عانت الصين من انتكاسة دبلوماسية نادرة خلال الأسبوع الماضي، بعد أن رفضت 10 دول من جزر المحيط الهادئ التوقيع على الصفقة التجارية والأمنية الشاملة التي قدّمتها الصين. ومع ذلك، لن يُشكّل هذا الرفض عائقاً أمام الصين لمواصلة جهودها الرامية إلى ممارسة نفوذها على هذه الدول الصغيرة والبعيدة. في هذا الصدد، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستجيب بالعزم نفسه، وإلا ستخاطر بفقدان سيطرتها على منطقة حيوية ذات أهمية استراتيجية.
على الرغم من قلة عدد سكان جزر المحيط الهادئ، إلا أنها تحظى بأهمية واسعة وضرورية لمصالح الولايات المتحدة الأمنية ولحلفائها. على وجه الخصوص، تُعتبر ميكرونيزيا وجزر مارشال وبالاو -التي ترتبط بما يسمى باتفاقيات الارتباط الحر (COFA) التي تضمن للولايات المتحدة وصولاً عسكرياً حصرياً إلى أراضيها- بمثابة "طريق سريع لإظهار القوة وبسط النفوذ" يربط القوات الأميركية في هاواي بالمواقع الأمامية الموجودة على مسرح المحيط الهادئ.
يفترض المخططون الغربيون أن الهدف النهائي للصين هو مواجهة الولايات المتحدة من خلال الحصول على موطئ قدم عسكري لنفسها في دول مثل جزر سليمان أو كيريباتي، حيث يمكنها توسيع نطاق أسطولها البحري وتهديد خطوط الاتصال إلى أستراليا ونيوزيلندا.
أستراليا وأمريكا تضغطان على جزر سليمان للتخلي عن اتفاق عسكري مع الصين
بوادر "حرب باردة" بين أستراليا والصين لبسط النفوذ على جزر المحيط الهادىء
بالنظر إلى المخاطر المحتملة، كان انخراط الولايات المتحدة في هذه المنطقة غير متسق بشكل غريب. وتلاشت التعهدات السابقة بتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية في المنطقة -التي يعود تاريخها إلى 30 عاماً- بعد ضجة أولية. كما تقوضت الجهود التي بذلتها حكومتا الولايات المتحدة وأستراليا، التي ترمي إلى تحسين العلاقات بسبب شكوكهما حول تغير المناخ وهي قضية وجودية للدول الجزرية المنخفضة.
من جهتها، أرسلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إشارة سيئة لإضعاف المحادثات الرامية إلى تجديد المساعدات الاقتصادية لدول الاتفاق الثلاث حتى وقت قريب جداً. احتلت الولايات المتحدة المرتبة الخامسة فقط في إطار إرسال المساعدات المباشرة للمنطقة بين عامي 2009 و2019، بعد أستراليا ونيوزيلندا والصين واليابان.
خلافاً لذلك، لم تكتفِ الصين بتقديم المساعدات فحسب، بل وفرت فرصاً تجارية واسعة النطاق، حيث تشير التقديرات إلى أن الصين استوردت كميات هائلة من الأخشاب والمأكولات البحرية والمعادن من الدول الجزرية في عام 2019. كما باشرت الشركات الصينية ببناء مشاريع البنية التحتية الفخمة في جميع أنحاء الجزر.
والواقع أن الدبلوماسيين الصينيين بروزاً على الساحة أكثر من نظرائهم الأميركيين، حيث عمل كبار القادة الصينيين على تنمية النخب في المحيط الهادئ بجدٍّ. وفي إشارة إلى كيفية استغلال الصين لمثل هذه العلاقات بهدف تحقيق نجاحات استراتيجية، توصلت البلاد مؤخراً إلى اتفاق أمني تم توقيعه مع جزر سليمان، يفتح الباب أمام الزيارات البحرية الصينية.
اقرأ أيضاً: اليابان تعتبر احتلال روسيا للجزر المتنازع عليها "غير شرعي"
لتجنب المزيد من التوسع الصيني، تحتاج الولايات المتحدة أن تثبت فهمها لأولويات المنطقة الطويلة الأجل، وأن تتوعّد بتلبية احتياجاتها بشكلٍ أفضل من الصين. في هذا السياق، تعتبر هذه الخطوة أساسية لاختتام المفاوضات بشأن تقديم المساعدة إلى جزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو بشكلٍ أسرع. بالإضافة إلى تقديم منح التعليم والأهلية للاستفادة من بعض البرامج الفيدرالية، قد تواجه الولايات المتحدة مطالب بتعويضات أكثر شمولاً للناجين من التجارب النووية الأميركية، فضلاً عن مطالب بإصلاح البيئية. إنه ثمن يستحق الدفع.
بصرف النظر عن التزامات أميركا الأخلاقية، يتعين القيام بهذه الاستثمارات الصغيرة نظراً لقيمة الجزر على الصعيد العسكري.
التمويل والدبلوماسية
بنفس القدر من الأهمية، تحتاج الولايات المتحدة إلى التنسيق مع شركاء مثل أستراليا واليابان لتطوير استراتيجية شاملة للمنطقة. وينبغي عليها جمع الموارد لتطوير مشاريع البنية التحتية الرائدة، وتحسين الاتصال الرقمي، وتقديم حوافز تجارية، وتوفير الفرص الإنمائية لسكان جزر المحيط الهادئ. كما يجب عليها تكثيف جهودها للتصدي لما يعتبره القادة المحليون تهديدات أمنية رئيسية، مثل الصيد غير المشروع وصولاً إلى تغير المناخ.
ويتعين على الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، توسيع وجودها الدبلوماسي والانخراط بشكل أكثر اتساقاً مع التجمعات الإقليمية مثل منتدى جزر المحيط الهادئ. وعلى الكونغرس أن يمضي قدماً في تقديم المقترحات التي من شأنها أن تفوض مثل هذه الاستراتيجية، ومن ثم تمويلها بشكل مناسب.
جرعة من الواقعية من شأنها أن تساعد أيضاً. إن دول المحيط الهادئ ليست بغافل عن الطموحات الصينية، ومعظمها لا يهتم كثيراً بتلقي المحاضرات، أو أن تصبح بيادق في حرب باردة جديدة.
بينما ترسم الولايات المتحدة الخط الفاصل بينها والوجود العسكري الصيني، عليها أن تتقبّل فكرة أن هذه الدول ستستمر في ملاحقة الاستثمارات والتجارة الصينية. كما أن البناء على أساس المصالح المشتركة، وليس الإكراه، هو أفضل وسيلة تُعزّز من خلالها الولايات المتحدة رفاهية جزر المحيط الهادئ ومراقبة الصين عن كثب.