عندما أعلنت وزارة النقل في سوريا وقف الرحلات الجوية من مطار دمشق الدولي وإليه إلى أجل غير مسمى بعد غارات صاروخية إسرائيلية، عاد الكثير من السوريين لتذكر طرفة تداولوها طوال سنوات الحرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تتساءل الطرفة عن أكثر الطيور شبهاً بالسوريين، ويكون الجواب "إنه البطريق، فهو طائر لا يطير، وإذا نزل للماء يلتهمه سمك القرش، وإن صعد للبر افترسه الدب القطبي"، في كناية عن سوء الحظ الذي يبدو ملازماً لهم منذ اندلعت الحرب في بلادهم، فالهجوم الذي دمر المهابط المؤهلة لاستقبال الطائرات الكبيرة وأجهزة الإنارة والأجهزة الملاحية وصالة الركاب القديمة، ترك السوريين داخل البلاد وخارجها في حالة لا يحسدون عليها.
"الشرق" تحدثت مع عاملين في المطار ومسافرين ومدراء في شركتي سياحة وسفر تعملان على خطوط مختلفة وصولاً إلى دمشق، واطلعت على بيانات وتعاميم أرسلتها الشركتان لوكلائهما، كما تحدثت لاحقاً مع مسافرين أكدوا على صحة هذه المعلومات.
أهم شركات الطيران التي تعمل في سوريا، هي "الخطوط الجوية السورية" أو "السورية للطيران" وهي شركة مملوكة للحكومة، و"أجنحة الشام" وهي شركة مملوكة لرجال أعمال من القطاع الخاص.
قبل الضربة الإسرائيلية التي أخرجته من الخدمة، كان المطار يستقبل رحلات من الرياض، والقاهرة، وأبوظبي، ودبي، والشارقة، والكويت، ومسقط، وطهران، وموسكو، ويريفان. وترفض الخطوط الجوية السورية الإفصاح عما إذا كانت طائراتها قد تعرضت لأضرار خلال الضربة الإسرائيلية، فالشركة التي تعمل بطائرتين فقط، كانتا موجودتين في المطار، لم تعلن عن أضرار لحقت بهما.
وهو ما أكدته مصادر في المطار لـ"الشرق"، لكنها لفتت إلى عدم إمكانية نقل الطائرتين إلى مطار بديل بسبب الأضرار، التي تعرض لها مدرج الإقلاع في مطار دمشق، ما يعني عدم قدرة الطائرتين على التحليق.
"عراك مع الزبائن"
"السورية للطيران"، على سبيل المثال، أبلغت وكلاء السفر أنها تعمل على إصلاح المطار، وأجلت كل الرحلات حتى اشعار آخر، دون أن تفصح عن تاريخ عودة العمل في المطار، إلا أنها لم تلغ كل التذاكر، وإنما فقط تعتمد يوماً بيوم إلغاء التذاكر الخاصة باليوم، وترفض التعويض بشكل كامل وتعد به في وقت لاحق، تاركة المسافرين ممن ألغت رحلاتهم أمام خسارة مضاعفة بعد أن اضطروا للسفر عبر شركات أخرى في العاصمة اللبنانية بيروت أو الأردنية عمان.
"نحن في حالة عراك مع الزبائن".. قالت مديرة بشركة سفريات تعمل بين دمشق ودبي، وهي تحاول إعادة تحويل زبائنها ليصلوا إلى وجهاتهم. مؤكدة أن أغلب زبائنها فضلوا العودة إلى سوريا عبر مطار بيروت.
على الطرف الآخر، نقلت شركة "أجنحة الشام" رحلاتها إلى مطار حلب الدولي، شمال سوريا، وتعهدت بنقل الركاب من دمشق إلى حلب والعكس عبر حافلات استأجرتها لهذا الغرض.
لكن الانتقال براً لخمس ساعات، هي المسافة التي تستغرقها الحافلات في رحلتها البرية من دمشق إلى حلب أو العكس يزيد إلى أعباء السفر ومتاعبه، وربما قرر مسافرون آخرون أن يجدوا رحلات بديلة عن طريق المطارات القريبة من دمشق في الدول المجاورة سواء في عمان الأردن أو بيروت لبنان.
تحديات المسافرين
تأتي هذه الخيارات مع تحديات جديدة للمسافرين، فبالنسبة للسوريين للمقيمين في دول خليجية يمكنهم السفر عبر مطار الملكة علياء في الأردن، لكن هذا لا يطبق على سوريين آخرين، فيبقى دخولهم الأردن مرهوناً بالحصول على موافقة أمنية من الأجهزة الأمنية.
لكن مصادر في شركات سفر تعمل مع الخطوط الملكية الأردنية قالت إن هذا العائق في طريقه للحل، "وهناك سعي من الخطوط الأردنية لتأمين حافلات لنقل المسافرين السوريين من دمشق إلى عمان مع وعود بقرب رفع شرط الموافقات الأمنية للسوريين الراغبين بالسفر عن طريق الأردن.
