زمن تقديم الدعم المجاني قد ولَّى في الولايات المتحدة

الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون - AFP
الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ظهور التضخم للمرّة الأولى خلال سنوات حياتي، يعني أيضاً عودة المقايضات الصعبة قصيرة المدى في السياسة الاقتصادية للمرّة الأولى في القرن الواحد والعشرين. وبمعنى آخر، فإن حقبة سياسات الدعم المجاني قد ولّت، وسيواجه الجمهوريون صعوبة أكثر من الديمقراطيين في التأقلم مع الأمر.

في عهد الرئيس جورج بوش الابن، كان من الشائع سماع الديمقراطيين يتذمرون من انعدام المسؤولية على خلفية شنّ البلاد لحربين في ظلّ تخفيضين ضريبيين كبيرين، وتوسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الطبية "ميديكير". إلا أن المشاكل المزعومة التي تمثلت بسخاء بوش، تكررت في المستقبل، مع أعباء ديون سوف تثقل كاهل أولادنا وأحفادنا.

في ذلك الوقت، كان كلّ شيء يبدو على ما يرام على المدى القصير، اقتصادياً على الأقل. وخلال عهد أوباما، وصلت الهستيريا السياسية حيال العجز في الموازنة إلى ذروتها، إلا أن الإخفاق في معالجتها لم يؤد إلى أي مشاكل حقيقية. وبحلول عهد الرئيس دونالد ترمب، كان الحزبان قد توقفا عن القلق حيال هذه المقايضات. فقام ترمب بتخفيض الضرائب وزاد الإنفاق، وتنصل من كافة الإصلاحات في الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية.

الوضع الحالي

اليوم، يتجنب الرئيس جو بايدن أي حديث عن المسؤولية المالية، ويكتفي ببساطة بطرح ضرائب جديدة من أجل تمويل زيادة الإنفاق. لكن على الرغم من أن معدلات الفائدة لا تزال منخفضة نسبياً، إلا أن التضخم سيضع حداً لهذا النوع من سياسات الدعم المجاني. فأولاً، ليس من الواضح إلى متى يمكن أن تظل أسعار الفائدة منخفضة، فهي آخذة في الارتفاع، وسيواصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفعها لفترة من الوقت.

بعيداً عن صعيد الحسابات، تكمن الصعوبة في أن الاقتصاد الأمريكي مقيد حالياً بموارد حقيقية. وأصبحت سياسات مثل تخفيف القروض الطلابيّة التي أمكن أن تقدم حافزاً فعالاً قبل بضع سنوات، مسببة بحدّ ذاتها للتضخم. حتى التخفيضات الضريبية، فإنها ما لم تقابل بتخفيضات في الإنفاق تأخذ المال من جيب شخص ما، سوف تغذي التضخم هي الأخرى.

نهاية الأموال السهلة تُحدث صدمة مالية حول العالم قيمتها 410 مليارات دولار

مقايضات صعبة

بالمثل، فإن الإنفاق الجديد على خدمات اجتماعية تضع النقود في جيوب المواطنين، سوف تغذي التضخم، ما لم يتم فرض ضرائب من أجل استرجاعها من مكان آخر. وفيما كان من الممكن للرئيس بايدن قبل بضع سنوات، أن يتذرع بأن شروطه الصارمة بشراء مكونات مصنعّة في الولايات المتحدة لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية أمر ضروري من أجل خلق فرص عمل، إلا أنه في الوقت الحالي يوجد فائض من فرص العمل بالبلاد.

ولنكن واضحين: إن سوق العمل القوي هذا هو إنجاز مميز لإدارة بايدن. ولكن بطبيعتها، الإنجازات تعني أنك حين تحققها، فلا داعي لأن تستمر في تحقيقها. كذلك، عالجت هذه الإدارة، بغض النظر عن عيوبها الأخرى، نقصاً مزمناً في الطلب ابتليت به الولايات المتحدة لعقود. والآن عليها الانتقال من أحلام اليقظة التقدمية نحو عالم المقايضات الصعبة. فما عاد بالإمكان تبرير العجز بالميزانية والإجراءات الحمائية على أنها حوافز. ومن غير العملي تمويل البرامج من خلال فرض ضريبة على الثروة أو الأرباح الرأسمالية غير المحققة لأصحاب المليارات.

وبمعنى آخر، فإن زيادة الإنفاق في أحد الجوانب يتطلب خفض الإنفاق في جانب آخر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال فرض الضرائب من أجل خفض إنفاق الأفراد، ويمكن تحقيقه أيضاً عبر فرض ضرائب على الأثرياء، لكن يتعين أن تكون القاعدة المستهدفة أكبر من المجموعات الصغيرة التي تستهدفها هذه الأنواع من الإجراءات.

ماذا عن الجمهوريين؟

لكن إذا كانت نهاية حقبة الدعم المجاني سيئة بالنسبة لليسار التقدمي، فهي كارثية بالنسبة للجمهوريين.

فقد مارس كلّ من الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما أشكالاً من أشكال السياسة التقشفية الناجحة، مستعرضين بشكل مبالغ فيه أمام الناخبين المقايضة بين السياسة الضريبية المحافظة، واستقرار وأمان برامج التغطية الصحية "ميديكير" و"ميديك إيد" والضمان الاجتماعي. بينما انهارت مكانة بوش السياسية إثر محاولته تخصيص قطاع الضمان الاجتماعي، كما واجهت مساعي ترمب لتقليص برنامج "ميديك إيد" نهاية حزينة.

وفي الواقع، لحسن حظّ ترمب فإن ولايته الرئاسية جاءت في وقت كانت معظم الإدارة الأمريكية فيه تعتقد بشكل خاطئ بأن الولايات المتحدة بلغت مرحلة التوظيف الكامل. ففي ظلّ الظروف التي كانت قائمة حينها أدى المزيج الذي قدمه من زيادة في الإنفاق وخفض الضرائب وتشديد القيود على التجارة والهجرة، إلى نتائج جيدة بالإجمال. إلا أن اعتماد السياسات نفسها اليوم في ظلّ الأوضاع المختلفة تماماً، سيكون مدمراً للغاية.

مع ذلك، لم يتقدم النجوم الصاعدون في الحزب الجمهوري بما هو أفضل. فالحكام الجمهوريون الناجحون، مثل رون ديسانتيس في فلوريدا وغلين يونغكين في فيرجينيا، يعتمدون سياسة الدعم المجاني، لتخفيف وطأة الممارسات التقليدية المحافظة، مثل زيادة التمويل المخصص للمدارس، ورفع رواتب المعلمين. ويمكنهم القيام بذلك لأن خطة الإنقاذ الأمريكية التي يرعاها الديمقراطيون أعطت الكثير من الأموال للولايات والسلطات المحلية على الرغم من اعتراضات الجمهوريين.

لماذا يجب على الجمهوريين منح بايدن الموافقة على خطة البنية التحتية؟

لكن بعد مرور ستّ سنوات على انتخاب ترمب، لم يتوصل الجمهوريون إلى خلاصة جديدة للتفكير الاقتصادي، عدا عن الطروحات الشعبوية عينها. وحين قرر رئيس لجنة الحملة الانتخابية الوطنية للجمهوريين في مجلس الشيوخ كتابة بعض أفكار السياسات، جاءت هذه الأفكار سامة سياسياً لدرجة أن زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل اضطر للتبرؤ منها عند كلّ مناسبة.

لا يوجد الكثير من الحلول

مع ذلك، كلّ الأمور التي قالها رئيس مجلس النواب السابق بول راين حيال الإنفاق الإلزامي لا تزال صحيحة. ففي ظلّ شيخوخة السكان، ترتفع مع الوقت تكلفة الحفاظ على ثبات تأمينات الضمان الاجتماعي وبرامج "ميديكير" و"ميدي إيد". في غضون ذلك، لا يزال الجمهوريون في حقبة ما بعد ترمب متمسكين أكثر من أي وقت مضى بنهج سياسي يتضمن إنفاقاً أكبر على القوات العسكرية وما يتصل بها، مثل الشرطة وأمن الحدود.

بينما يملك الديمقراطيون إجابة السؤال حول كيفية تغطية تكلفة كلّ ذلك، فهم يريدون زيادة الضرائب، بالأخص على الأثرياء حتى وإن كانوا لا يملكون استراتيجية واقعية لإحداث تحوّل في المجتمع الأمريكي. في المقابل، لا يملك الجمهوريون فعلياً أي إجابة. فمنذ أن نكث الرئيس جورج بوش الأب بوعده بـ"عدم فرض ضرائب جديدة" ما دفع الحزب للتمرد ضده حينها، والتيار المحافظ يعتمد على سياسة الدعم المجاني.

وبينما أرهق الديمقراطيون أنفسهم وهم يتذمرون من الخداع الفكري الذي تتسم به هذه الممارسة، إلا أنه على أرض الواقع، أكد الوضع الاقتصادي على منطقية رفض الجمهوريين للقيام بخيارات مالية مسؤولة.

إلا أن تلك الأيام قد ولّت. وفي الوقت الحالي، فإن هذه المشكلة تخص جو بايدن، لكن الحزب الجمهوري لا يمتلك أي حلّ لها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة