زاد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من أسعار الفائدة بأكبر قدر خلال 22 سنة، ما أثار مخاوف من أن حدوث ركود بات قاب قوسين أو أدنى.
يعد الهدف من ذلك كبح معدلات التضخم المرتفعة، لكن كثيرين عبروا عن وجود شكوك لديهم في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سينجح في إدارة ما يطلق عليه "الهبوط الآمن"، والذي يعني القيام بخفض الأسعار دون إلحاق الضرر بالاقتصاد. بينما يستمر طرح هذه التساؤلات، يقول المستشارون الماليون إن الوقت ملائم للتأهب لتراجع مالي محتمل.
قالت ليز آن سوندرز، كبيرة محللي الاستثمار في شركة "تشارلز شواب": "في أي زمن تتحول فيه إلى فترة تشديد للسياسة النقدية أو تحفظ، توجد حاجة إلى إعداد قائمة تحقق للركود". تابعت: "توجد آثار مضاعفة تطال كل شيء، بالإضافة إلى التأثير النفسي الذي يقع على المستهلك".
ما هو الركود؟
تثير الكلمة التي تبدأ بحرف "ر" مخاوف تتعلق بفقدان الوظائف وتدهور أسواق الأسهم والأوجاع الاقتصادية. ينبعث كثير من هذا عن تجارب المستهلكين الحديثة إلى حد ما مع الخروج البطيء الطويل من الأزمة المالية التي وقعت سن 2008، والتي تسمى ب"الركود العظيم".
يعتبر "الركود" مصطلحاً تقنياً، يجري تعريفه بأنه رُبْعَا سنة متتاليان من الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي. يعد المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية السلطة المسؤولة عن الإعلان عن حالات الركود في الولايات المتحدة، وبحسب تعريفها الخاص فإن الركود هو "التراجع الكبير في النشاط الاقتصادي المنتشر في كافة أنحاء مجالات الاقتصاد والذي يستمر ما يزيد على بضعة أشهر".
سيشعر الأشخاص المختلفون بتأثيرات الركود بوسائل متباينة بحسب ظروفهم ووظائفهم وأماكنهم.
قال كولين مويناهان، المستشار المالي لشركة "توينتي فيفتي كابيتال" في مدينة "تشارلستون" بولاية "ساوث كارولينا": "عاش أشخاص كثيرون العديد من فترات الركود الحقيقية دون أن يشعروا فعلياً بتأثيرها عليهم".
بأسلوب آخر، ربما يسفر الخوف من احتمال حدوث ركود عن نتائج عكسية. لكن من المفيد أن تكون في حالة تأهب.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يفقد التحكم في قصة التضخم
استراتيجية الإنفاق
حتى في ظل وجود خطر حدوث ركود وشيك، توضح البيانات أن الأمريكيين ما زالوا ينفقون بمعدل جيد. صعد حجم الإنفاق الاستهلاكي المعدل وفقاً للتضخم في الولايات المتحدة بطريقة استثنائية خلال شهر مارس الماضي. وأبلغت أكبر البنوك في البلاد مؤخراً عن أن إنفاق بطاقات الائتمان صعد خلال الربع الأول من السنة الجارية.
يقول المستشارون إن الوقت قد حان للحد من بعض هذه النفقات. يعد ذلك جزءاً من استراتيجية مالية تتبع بطريقة فعالة المثل القديم "صناعة التبن بينما الشمس تشرق".
قال مويناهان: "الجزء الأصعب هو تعديل سلوكك بطريقة استباقية بما يكفي لإحراز تقدم بدلاً من محاولة اللحاق بالركب".
ربما يعني ذلك اكتشاف أساليب للحد من الإنفاق الاختياري أو تحديد المشتريات التي تعد بمثابة أولوية وليست مجرد رغبات. قال إنه من المعتاد أن تكون الإجازات وتناول الطعام خارج البيت من أول المجالات التي يتعين الحد منها.
عليك إعداد محفظة استثماراتك
في ظل بيئة الركود، من المفترض أن تسطع المحفظة الكلاسيكية 60/40 - 60% أسهم و40% سندات. وذلك لأن الفترات الزمنية الخاصة بالركود تسفر عادة عن عمليات هبوط في أسعار الفائدة، وما يعد أمراً مفيداً لأسعار السندات. قال كريستوفر غريسانتي، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الأسهم لدى شركة "أم آي كابيتال مانجمنت"، إن هذا لا يعتبر الحال في هذه المرة، حيث أدى صعود أسعار الفائدة لتراجع السندات.
أضاف: "قسم 40 الذي من المفترض أن يوفر الحماية لك كان سيئاً مثل قسم 60".
يعتبر غريسانتي من مؤيدي القيام بتوجيه محافظ الأصول أكثر صوب الأسهم في الوقت الحاضر، لأنها في الأغلب تعمل بطريقة جيدة وسط البيئة التضخمية. لكنه ينصح بعدم الاضطلاع بكثير من المخاطر. قال إن أولئك الذين اختاروا الأسهم يتعين عليهم أن يتأكدوا من انتقاء الشركات التي أعلنت فعلاً عن أرباحها، بما أن "السوق لا تتسامح مع حالات العجز المالي".
العريان: ينبغي ألا يقتصر قرار "الاحتياطي الفيدرالي" على زيادة أسعار الفائدة
السوق العقارية
يعتبر من بين الأهداف الأساسية لبنك الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة هو إبطاء سوق الإسكان، التي تفجرت منذ اندلاع الجائحة. في شهر فبراير، وهو آخر شهر تتوفر له بيانات، صعد مؤشر الأسعار في 20 مدينة أمريكية بنسبة بلغت 20.2% بالمقارنة بالسنة السابقة.
هل من المنطقي القيام بشراء منزل في ظل خطر الركود الوشيك؟ ربما يعني الشراء في الوقت الحالي تثبيت أسعار الفائدة الخاصة بالرهن العقاري قبيل ارتفاعها إلى مستوى أعلى. لكن ربما يعني ذلك أيضاً الاستدانة من أجل أحد الأصول عندما تكون الأسعار باهظة، كي تجري مشاهدة قيمته تتراجع خلال الشهور القادمة.
يتباين موقف كل شخص، لكن المستشارين في العموم يقولون إن شراء منزل في إمكانك تحمل تكلفته وكونك تعتزم البقاء فيه في الأجل البعيد، ربما يكون منطقياً حتى مع وجود ركود في المستقبل. ربما لا يكون الأمر كذلك إذا كنت تعتزم شراء منزل للإبقاء عليه لبضعة أعوام.
يقول مويناهان من شركة "توينتي فيفتي كابيتال" إن أي شخص يشتري منزلاً للعيش فيه لمدة 5 أعوام تقريباً سيكون في حاجة إلى ارتفاع قيمة هذا العقار بشكل طفيف لاسترداد تكاليف إغلاق عملية الشراء وجني الأرباح. ربما يصبح ذلك الأمر أشد صعوبة في حال حودث الركود خلال الشهور القادمة وأسفر عن حدوث تراجع في الطلب على الإسكان.
هل يتعين عليك ترك الوظيفة؟
في ظل هذه المرحلة من "الخروج العظيم"، تخلى أشخاص كثيرون عن الوظائف التي لم يكن بمقدورهم تحملها. ربما يتوجس خيفة أولئك الذين يخشون حدوث ركود اقتصادي في الشهور القادمة من أن مغادرة وظائفهم حالياً قد يعرضهم لركود سوق العمل، وليس في الإمكان إعادة توظيفهم بسهولة. يقول المستشارون إن هذه الهواجس مبالغ فيها.
قال غريسانتي: "لا نتوقع أي تراجع في الموقف التوظيفي القوي". تابع: "يعد ذلك أفضل وقت خلال جيل كونك موظفاً".
خلال شهر مارس الماضي، سجل أصحاب العمل في الولايات المتحدة مستوى قياسي من فرص العمل، في ظل وجود 1.9 وظيفة متاحة لكل موظف عاطل عن العمل. في هذه الأثناء، صعدت الأجور والرواتب بنسبة 4.7% خلال الربع الأول من السنة الجارية.
قال مات ميسكين، كبير المحللين الاستراتيجيين الاستثماريين في شركة "جون هانكوك انفستمنت مانجمنت"، إنه رغم ذلك، لن تستجيب للركود كافة القطاعات الاقتصادية بنفس الأسلوب. ربما تكون القطاعات التي تركز على المستهلك على غرار البيع بالتجزئة والضيافة أشد خطورة من حيث الاستقرار الوظيفي.
أضاف: "في حال كانت الشركة شديدة الارتباط بالاقتصاد، فسأفكر كثيراً في القيام بهذه القفزة". تابع: "حتى لو قالوا إنه توجد لديك الوظيفة حالياً، فمن المحتمل أن يجري تخفيضها السنة القادمة".