل البلاد أو لدول أوروبية أخرى. كما أثار ما حذر العديد من صانعي السياسات من أنه قد يشكل أزمة غذائية متزايدة في جميع أنحاء العالم، من خلال قطع شحنات السلع الزراعية الأوكرانية، في وقت ترتفع فيه الأسعار بالفعل، وهناك أزمات عجز في مناطق بعيدة مثل شمال أفريقيا وآسيا.
مع انتشار الألغام في موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، وعرقلة روسيا بفاعلية لعمليات الشحن في المنطقة، تعاني الدول من تركيا إلى الولايات المتحدة لإيجاد حل لنقل الحبوب الأوكرانية إليها مرة أخرى. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 25 مليون طن من الحبوب وزيت عباد الشمس وسلع أخرى عالقة. كما اتهمت الحكومة في كييف موسكو بسرقة مخازنها من الحبوب ونقلها إلى روسيا، واستهداف منشآت التخزين بضربات صاروخية، فيما تنفي روسيا استخدام الغذاء كسلاح.
ما يزال هناك أمل في أن يجتمع الوزراء الأوكرانيين والروس لإجراء مناقشات في مدينة إسطنبول التركية هذا الأسبوع، وفقاً لشخص مطلع على المحادثات. وقال المصدر إن المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة تهدف إلى الوصول إلى الخطوط العريضة لاتفاق هذا الشهر لنقل مليوني طن متري من الحبوب شهرياً اعتباراً من يوليو المقبل.
اقرأ أيضاً: كييف متوجسة من اتفاق بين تركيا وروسيا لنقل محاصيل أوكرانيا عبر البحر الأسود
فشل المفاوضات
التقى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو في أنقرة الأسبوع الماضي. ولم تسفر المناقشات، التي قالت أوكرانيا إنها لم تُدع إليها، عن أي تقدم.
وسواء نجحت أو فشلت المفاوضات، من غير المرجح أن توافق أوكرانيا على طلب موسكو بإزالة الألغام من الموانئ، التي تم وضعها للدفاع ضد الهجمات المحتملة من القوات الروسية. وقالت كييف إنها غير مقتنعة بتأكيدات موسكو بأنها لن تهاجمها، لافتة إلى أن روسيا ادعت مراراً وتكراراً أيضاً قبل الحرب عدم تخطيطها لغزو أوكرانيا.
أطلقت الأزمة سباقاً على الشحنات الطارئة لاستخراج الحبوب الأوكرانية من طرق بديلة عبر أوروبا قبل وصول بدء الحصاد المقبل. وصرح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أن كمية الحبوب المنتظر شحنها من بلاده قد تصل إلى 75 مليون طن في الخريف بعد ذلك الحصاد.
ممرات آمنة
حتى لو تم الاتفاق على إزالة الألغام، قد يستغرق إكمال هذه العملية شهوراً. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يتم نقل الحبوب من ثلاثة موانئ في البحر الأسود عبر "ممرات آمنة" في المياه الإقليمية الأوكرانية إلى مضيق البوسفور، حسبما قال أحد المصادر. وليس من الواضح كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجنب الحاجة إلى إزالة الألغام من الموانئ حتى ترسو السفن وتقوم بتحميل الحبوب قبل الإبحار عبر تلك الممرات المحددة. وقال جاويش أوغلو، الأربعاء، إنه ليس هناك حاجة لإزالة جميع الألغام لإنشاء الممر.
أردف المصدر أن هناك نقاشاً منفصلاً بين الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بشأن استخدام الموانئ في بولندا ورومانيا، وإمكانية إقامة روابط للنقل بالسكك الحديدية إلى موانئ أبعد في هولندا وألمانيا والبحر الأدرياتيكي. قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة كانت تعمل على بناء صوامع مؤقتة في بولندا وأماكن أخرى على طول الحدود الأوكرانية ومن ثم شحن الحبوب في القطارات.
الأرجح أن الطرق البرية ستكون أبطأ بكثير وتواجه تحديات لوجستية خاصة بها، بما في ذلك: شبكات السكك الحديدية المُحملة بشكل زائد، واختناقات الموانئ في أوروبا الشرقية، ومقاييس السكك الحديدية المختلفة في أوروبا. وتابع المصدر أنه حتى إذا حُلت كل هذه المشكلات، فلن تستبدل الصادرات بالكامل من موانئ البحر الأسود.
انعدام الثقة
قال أحد المسؤولين إن أكبر مشكلة على الإطلاق هي انعدام الثقة في روسيا. وربط بوتين بشكل مباشر بين إزالة قيود سفن الحبوب الأوكرانية ورفع العقوبات عن روسيا، ويستمر مسؤولو إدارته في مواصلة الادعاء بأن أزمات العجز الغذائي تأتي نتيجة لتلك العقوبات.
أوضح ضابط استخباراتي أوروبي رفيع المستوى أن موسكو تنشر رسالة مماثلة من خلال عمليات التأثير والتضليل في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لا تستهدف العقوبات الأميركية والأوروبية القطاع الزراعي الروسي، ولا نقل الإمدادات الغذائية والسلع الزراعية. كما لا تعيق قيود الاتحاد الأوروبي موسكو من تصدير الأسمدة إلى دول أخرى. حتى على الرغم من ابتعاد بعض شركات الشحن والبنوك وشركات التأمين عن تداول الأسمدة الروسية، فيما تشجع الحكومة الأميركية الآن الشركات بهدوء على شراء وتحميل المزيد منها.
قال أحد المصادر إن أي اتفاق للشحن عن طريق البحر يحتاج إلى تأكيدات بأن روسيا لن تستهدف مرافق التخزين في أوكرانيا، فضلاً عن البنية التحتية للنقل والتصدير.
تحديات كبيرة
يحتاج الجانبان أيضاً إلى الاتفاق على عمليات التفتيش، مع إمكانية إتاحة مفتشين من الأمم المتحدة. واستطرد المصدر أن روسيا قالت إنها تريد السيطرة على أي من عمليات التفتيش هذه.
تشمل التحديات التشغيلية الأخرى؛ الحاجة إلى توفير سفن كبيرة، وكيفية نقل الحبوب بأمان من أجزاء مختلفة من أوكرانيا إلى الموانئ، وكيفية تأمين البضائع.
يشعر المسؤولون بنفس القدر من التشاؤم حول فرص التوصل إلى اتفاق من شأنه نقل الحبوب الأوكرانية عبر بيلاروسيا المجاورة، وهي الدولة التي استخدمتها روسيا كنقطة انطلاق لإرسال القوات إلى أوكرانيا.
قال ضابط استخباراتي رفيع المستوى إن روسيا هي من تنسق على الأرجح مع بيلاروسيا، التي تتوق لإلغاء العقوبات المفروضة عليها. واستبعدت أوكرانيا بالفعل الاعتماد على بيلاروسيا كمعبر لبضائعها.