تلحظ مكاتب السفر نشاطاً متزايداً على هذا المسار، حيث بات الطريق بين دمشق وعمان يستغرق مدة تتراوح بين 4 و6 ساعات براً. في المقابل، تبقى بيروت الخيار الأكثر وضوحاً للسوريين، فيفضل أغلبيتهم السفر عن طريق بيروت لقربها وقلة التقييدات، فيمكن الوصول إلى مطار بيروت خلال ساعتين من الانطلاق من دمشق.
لم تنعكس الضربة الأخيرة بزيادة على أسعار تذاكر السفر إلى بيروت كما كانت الحال عليه في مناسبات سابقة يعزيها وكلاء السفريات إلى حاجة مطار بيروت لأي مداخيل يمكن الحصول عليها نتيجة الأزمة الاقتصادية، لكن أجرة السيارات التي تقلّ المسافرين من دمشق إلى بيروت ارتفعت من 100 إلى 150 دولاراً للشخص الواحد.
ومع ذلك، تبقى أسعار تذاكر الطيران من بيروت أقل من نظيرتها في عمان، التي تجعلها الضرائب والرسوم أعلى بنسبة 50% من تذاكر لبنان.
العزل يهدد القامشلي
لا ينطبق كل هذا على مناطق شمال شرق سوريا، التي تخضع لسيطرة ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وهي فصائل مسلحة ذات غالبية كردية، حيث يبدو الانتقال براً للمقيمين هناك شبه مستحيل، إذ يستغرق الطريق بين القامشلي ودمشق أكثر من 14 ساعة براً خلال مناطق سيطرة لعدة فصائل، ويعبر في مناطق خطرة يهاجمها تنظيم داعش أحياناً، لذا لطالما كان السفر جواً بين دمشق والقامشلي الحل الأساسي لسكان هذه المنطقة.
تعهدت شركة "أجنحة الشام" ببدء رحلات من بيروت إلى القامشلي لحل هذه المشكلة، لكن هذا يراكم الأعباء المالية على سكان هذه المناطق.
وكلا الشركتين العاملتين في سوريا عرضة لعقوبات أوروبية وأميركية تجعل حركتهما الدولية محدودة للغاية، وقدرتهما على صيانة وإصلاح طائراتهما عالية الكلفة، وإن كانت هاتان الشركتان المحليتان تمكنتا في الفترة الماضية، رغم العقوبات، من اختراع حلول لتسهيل حياة السوريين المعقدة أصلاً، فرتبت لاتفاقات مع شركات عربية ودولية لمقاطع طيران تجعل بالإمكان نقل المتوجهين إلى دمشق عبر مدن كبرى كالقاهرة، حتى ولو لم يحصل السوري على تأشيرة لدخول مصر من خلال اتفاقات محلية يتم التعامل معها بكتمان شديد تجنباً للعقوبات.
تكلفة باهظة
يبدو توقف مطار دمشق حدثاً غريباً، فخلال سنوات الحرب ومع تمكن المسلحين المعارضين من حصار المطار وقطع الطريق إليه، أصرت دمشق على الاستمرار بتشغيله في ظروف خطرة جداً، لتأتي الضربة الأخيرة وتوقفه عن العمل تماماً.
مصادر بوزارة النقل السورية تتحدث عن تكلفة باهظة لإصلاح المطار، وتقول إنها منشغلة بإزاحة الأنقاض بانتظار الحصول على تعليمات من القيادة السورية بوجود ضمانات بأن المطار لن يقصف من جديد إذا تم إصلاحه، فموارد البلاد القليلة تجعل إصلاح المطار مهمة شبه مستحيلة. ويجب أن تبدأ الإصلاحات، وفق المصادر نفسها، مع عمليات إصلاح أو ترميم للأبنية والمدرجات، وهذه أقلها صعوبة حيث يمكن تنفيذها بخبرات وطنية.
أما الأجهزة التقنية، التي دمرت ومنها أجهزة الملاحة التي كانت أصلاً في حال سيئة نتيجة عقد من العقوبات الغربية، فسيكون إصلاحها اليوم، كما كانت صيانتها بالأمس، شديدة الصعوبة.
تأتي الضربة الإسرائيلية لتشل قطاع النقل الجوي، الذي كان يتعافى بسرعة، حيث عبر 1.3 مليون مسافر عبر مطار دمشق في عام 2019 ليكون أعلى رقم منذ بدء الحرب في سوريا لعقد مضى، وفق الإحصاءات الرسمية، وازداد عدد الطائرات، التي هبطت في المطار عام 2021 بحوالي 50% عما كان عليه في العام الذي سبقه، وتضاعف عدد المسافرين في عام 2021 مقارنة بما سبقه.
وستفكر شركات الطيران العربية والأجنبية قبل أن تقرر إعادة تشغيل رحلاتها باتجاه دمشق وعبرها بعد توقف بدأ منذ عام 2011، وكذلك الشركات التي كانت تأخذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام الأجواء السورية في رحلاتها، لتخسر سوريا إمكانية استخدام أبسط إمكاناتها، وهو موقعها الجغرافي، لتحقيق مداخيل تساعدها في تجاوز المصاعب الاقتصادية.