تتجه بريطانيا والاتحاد الأوروبي صوب خلاف جديد حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، مع عودة التصعيد في النزاع طويل الأمد حول بروتوكول أيرلندا الشمالية.
وفيما يلي نوضح كيف أنَّ تهديد المملكة المتحدة بتعديل جزء أساسي من اتفاق الـ"بريكست" قد يفجر حرباً تجارية بين الحليفين.
لماذا يدور النزاع؟
إنَّ مستقبل أيرلندا الشمالية كان أكثر النقاط صعوبة وإثارة للجدل في المفاوضات الأولى حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أراد كل من الجانبين أن يتجنّب وضع نقاط تفتيش جمركية على الحدود التي تمتد 310 أميال بين الجمهورية والشمال – والتي كانت نقطة مشتعلة رئيسية للعنف الطائفي الذي ضرب المنطقة على مدى جيل كامل.
كان الحل الذي وقَّع عليه رئيس الوزراء بوريس جونسون طواعية هو استمرار بقاء أيرلندا الشمالية داخل سوق الاتحاد الأوروبي الموحدة بالنسبة للسلع – على حساب وضع الحدود الجمركية في البحر الأيرلندي. ومعنى هذا أنَّ البضائع التي تنتقل إلى المقاطعة من بقية أنحاء المملكة المتحدة تخضع للمراقبة الجمركية.
يرى الوحدويون أنَّ ذلك قد أحدث فجوة بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة وحول تدفق التجارة نحو الجنوب.
تهدد حكومة جونسون منذ زمن طويل بتفعيل نص الحالة الطارئة في البروتوكول المعروف بالمادة 16، ويسمح لها بتعليق بعض أجزاء الاتفاق إذا تسببت في "أزمات بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية خطيرة" أو في "تحول بحركة التجارة".
لماذا الآن؟
انتخابات المجلس التشريعي في أيرلندا الشمالية في 5 مايو كانت بمثابة تحول كبير في التوازن السياسي للمنطقة؛ إذ حقق حزب "شين فين" القومي أول فوز تاريخي له.
يؤيد البروتوكول حزب "شين فين"، ومعه حزب "تحالف" الذي فاز أيضاً بمقاعد في الانتخابات، في حين يدفع الحزب "الديمقراطي الوحدوي" بقوة نحو إلغاء الاتفاق.
حتى الآن، يرفض الحزب "الديمقراطي الوحدوي" الانضمام إلى جمعية تقاسم السلطة في أيرلندا الشمالية، وهي شرعية أساسية في اتفاقية الجمعة العظيمة، حتى تتخذ المملكة المتحدة إجراءً لتغيير البروتوكول.
ومن دون تعاون الحزب "الديمقراطي الوحدوي"؛ سوف تعلّق قرارات رئيسية في المجلس التشريعي لأيرلندا الشمالية "ستورمونت".
وأمام الأحزاب حالياً ستة أشهر لتشكيل الحكومة، أو يدعو وزير خارجية المملكة المتحدة إلى تنظيم انتخابات أخرى.
وفّر ذلك فرصة لحكومة بوريس جونسون –بعد شهور من المعاناة في التعامل مع فيروس كوفيد والفضائح الحزبية – للمحاولة وإعادة التفاوض حول البروتوكول وإلغاء ضرورة التفتيش الجمركي على معظم البضائع.
ما الذي اختلف هذه المرة؟
في حين تهدد المملكة المتحدة منذ فترة طويلة بتفعيل المادة 16؛ يبدو أنَّ موقف وزيرة الخارجية ليز تروس قد تغيّر مؤخراً. وبحسب صحيفة الـ"تايمز"؛ تدرس الوزيرة تشريعاً جديداً يهدف إلى التجاوز عن أقسام كاملة من البروتوكول.
حذّرت الوزيرة، في مكالمة هاتفية مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش يوم الخميس، من أنَّ المملكة المتحدة لن يكون أمامها أي خيار سوى التصرف إذا لم يُظهر الاتحاد الأوروبي "المرونة المطلوبة".
ورداً على ذلك؛ قال سيفكوفيتش إنَّ أي إجراء أحادي قد تتخذه المملكة المتحدة "ببساطة غير مقبول"، وسوف "يقوّض الشروط الضرورية لاستمرار أيرلندا الشمالية في الوصول إلى السوق الموحدة للسلع في الاتحاد الأوروبي".
بخلاف ما تنص عليه المادة 16، التي تسمح للمملكة المتحدة أن تتخذ إجراء محدوداً ومتناسباً لمعالجة اضطرابات محددة يتسبّب فيها البروتوكول بعد فترة تهدئة مدتها تصل إلى شهر واحد بهدف التباحث مع الاتحاد الأوروبي؛ فإنَّ التشريع سيسمح للحكومة باتخاذ إجراء فوري من جانب واحد. غير أنَّ المحامين حذّروا من أنَّ مثل هذه الخطوة قد تشكّل خرقاً للقانون الدولي.
كيف ستعمل؟
ربما تقدّم تروس مشروع قانون برلماني جديد – والذي يرجح أن يواجه معارضة قوية في مجلس اللوردات – أو أن تلجأ إلى ما يسمى بالتشريع الثانوي، الذي يسمح للوزير بأن يُدخل تغييراً مباشراً على القانون دون الحاجة إلى موافقة نشطة من البرلمان.
قد لا يطبّق التشريع بعض أجزاء البروتوكول التي تتعلق بالتجارة والضرائب – أو يمنح وزراء الحكومة صلاحية التجاوز عنها.
وبدلاً من ذلك؛ قد تلجأ تروس ببساطة إلى التهديد بتقديم تشريع على أمل أن تشجع الاتحاد الأوروبي على الدخول في مفاوضات.
ماذا سيكون رد فعل الاتحاد الأوروبي؟
لا يخشى الاتحاد الأوروبي من الانتقام. ويرجح أن يبدأ التكتل في اتخاذ إجراءات مواجهة التجاوزات ضد المملكة المتحدة، وقد يعلّق اتفاقية التجارة التي وضعها الجانبان بعناية منذ عام. قد يترتب على ذلك توقف التجارة في السلع بدون رسوم جمركية بين الجانبين، فتصبح بريطانيا إلى حد كبير في ذات الموقف الذي كان سيتحقق إذا أخفقت في الوصول إلى اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي منذ البداية.
في حين تتولى المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، مسؤولية المفاوضات والإجراءات الانتقامية؛ فإنَّ اتخاذ قرار نهائي بشأن التفاصيل والتوقيت يتطلب موافقة الدول الأعضاء، وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر.
ما رأي الولايات المتحدة؟
الرئيس جو بايدن، الذي ينحدر من أصول أيرلندية، كرر تحذيره إلى جونسون بعدم السماح بتعريض السلام في أيرلندا للخطر بسبب أي توترات تتعلّق بالبروتوكول.
وفي خطاب إلى وزيرة الخارجية البريطانية تروس في 10 مايو الجاري؛ حذّر عضوا الكونغرس الأمريكي ويليام كيتينغ، رئيس اللجنة الفرعية للسياسة الخارجية الخاصة بأوروبا، وبرندان بويل، الرئيس المشارك للجنة الاتحاد الأوروبي بالكونغرس الأمريكي، من أنَّ أي إجراء أحادي الجانب يهدف إلى خرق البروتوكول سيقضي على اتفاقية الجمعة العظيمة.
ما هي المخاطر؟
تهدد الحرب التجارية بإضافة ضغوط اقتصادية هائلة في وقت تعاني فيه أوروبا فعلاً، و هي تعالج أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب زيادة أسعار النفط و الغاز.
و ينبغي أيضاً أن يتم وضع حرب روسيا ضد أوكرانيا في الاعتبار، و التي ربطت في الأشهر الأخيرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ووحدتهما معاً بعد سنوات من التوتر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
حذّرت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي هذا الأسبوع قائلة، إنَّ الإجراءات أحادية الجانب تهدد أيضاً بتوجيه رسالة إلى بقية العالم حول مدى استعداد المملكة المتحدة للالتزام باتفاقياتها الدولية.