يُرجح أن يزيد احتمال وقوع اختلالات عديدة في سلة الخبز عند مستويات أعلى من الاحتباس الحراري

شبكة الأمان ضد الجوع أوهى مما يظن الناس

مزارع يغسل رأسه بالماء - المصدر: بلومبرغ
مزارع يغسل رأسه بالماء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كيف تمكن العالم من الاستمرار بإطعام سكانه، فيما تضاعف عددهم على مدى خمسة عقود خلت؟ يعود جلّ الفضل في ذلك للعولمة، فقد كان تلف محاصيل منطقة ما في القرون الماضية سيؤدي لمجاعة حتماً. غيّر ذلك انخفاض تكاليف الشحن البحري 70% بين 1840 و1910، فحفزت تجارة الحبوب عالمياً فبات نحو ربع السعرات الحرارية التي نستهلكها يعبر الحدود مُشكلاً شبكة أمان هامة لأنظمة الغذاء العالمية.

يقترن تلف المحاصيل في إحدى المناطق عادة مع وفرة في محاصيل بقاع أخرى من العالم نتيجة دورات المناخ الرئيسية التي تحول هطول الأمطار من قارة لأخرى. تميل دورة المناخ "لا نينا" لتقليل محاصيل فول الصويا والذرة في الأمريكتين، لكنها تزيدها في آسيا. خلال دورة "ال نينو" ينخفض إنتاج القمح في أستراليا والولايات المتحدة ويزداد في روسيا والصين، فيما يرتفع محصول الأرز إنتاجاً في البنغال وإندونيسيا ويتراجع في الصين والبر الرئيسي لجنوب شرق آسيا.

طالما أن الدول المعتمدة على الغذاء لديها النقد الأجنبي لدفع تكاليف الأغذية المستوردة، فإن هذه الآثار قد يلغي بعضها بعضاً بما يحول دون وقوع مجاعة.

دور السياسة

ربما دفعنا ذلك لشعور زائف بالأمان. رغم تطور تجارة السعرات الحرارية العالمية ما نزال نعتمد بشدة على نحو 6 مناطق تمثل سلال خبز، وهي الغرب الأوسط الأمريكي، وأمريكا الجنوبية، وأوروبا الغربية، والاتحاد السوفيتي السابق، وسهل الغانج الهندي، وشرق الصين.

إن ضرب مناخ غريب منطقتين في وقت واحد، نصبح أكثر اعتماداً على مناطق أخرى وعلى مخزون السنوات السابقة. حين تدخل السياسة على الخط يضيق هامش الأمان. هذا هو وضع العالم راهناً، فقد قالت الهند الأسبوع الماضي إنها ستقيد صادرات القمح حفاظاً على أمنها الغذائي، بعدما سبقت موسم الأمطار موجة حر شديد فضربت محصول الشتاء.

كان العالم يعتمد على القمح الهندي بعد حرب أوكرانيا وجفاف الأرجنتين وفيضانات أستراليا التي خفضت إنتاج تلك البلدان. عملت الصين، أكبر منتجة ومستهلكة للقمح في العالم، على بناء مخزوناتها بقوة لدى توتر علاقاتها مع الدول المصدرة للغذاء، ووصلت أسعار قمح الربيع العنبري في شيكاغو لأعلى مستوياتها في 14 عاماً خلال مارس، وهي بصدد تسجيل رقم قياسي جديد. لولا محصول أمريكا الشمالية القوي وعدم تأثر المحاصيل الروسية بالعقوبات الدولية بعد، لكان الوضع أسوأ من الراهن.

أثر تغير المناخ

قد يزداد الأمر سوءاً. يبدو التوقع بأن شح سلة غذائية دائماً يُوازنه فيض سلال أخرى أمراً جديراً بالثقة، فإن تلف المحاصيل عادة ما يكون نتيجة للجفاف، وعادة ما تهطل الأمطار التي تنحبس عن منطقة ما على بقاع آخرى من العالم.

لسوء الحظ يغير اختلاف المناخ تلك التوقعات. إذا زادت الهطولات بإفراط، فقد تتسبب بمشاكل منها إغراق المحاصيل وقتل الأشتال، وهو ما تشهده حالياً أستراليا، وهي أحد أكبر مصدري القمح في العالم.

يمكن للجو الأدفأ أن يحتفظ برطوبة شديدة تزيد فرص الفيضانات التي تدمر المحاصيل. لقد رأينا أمثلة على هذا. أدى نفس النظام المناخي في 2010 لموجات حر وجفاف في روسيا وفيضانات في باكستان، ما ضغط بتزامن على اثنين من أحزمة القمح الرئيسية بالعالم فساهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي ساعدت على انطلاق انتفاضات الربيع العربي في نهاية ذاك العام.

يُرجح أن يزيد احتمال وقوع اختلالات عديدة في سلة الخبز عند مستويات أعلى من الاحتباس الحراري. عند درجتين من الاحترار، فإن خطر تلف محاصيل خمس مناطق منتجة للذرة في العالم بالتزامن يرتفع من مرة واحدة كل 16 عاماً إلى مرة كل عامين، وفقاً لدراسة صدرت في 2019.

قرارات متشابهة

تحفز السياسة تسارع وتيرة الأحداث، فكلما حظرت دولة ما صادراتها الزراعية بسبب مخاوف حيال الأمن الغذائي تزيد احتمالات اتباع شركائها التجاريين نفس النهج بشكل ملحوظ، ما يؤدي إلى إخراج سلال غذائية إضافية من سلسلة التوريد العالمية.

حظرت نيودلهي تصدير القمح في أعقاب خطوة مماثلة من إندونيسيا الشهر الماضي بخصوص صادراتها من زيت النخيل. الهند هي أكبر مستورد للدهون النباتية، وما يقرب من أربعة ملايين طن متري تشتريها من إندونيسيا سنوياً تكفي لتوفير حوالي 6% من السعرات الحرارية لسكانها. كما تضعف التوترات الجيوسياسية علاقات روسيا والصين وأوكرانيا بنظام الغذاء العالمي.

قد تسوء الدورة الحالية قبل أن تتحسن. يمكن أن تنتشر مخاطر خسائر المحاصيل من حيث زمنها وجغرافيتها فتخفض المخزونات التي تراكمت في سنين الخير لتجاوز الفترة العجفاء. لكن الأمور لا تسير على ما يرام حين "تستمر" دورات المناخ.

يبدو حالياً أن مرحلة "لا نينا" الحالية تتمدد لعام ثالث على التوالي في حدث غير عادي، ما يعني أن المخزونات التي نفدت في مواسم سابقة لم تتح لها فرصة لتتجدد كما هو معتاد.

يعتبر نمو مهارة البشر في إبعاد شبح الجوع رغم ارتفاع عدد السكان أحد أعظم إنجازاتنا، لكنها تعتمد على أسس غير مستقرة بشكل مقلق. قد يكون ارتفاع أسعار الغذاء راهناً بمثابة تحذير. للبقاء على قيد الحياة في القرن المقبل، يتعين على سكان الكوكب كله العمل معاً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة