قد يمنح أحد البنود بشأن بعض السندات الدولارية القديمة سريلانكا فرصة محتملة للدائنين لإحكام القبضة على الدولة، وتعطيل مفاوضات إعادة الهيكلة، وفقاً لتحذير أطلقه لي بوشهايت، الذي أشرف على نحو 20 عملية لإعادة هيكلة الديون واستعانت بمشورته أيضاً حكومة سريلانكا.
يذكر بوشهايت أن بعض عقود الديون الخاصة بالبلاد يحتوي على ما يسمى بند شرط الإجراء الجماعي في سلسلة الإصدارات الواحدة، وهو البند الذي قد يتيح لأقلية من حاملي السندات الاعتراض على شروط معينة في المفاوضات أو المطالبة بها.
قال بوشهايت في رد عبر البريد الإلكتروني: "يجب على المرء دائماً أن يتوقع احتمال ظهور معترضين بين الدائنين خلال عملية من هذا النوع. ولا يشك أحد حقاً في أن سريلانكا بحاجة إلى إعفاء من الديون، وقد تتركز المناقشة على حجم هذا الإعفاء من المديونية ومَن سيُطلب منه أن يقدمه".
في حين تطلب سريلانكا دعماً من صندوق النقد الدولي لإنقاذها، تصرّ منظمة الإقراض متعددة الأطراف على ضرورة تخفيض الديون القائمة إلى مستويات تستطيع الدولة سدادها قبل تقديم أي مساعدة، وقد يتضمن ذلك إجراء مفاوضات ممتدة، ليس مع شركات إدارة الأصول الدولية فحسب، وإنما أيضاً مع الدول الكبرى الدائنة على مستوى ثنائي مثل اليابان والهند والصين، كما أن كل دولة من هذه الدول قد تفرض شروطها أيضاً.
المساواة في المعاملة
على سبيل المثال أعلنت الهند رغبتها في أن تتلقى معاملة مساوية لمعاملة الدول الأخرى الدائنة في عملية إعادة هيكلة الديون، غير أن الصين تاريخياً تفضل تقديم قروض جديدة بوصفها نوعاً من إعادة التمويل، فضلاً عن إعادة هيكلة الديون القائمة، وهي غالباً لا تعلن تفاصيل الائتمان.
لم تستطع سريلانكا الاستفادة من خط لمقايضة الديون بقيمة 1.5 مليون دولار من الصين خوفاً من أن يعتبر صندوق النقد الدولي ذلك قرضاً جديداً ويفرض تأجيل السداد عليه.
قال بوشهايت: "إنني أرى أن التحدي الرئيسي يتعلق بالتنسيق بين مجموعات الدائنين الثلاث، وهم حاملو السندات، والدول الأعضاء بنادي باريس في القروض الثنائية، والدول الأخرى الدائنة بقروض ثنائية من غير أعضاء نادي باريس مثل الهند والصين. وينبغي أن يؤدي التزام سريلانكا المساواة في المعاملة بين هذه المجموعات الثلاث إلى تحقيق تقدم كبير في اتجاه تعبيد الطريق أمام المفاوضات".
ذكرت الصين أنها لن تصرّ على معاملة تفضيلية عند سداد القروض، وأنها مستعدة لأن تُعامَل بالمثل مع الدائنين الآخرين، وفق تصريحات رئيس سريلانكا غوتابايا راجاباكسا في لقاء يوم الاثنين الماضي.
لدى سؤاله إذا كانت بكين مستعدة لأن تُعامَل على قدم المساواة مع الدائنين الآخرين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جاو ليجيان يوم الثلاثاء الماضي إنّ الصين تدعم "التسوية المناسبة عبر التشاور مع الأطراف والمؤسسات المعنية ذات الصلة"، وتأمل أن تلعب الدول الأخرى دوراً بنّاءً.
أضاف: "إننا نأمل أن تحمي سريلانكا الحقوق المشروعة للمستثمرين الأجانب، وأن تضمن وتحافظ على المصداقية وعلى بيئة استثمارية جيدة ومناسبة في الداخل".
أزمة إنسانية
تصارع الجزيرة أزمة إنسانية آخذة في التدهور بعد أن نضبت مواردها الدولارية اللازمة لاستيراد الطعام والوقود، ما أشعل مستوى التضخم الذي ارتفع إلى 40% ودفع البلاد إلى أزمة تاريخية بعجزها عن سداد الديون.
قال رئيس الوزراء أمام البرلمان، الثلاثاء، إنّ سريلانكا تحتاج إلى 5 مليارات دولار حتى تضمن "استقرار الحياة اليومية وعدم اضطرابها"، ومليار دولار أخرى من أجل دعم الروبية.
تتمثل الخطوة الأولى في إجراء تحليل القدرة على تحمل الديون من قِبل صندوق النقد الدولي، وهو التحليل الذي سيضع خطوطاً عريضة لحجم ما سيتعرض له الدائنون من تخفيض في قيمة ديونهم. وخلافاً لعمليات إفلاس الشركات، لا يوجد في عمليات إعادة هيكلة الديون قواعد واضحة ومحددة، وتلك هي النقطة التي يتخصص بها بوشهايت، فقد عمل المحامي المتقاعد تقريباً على جميع حالات إعادة هيكلة الديون السيادية الكبرى خلال مسيرة عمله التي امتدت إلى أكثر من أربعة عقود، بما في ذلك قيادة الفريق القانوني في المفاوضات اليونانية المتعلقة بديون قيمتها 206 مليارات دولار في عام 2012.
تلك العملية –وهي أكبر عملية إعادة هيكلة ديون في العالم– فرضت بأثر رجعي "بند شرط العمل الجماعي التراكمي" في جميع السندات المحلية، التي أصبحت منذ ذلك الوقت أداة هامة لضمان قدرة الغالبية من الدائنين على إجبار أي أقلية منشقة لقبول اتفاق إعادة الهيكلة.
من الراجح أن تخضع السندات التي صدرت قبل عام 2015 لذلك البند المثير للجدل –أي بند شرط العمل الجماعي في سلسلة الإصدارات الواحدة (single-series CACs)– إذ إنّ التحديثات التي ظهرت بعد ذلك أدت إلى القضاء على المفاوضات الممتدة إلى ما لا نهاية باشتراطها موافقة المستثمرين الذين يحوزون ثلاثة أرباع الدَّين الإجمالي فقط، وفق تصريحات ماتيو فوغل، مدير المَحافظ ورئيس بحوث الديون السيادية لدى شركة "إف آي إم بارتنرز" (FIM Partners) في لندن.
أُصدرت سندات سريلانكا بسعر فائدة 5.875%، التي تُستحق في شهر يوليو، عام 2012، في حين أن سنداتها التي يبلغ سعر فائدتها 6.85% وتُستحق في عام 2025، وتلك التي تبلغ فائدتها 6.125% وتُستحق في عام 2025 أيضاً، قد أُصدرت وبيعت سنة 2015.
وجرى الإعلان عن زيادة سعر السند المستحق في يوليو القادم بمقدار 0.4 سنت إلى 43.9 سنت عن كل دولار يوم الثلاثاء الماضي، في حين انخفض سعر أكثر السندات تداولاً، الذي تبلغ الفائدة عليه 7.55% ويُستحق في عام 2030 بواقع 0.7 سنت إلى 38.2 سنت عن كل دولار.
قال فوغل: "ستكون هذه العملية تحديداً في إعادة هيكلة الديون عملية محفوفة بالمخاطر. فالأسعار الحالية لهذه الديون تشير إلى أن قيمة الاسترداد ستكون منخفضة للغاية".