تسريع قبول عضوية أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي فكرة سيئة

أوكرانيا جزء من العائلة الأوروبية بالفعل - المصدر: بلومبرغ
أوكرانيا جزء من العائلة الأوروبية بالفعل - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لو استمع قادة الاتحاد الأوروبي إلى قلوبهم فقط؛ سيقبلون أوكرانيا كعضو كامل في الكتلة خلال قمتهم المزمع عقدها في بروكسل خلال الشهر الجاري.

وكما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، "نشعر في قلبنا أن أوكرانيا، من خلال كفاحها وشجاعتها، أصبحت اليوم بالفعل عضواً في أوروبا وعائلتنا واتحادنا". وبهذه المشاعر، ذهبت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى كييف في أبريل الماضي وسلّمت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استمارة طلب العضوية بنفسها شخصياً.

لكن الأوروبيون ليس لديهم قلوب فقط.. وإنما يفكرون بعقولهم أيضاً. ورؤوس الكثير من القادة الأوروبيين والمسؤولين في الاتحاد (الأوروقراطيين) -بما فيهم رأس ماكرون– تهتز بالرفض بدلاً من الإيماء بالقبول.

فمنح العضوية الكاملة لأوكرانيا الآن من شأنه أن يخلق العديد من المشكلات الجديدة للاتحاد الأوروبي لدرجة أن الكتلة، التي لم تكن نموذجاً للحوكمة الفعالة في البداية، قد تنهار أو حتى تتفكك. وينطبق التحذير نفسه على قبول عضوية مولدوفا أو جورجيا، وحتى ألبانيا ومقدونيا الشمالية ودول البلقان الأخرى الموجودة بالفعل في قائمة الانتظار.

لا للتسرع

قد يكون الاستعجال في قبول عضوية هذه الدول فكرة سيئة ليس فقط لأنها -باقتصاداتها وأجهزتها القضائية ومؤسساتها الأخرى- ليست جاهزة. لكن سيكون ذلك أيضاً قراراً متسرعاً لأن الاتحاد الأوروبي لم يحل أبداً الصراع الجوهري بين ما يسميه مسؤولو الاتحاد بـ"التوسع" و"التعمق"، أو ما يعني قبول أعضاء جدد مقابل دمج الأعضاء الحاليين.

مع كل جولة من الجولات السبع للتوسع، التي خضعت لها كل دول الاتحاد من الدول الـ6 الأصلية لتصبح 27 دولة اليوم، أصبح القيام بهذه الإجراءات أكثر فوضوية وصعوبة. كما أن العدد المتزايد من المؤسسات والمفوضين -حيث تعيّن كل دولة مفوضاً خاصاً بها- أقل أسباب هذه الفوضى، وعلى غرار بابل أصبح هناك فوضى في اللغات والتقاليد والمصالح الوطنية بالاتحاد. لكن المشكلة الحقيقية هي أنه مع زيادة حجم الاتحاد الأوروبي لم تتم إعادة صياغة معاهداته بشكل كامل بما يكفي للسماح للكتلة بالبقاء متماسكة، والتعامل مع مشكلات العالم الحقيقي.

وعادة ما تقوم دولة واحدة بنقض القرارات المشتركة (باستخدام حق الفيتو)، حتى عندما يكون الأمر عاجلاً. والمثال الصارخ الأخير على ذلك هو إيقاف هنغاريا للحزمة السادسة من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا لأسابيع، وحتى بعد ذلك لم توقع هنغاريا على العقوبات إلا بعد ابتزازها للدول الـ26 الأخرى من أجل إجراء تغييرات تمتد من تقديم خدمات ذاتية لها وحتى تلبية طلباتها الغريبة.

عيوب مؤسسية

تؤدي العيوب الموجودة في تصميم الاتحاد الأوروبي إلى الحكم على خطواته بالفشل كلما ظهرت مشكلة كبيرة. وفي ظل افتقاره وجود سياسة مالية مشتركة، نجح الاتحاد بالكاد في إنقاذ وحدة عملته خلال أزمة اليورو، ومع ذلك فقد يخسرها خلال الاضطرابات المستقبلية. وبسبب عدم قدرته على إصلاح نظام المهاجرين، انقسم بمرارة خلال أزمة اللاجئين في عام 2015. وفيما يخص السياسة الخارجية والدفاعية، يُعتبر الاتحاد الأوروبي (بعيداً عن الدول الأعضاء الفردية، مثل فرنسا) مزحة. ومن فضل الله أن الغرب ما يزال يمتلك مؤسسة أخرى في بروكسل وهي "الناتو".

في هذه الأحداث كانت الصدمات خارجية المنشأ، حيث جاءت للاتحاد من دول أخرى مثل الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية، وسوريا وأماكن أخرى عندما وصل اللاجئون، ومن روسيا عندما أصبح رئيسها، فلاديمير بوتين، استبدادياً بالكامل. لكن الشقوق التي تنتج عنها غالباً ما تكون داخلية. ولعدة سنوات، كان الاتحاد الأوروبي –الواقع مقره في بروكسل- غاضباً من بودابست ووارسو، اللتين يُقوِّض فيهما شبه المستبدين الشعبويون حكم القانون المحلي والمؤسسات الديمقراطية الأخرى. لكن الاتحاد ليس لديه آلية لطرد الأعضاء المنحرفين، وحتى إلقاء اللوم عليهم يكون صعباً.

تتكرر هذه العيوب المؤسسية في كابوس قبول الاتحاد الأوروبي لأعضاء جدد، إذ يستغرق الانضمام سنوات أو عقود، يتعين خلالها على الدول المتقدمة تبني جميع قوانين الاتحاد الأوروبي، وإزالة الفساد، والامتثال للمعايير الأخرى. لكن بمجرد حصولها على العضوية، لا يستطيع الاتحاد منعها من العودة لسلوكها الأول أو حتى إعاقتها.

أوكرانيا تريد عضوية الاتحاد الأوروبي ولكن الانضمام يستغرق سنوات

سرعات متعددة

الأسوأ من ذلك، أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع إصلاح نظامه التشغيلي-وتُسمّى عملية القيام بذلك تغيير المعاهدة- لأن الأعضاء لا يتفقون حتى على ما يجب إصلاحه في الاتحاد. ولا يعرف أحد هل هو اتحاد الدول الأوروبية فعلاً، أم مجرد سوق مشتركة فضفاضة؟ أو شيء بين هذا وذاك.

إن المخرج من هذه الفوضى هو إضفاء الطابع الرسمي على المفهوم القديم الذي يُطلق عليه "أوروبا متعددة السرعات". فمجموعة الدول التي ترغب في تعميق اندماجها ينبغي أن تكون قادرة على القيام بذلك. أما الذين يريدون الانسحاب في مجال ما يجب أن يكونوا قادرين على الاستمرار في المشاركة في المجالات أخرى، وربما يغيّرون رأيهم لاحقاً.

يعمل هذا بالفعل بشكل جيد في بعض السياقات. على سبيل المثال، فتحت 26 دولة في المنطقة التي يُطلق عليها اسم "شنغن" حدودها بالكامل أمام بعضها البعض، ولا تتطلب جوازات سفر للمسافرين. والجدير بالذكر أن 4 من هذه الدول؛ النرويج وأيسلندا وسويسرا وليختنشتاين، ليست مُنضمة حتى للاتحاد الأوروبي، في حين أن 5 دول في الاتحاد الأوروبي، وهي؛ بلغاريا، ورومانيا، وكرواتيا، وقبرص، وأيرلندا ليست جزءاً من شنغن.

هذا النهج هو الطريق الذي يجب اتباعه، خاصة إذا كانت هناك مرونة. وتتغير المصالح الوطنية بمرور الوقت. ولطالما اختارت الدنمارك الانسحاب من سياسة الدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي. ولكن بعد ذلك بدأ بوتين في لعب دور جنكيز خان، وفي استفتاء، صوّت 2 من كل 3 دنماركيين لصالح الانضمام إلى سياسة الدفاع المشترك.

أيضاً، من شأن هذه المرونة أن تحل معظم المشكلات المتعلقة ببروتوكولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من جعل العضوية بمثابة مسألة ثنائية للدخول أو الخروج من الاتحاد، يجب أن تصبح تكاملاً مرحلياً. وعندما تشرع الدول المرشحة في تسريع انضمامها عبر إصلاح أسواق طاقتها أو أسواقها المالية على سبيل المثال، فإنها ستحصل على امتيازات الاتحاد الأوروبي الكاملة في تلك المجالات، ولكن لن تحصل عليها في مجالات أخرى بعد، مثل الزراعة أو السياسة الخارجية.

تسلسل هرمي

لكن القلق الأكبر الذي يساور بعض الأعضاء الحاليين والمحتملين هو أن مثل هذه السرعات المتعددة في أوروبا تحيل بعض البلدان إلى مشاركين من الدرجة الثانية وتخلق تسلسلاً هرمياً مشابهاً لبطاقات العضوية الذهبية والفضية والبرونزية.

رغم هذا، لن يكون ذلك هو الهدف أو النتيجة المتوقعة. فالقارة لا تقلل من احترام واحتضان السويسريين أو النرويجيين لأنهم أعضاء في الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة وفي شنغن ولكن ليسوا في الاتحاد الأوروبي. في المقابل، قد ترغب دول مثل هنغاريا -التي تستمر في الشكوى من أن الاتحاد الأوروبي يضطهدها- في اتخاذ خطوة واحدة للابتعاد عن مدار بروكسل دون أن تخاطر بالخروج تماماً من اتحاد القارة. وقد ترغب المملكة المتحدة، التي تركت الاتحاد، في الانضمام مرة أخرى إلى شكل جديد من أوروبا الكونفدرالية.

اقرأ أيضاً: كيف انقلبت خريطة روسيا التجارية منذ غزو أوكرانيا؟

مستقبل الاتحادات

تُعد "أوروبا" اليوم مفهوماً جيوسياسياً ونموذجاً حضارياً تأسس على قيم السلام والازدهار والحرية والعدالة. كما تتألف من هويات وطنية متعددة، بينما تكون منفتحة على هويات جديدة، وكل هذا يجب الاعتراف به. وربما يكون هذا ما يفكر فيه ماكرون عندما يتحدث بشكل غامض عن إضافة "مجتمع سياسي أوروبي" إلى الاتحاد الحالي.

مثل هذه الصيغة الأوروبية التي تضم العديد من "الاتحادات" -المتغيرة ولكن المتناغمة- هي المستقبل. وأفضل طريقة للبدء في بناء هذه الرؤية هي عدم قبول عضوية أوكرانيا قبل الأوان في الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من ذلك استقبال الأوكرانيين في الأخوة الأوروبية خلال الوقت الراهن، وفي الوقت نفسه جعل الأسرة الأوروبية بأكملها أكثر مرونة وقوة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة