التوترات الأمريكية الصينية تضع الشركات في مرمى النيران

الرئيسان الأمريكي دونالد ترمب والصيني تشي جينبينغ في حفل استقبال في العاصمة الصينية بكين - المصدر: بلومبرغ
الرئيسان الأمريكي دونالد ترمب والصيني تشي جينبينغ في حفل استقبال في العاصمة الصينية بكين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أحدثت تصرفات الرئيس الأمريكي المنهتية ولايته دونالد ترمب اضطرابات أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للشركات والمستثمرين العالقين في وسط علاقة مثيرة للنزاع بين الولايات المتحدة والصين.

وبعد أسبوع من الارتباك على نطاق واسع حول نطاق الحظر الأمريكي على الاستثمارات في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني، اتخذت واشنطن وبكين خطوات خلال عطلة نهاية الأسبوع، تهدد بتصعيد التوترات، وتعكير آفاق التجارة عبر الحدود.

وقلب وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو عقوداً من السياسة الأمريكية يوم السبت بإزالة القيود المفروضة بشأن كيفية تفاعل المسؤولين الحكوميين مع تايوان، مما أثار دعوات سريعة للرد من جانب وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في الصين.

وجاء إعلان بومبيو قبل ساعات قليلة من إصدار بكين قواعد جديدة من شأنها أن تسمح للمحاكم الصينية بمعاقبة الشركات العالمية بسبب الامتثال للعقوبات الأجنبية -وهي خطوة يمكن أن تجبر الشركات نظرياً على الاختيار بين أكبر اقتصادين في العالم.

وفي الحالتين، لم يكن من الواضح كيفية تطبيق القواعد الجديدة التي أقرَّتها بكين. فالصين على سبيل المثال، تعمل على توسيع مجموعة أدواتها للرد على العقوبات الأمريكية على مدار سنوات، على الرغم من أنَّها امتنعت حتى الآن عن استخدام تدابير تشمل وضع القوائم السوداء، وضوابط بشأن التصدير.

والسؤال الأكثر إثارة للقلق حالياً، يتعلَّق بكيفية تطور أهم علاقة جيوسياسية في العالم بعد دخول جو بايدن البيت الأبيض في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وقد قال السفير الأمريكي السابق لدى الصين تيري برانستاد لتلفزيون بلومبرغ يوم الثلاثاء، إنَّ أيَّ تفاؤل بحدوث تراجع في التوترات يجب أن يخفف من خلال دعم الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) للسياسات الأخيرة المفروضة ضد الصين. وأضاف: "لا أرى احتمال حدوث تغيير كبير في السياسة مع تغيير الإدارات".

خلط الأوراق

تتمثَّل النتيجة في استمرار حالة عدم اليقين بالنسبة للشركات التي وقعت في مرمى النيران، سواء شركة" آبل"، و" تينسنت هولدنجز ليمتد" (Tencent Holdings Ltd)، و"اتش اس بي سي ".

وهذه المخاطر تردع قرارات الاستثمار، وعقد الصفقات، وتمويل الشركات الناشئة في وقت يحتاج فيه الاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمة فيروس كورونا إلى كل الدعم الذي يمكن الحصول عليه.

ويقول أليكس كابري، الزميل الباحث في مؤسسة "هنريش فاونديشين" ( Hinrich Foundation)، ومقرها آسيا، وقد أسسها رجل الأعمال الأمريكي ميرل هينريش لتعزيز التجارة العالمية المستدامة: "هناك تصعيد مماثل في المعاملة.. من منظور حوكمة الشركات، فإنَّ الشركات متعددة الجنسيات والأفراد سيجدون أنفسهم معرَّضين للخطر بشكل متزايد".

وفي خطاب موجَّه إلى مسؤولي الحزب الشيوعي حول خطط التنمية في الصين يوم الإثنين، قال الرئيس شي جين بينغ "يجب أن يتحلى الجميع بالشجاعة للنضال، وأن يكونوا جيدين في ذلك"، مع إظهار نبرة متفائلة بأنَّ "الفرص تفوق التحديات".

وجاء أداء الأسهم الصينية دون مستوى نظيراتها الإقليمية يوم الإثنين، على الرغم من تعافيها من الخسائر في التعاملات المبكرة يوم الثلاثاء.

وتجاهل المستثمرون في تايوان إلى حدٍّ كبير التوترات المتصاعدة عبر المضيق، مما أدى إلى أن يسجل مؤشر الأسهم المحلية مستوى قياسياً.

ورفع بومبيو المبادئ التوجيهية الأمريكية بشأن الاجتماعات مع المسؤولين التايوانيين، المعمول بها بعد اعتراف واشنطن بالصين في عام 1979. وكانت المبادئ التوجُّهية تطلب الحصول على إذن كتابي من وزارة الخارجية بالنسبة للدبلوماسيين، والأفراد العسكريين فوق رتبة معينة لزيارة تايوان، كما قيَّدت (المبادئ التوجهيية) أماكن عقد الاجتماعات مع ممثلي تايوان.

وحذَّرت صحيفة "غلوبل تايمز" المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني من أنَّ بومبيو يدفع أكبر اقتصاديين اثنين في العالم نحو نشوب صراع عسكري.

وأضاف "هو زيجن" (Hu Xijin) ، رئيس تحرير الصحيفة، في إحدى المدونات الصغيرة أنَّ الصين لديها "فرصة ثمينة لتلقين درس قاسٍ لقوى"استقلال تايوان"،وإعادة تأسيس" النفوذ الاستراتيجي" في مضيق تايوان.

وقالت وزارة الخارجية الصينية، التي تعارض إجراء التواصل الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان ، يوم الإثنين إنَّها "تعارض بشدة، وتدين بشدة" الخطوة الأمريكية، وكرَّرت أنَّ تايوان جزء " أصيل" من أراضيها".


وقال بومبيو في تغريدة على موقع "تويتر" يوم 9 يناير:

اليوم أرفع جميع القيود المفروضة ذاتياً على تواصل الوكالات التنفيذية مع نظيراتها من تايوان. هذا العمل سيفيد ديمقراطيتنا العظيمة

التحرك وفق القواعد

تهدف قواعد بكين الجديدة المتعلقة بالعقوبات الأجنبية، التي كشفت عنها وزارة التجارة يوم السبت، إلى حماية الشركات المحلية من الإجراءات التنفيذية الخارجية "غير المبررة" من خلال السماح للمواطنين، أو الشركات الصينية برفع دعوى للحصول على تعويض في المحاكم الصينية إذا تضرَّرت مصالحهم من خلال تطبيق قوانين أجنبية.

فعلى سبيل المثال، تعرَّضت شركة "بايت دانس ليمتد" (ByteDance Ltd) الصينية لضغوط من إدارة ترمب للتخلي عن السيطرة على منصة تطبيق الفيديوهات القصيرة "تيك توك" بسبب مخاوف مزعومة تتعلَّق بالأمن القومي، لكنَّ مستثمري الشركة الناشئة قد يسعون إلى استخدام القواعد الصينية الجديدة للفوز بتعويض مالي عن أيَّة خسائر.

وأثارت القواعد الجديدة الصينية سيناريوهات محتملة أخرى، فإذا أزالت شركة " آبل" تطبيق " ويتشات" المملوك لشركة "تينسنت"، أو " تيك توك" من متجر التطبيقات الخاص بها؛ فهل يمكن رفع دعوى قضائية ضدهما في البر الرئيسي الصيني بسبب الأضرار؟ أو إذا امتثلت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصِّلات المحدود (تي إس إم سي) للعقوبات المفروضة على شركة " هواوي تكنولوجيز" برفضها توريد رقائقها، فهل يمكن للشركة الصينية المطالبة بتعويض مالي؟

وقال شون دينغ، الشريك والمحلل المقيم في واشنطن بـ"بلينم" (Plenum) ، وهو مركز أبحاث متخصص في مسائل السياسة والاقتصاد بالصين، إنَّ إعلان بكين عن قواعد جديدة لمواجهة العقوبات الأمريكية في نهاية رئاسة ترمب، من المرجَّح أن يكون مقصوداً لإرسال إشارة إلى صانعي السياسة الأمريكية دون الإفراط في استعداء إدارة بايدن الجديدة في أيامها الأولى.

وأضاف دينغ: "القواعد الجديدة هي أكثر من أي شيء آخر بمثابة آلية إرسال إشارات لكلٍّ من الشركات الصينية والأمريكية في الصين: لدينا الآن قدرة قانونية على مواجهة الاختصاص القضائي طويل المدى للقانون المحلي الأمريكي".

وتابع: "باختصار، إنَّها إشارة في هذه المرحلة أكثر من كونها محاولة فعلية لتفعيل الجهود القانونية".

ويتماشى هذا النهج مع ردود الفعل الصينية السابقة على القيود الأمريكية، بما في ذلك وضع بكين "قائمة كيانات غير موثوقة".

المصدر: وزارة التجارة الأمريكية كما في 21 ديسمبر 2020
المصدر: وزارة التجارة الأمريكية كما في 21 ديسمبر 2020

حوافز ضخمة لإرضاء الجهات التنظيمية الأمريكية

وفي حين تعهَّدت الحكومة الصينية بمعاقبة الشركات أو المنظمات أو الأفراد الموجودين بالقائمة الذين يضرّون الأمن القومي، لم تحدد السلطات بعد ما إذا كان أي شخص قد استوفى بالفعل معايير الإدراج في قائمة " الكيانات غير الموثوق فيها".

ويؤكِّد قانون الأمن القومي الذي فرضه الحزب الشيوعي على هونغ كونغ في يونيو كيف يمكن للولايات المتحدة أن تكون لها اليد العليا عندما يتعلَّق الأمر بالعقوبات،

لا سيَّما تلك التي تؤثر على الصناعة المالية.

وعلى الرغم من أنَّ قانون الأمن في هونغ كونغ يحظر فرض عقوبات على المركز المالي والصين، إلا أنَّ البنوك الحكومية الصينية، بما في ذلك "بنك أوف تشاينا ليمتد"، اتخذت بهدوء خطوات للامتثال للعقوبات الأمريكية ضد مسؤولين، مثل الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ كاري لام.

ومع وجود أكثر من تريليون دولار من الالتزامات المقومة بالدولار الأمريكي، فإنَّ أكبر أربعة بنوك مملوكة للدولة في الصين لديها حوافز ضخمة لإرضاء الجهات التنظيمية الأمريكية حتى تتمكَّن من الحصول على التمويل بالدولار.

وقالت أنغيلا تشانغ، مديرة مركز القانون الصيني بجامعة هونغ كونغ، ومؤلفة كتاب "استثنائية مكافحة الاحتكار الصينية-كيف يتحدى صعود الصين اللوائح العالمية"، إنَّ ديناميكية مماثلة ظهرت أمام الشركات الدولية التي تتعامل مع القواعد المتضاربة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن إيران.

وأضافت تشانغ: "إذا نظرت إلى أفعال الاتحاد الأوروبي سابقاً، لا أرى أنَّ القواعد الصينية فعَّالة للغاية في مواجهة العقوبات الأمريكية بالفعل". وتابعت أنَّ القواعد الصينية الجديدة من شأنها زيادة تكاليف الامتثال للشركات.

امتثال جاد من الشركات الأمريكية

وظهر المدى الطويل للعقوبات الأمريكية -واحتمال حدوث ارتباك بشأن تنفيذها- مرة أخرى يوم الإثنين، إذ تسابقت البنوك ومديرو الاستثمار للامتثال للأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب بحظر الاستثمارات في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني.

وقالت بنوك استثمار دولية، مثل "غولدمان ساكس"، و"مورغان ستانلي"، و"جيه بي مورغان" في بيانات إفصاح للبورصة خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنَّها ستشطب 500 من المنتجات المهيكلة المتداولة في هونغ كونغ، وهي خطوة ستؤثر على المستثمرين في الولايات المتحدة وحول العالم.

ولم يتلقَ المستثمرون في كثير من الحالات سوى القليل من التحذير بشأن كيفية قيام المنظِّمين، والبنوك، ومقدِّمي المؤشرات، والبورصات بالتخطيط لتنفيذ أمر ترمب، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الإثنين.

وغيَّرت بورصة نيويورك مسارها مرتين قبل أن تؤكِّد أخيراً الأسبوع الماضي أنَّها ستشطب شركة " تشاينا موبايل ليمتد"، وشركتي اتصالات صينيتين أخريين.

وشطبت شركة "إم إس سي آي" (MSCI Inc) الأسهم الثلاثة من مؤشراتها يوم الجمعة، مما أعطى الصناديق العالمية يوماً لتعديل الإدارة السلبية لاستمارات بمليارات الدولارات.

وقالت ويندي ليو، رئيسة استراتيجية الأسهم الصينية في"يو بي إس غروب"، إنَّ بعض المستثمرين الباحثين عن الصفقات في أوروبا مهتمُّون بالاستفادة من انخفاض أسعار الأسهم الصينية بسبب العقوبات.

لكنَّها أضافت أنَّ الكثيرين من المستثمرين ما زالوا ينتظرون الصورة النهائية للوضع في انتظار مزيد من الوضوح حول آفاق التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

وقالت ليو: "إنَّ عكس عقوبات ترمب والسياسات الصينية بسرعة كبيرة سيعطي إشارة مؤيدة للصين، لن تكون مفيدة لاستطلاعات رأي بايدن.. ما نزال بحاجة إلى الانتظار، ونرى كيف ستتبدى العلاقات الأمريكية الصينية إبان حكم الإدارة الجديدة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات