بوتين يخسر الحرب في أوكرانيا وليس أمامه سوى التصعيد

الرئيس الروسي، فلاديميير بوتين - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الروسي، فلاديميير بوتين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يخفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل مذهل، مما يجعله يسلك سبلاً أكثر خطورة. في ظل استنفاذ السبل لوقف التصعيد مع حفظ ماء الوجه، يبدو أن بوتين يعتقد أن ليس لديه خيار سوى التصعيد. كيف سيبدو ذلك؟

تتجسد مشكلة بوتين في أن إخفاقاته أصبحت واضحة للغاية، بحيث لا يمكن إخفاؤها، حتى بالنسبة لآلة الدعاية الروسية. هاجم أوكرانيا جزئياً لمنع حلف شمال الأطلسي (الناتو) من التوسّع، بدلاً من ذلك، من المحتمل أن يقبل الناتو عضوين جديدين هذا العام نتيجة لعدوانه.

وعد بوتين بلم شمل شعبين – الروس والأوكرانيين- يعتبرهم شعباً واحداً، بدلاً من ذلك، ضمنت فظائعه أن الأوكرانيين سيشعرون إلى الأبد بالتميز ويكرهون روسيا.

تعهد بإعادة روسيا إلى العظمة الإمبراطورية، بدلاً من ذلك، حولها إلى دولة منبوذة دولياً. وقائمة الإخفاقات تطول.

سلاح الطاقة

لكن الطريقة الرئيسية التي خسر بها بوتين الحرب هي ببساطة عدم الانتصار فيها. على نحو متزايد يبدو الأوكرانيون قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد هجومه، وبالنسبة لهم، عدم الخسارة بمثابة النصر.

هل يستطيع بوتين النجاة من هذه الهزيمة؟ لا شك أنه يسأل نفسه هذا السؤال، بالمعنى السياسي والمادي. في الماضي، كان يقارن نفسه بالشخص الذي يواجه الحصار، وبدلاً من الاستسلام، يشن هجوماً.

لن يتراجع بوتين- وهذا ما يشير إليه ضمنياً، سوف يقوم بتصعيد الموقف دائماً، حتى لو أدى إلى تدمير الذات.

بدأ بوتين في زيادة المخاطر خلال الأسبوع الجاري عن طريق وقف تدفق الغاز الروسي إلى بولندا وبلغاريا.

هذه ليست خطوة عسكرية بعد، لكنها خطوة تاريخية - حتى خلال أكثر فترات البرودة، إبان الحرب الباردة، لم يستخدم الاتحاد السوفيتي (السابق) صادراته من الطاقة بمثابة سلاح.

تشير الخطوة إلى أن بمقدوره وقف تدفق الطاقة عن دول أوروبية أخرى. هذه حرب اقتصادية. يمكنك المراهنة على أنها ستكون مصحوبة بحرب إلكترونية.

تعديل الأهداف العسكرية

على الجانب العسكري، عدّل بوتين بالفعل أهداف حربه لتحديد ضحية جديدة وهي مولدوفا. غير قادر للسيطرة على كل أوكرانيا، فهو يركز على السيطرة فقط على شرقها وجنوبها.

الهدف المباشر هو بناء جسر بري روسي لربط شبه جزيرة القرم، التي ضمها في عام 2014، بمنطقة دونباس الواقعة الآن في متناول قبضته.

الهدف الأكبر هو الاستيلاء على الساحل الأوكراني بأكمله قبالة البحر الأسود، هذا من شأنه أن يحوّل المنطقة المتبقية التي تحكمها كييف إلى دويلة غير ساحلية.

الأهم من ذلك، أن هذه الرقعة الساحلية ستربط المناطق الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية بمولدوفا.

هذه الدولة تشبه جورجيا، وبالفعل أوكرانيا، حيث كان بوتين لسنوات يحوّل الثلاثة إلى خليط من الدول التي تعمل بالوكالة والفاشلة التي يمكنه السيطرة عليها أو تخريبها وقتما يريد.

دعم الجمهوريات الانفصالية

في جورجيا، منذ غزوه عام 2008، يدعم بوتين دول الظل الموالية لروسيا والتي تسمى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. في أوكرانيا، اعترف "بالجمهوريات الشعبية" في لوغانسك ودونيتسك.

ما يعادل في مولدوفا منطقة ترانسنيستريا الروسية الانفصالية (بمعنى "ما وراء نهر دنيستر").

مثل تلك الدول الانفصالية الأخرى، ترانسنيستريا وهي موطن لكثير من الروس والقوات الروسية. يمكن أن تساعد هذه المنطقة بوتين على فتح جبهة أخرى في أوكرانيا. لكنها قد تصبح أيضاً نقطة انطلاق له كذريعة لمهاجمة كل مولدوفا، التي - مثل أوكرانيا - تفضل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

طوال الأسبوع الجاري، انفجرت الأحداث في ترانسنيستريا، حيث دوت انفجارات بقاذفات قنايل يدوية، يوم الإثنين. كما انفجرت هوائيات تابعة لمركز إذاعي، يوم الثلاثاء وهكذا دواليك.

تلقي حكومة مولدوفا في تشيسيناو باللوم على الانفصاليين الروس الذين يقولون بدورهم إن الهجمات جاءت من أوكرانيا.

بالنسبة للمراقبين القدامى لبوتين، تبدو الرواية مألوفة للغاية. يحب الكرملين تنظيم الحوادث "المزيفة" كذرائع لشن الهجوم.

كخطوة تالية، يمكن لبوتين أن يخترع - كما فعل قبل غزو أوكرانيا – حكايات عن وقوع "إبادة جماعية" ضد الروس في مولدوفا.

مواصلة التصعيد

إن قطع الغاز عن الاتحاد الأوروبي أو مهاجمة المزيد من الدول من شأنه أن يساعد بوتين في إرسال إشارة إلى أعدائه الأجانب وشعبه، بأنه ما زال يتمتع بالسيطرة على التصعيد، وأنه لا يزال مسؤولاً عما يقع من أحداث. لكن هذا الأمر لن يحل مشكلته الأكبر، وهي حقيقة أن قواته تبدو متعثرة بشكل متزايد.

من الأمثلة على ذلك مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول، والذي تدافع عنه القوات الأوكرانية ببطولة، حتى مع تحوّل المدينة المحيطة إلى أنقاض. لقد حاول بوتين دفعهم إلى طي النسيان وتجويعهم. لكن الأوكرانيين يظلون هناك. ماذا بعد؟.

هذا هو المكان الذي تبدأ فيه سيناريوهات التصعيد المرعبة. يمكن لبوتين أن يستخدم أسلحة نووية كيميائية أو حتى تكتيكية (بمعنى منخفضة القوة)، في آزوفستال أو في مكان آخر.

هذا من شأنه أن ينهي أي معركة معينة بشروطه. كما أنه يشير إلى أنه مستعد لرفع المخاطر إلى المستوى الوجودي - بما في ذلك الحرب النووية.

يقول أوليكسي أريستوفيتش، المستشار العسكري للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "أعتقد أن موسكو تدرس توجيه ضربة نووية تكتيكية".

على الرغم من أن هذه السيناريوهات مخيفة، إلا أن كلاً منها سيكون أيضاً علامة على يأس بوتين المتزايد.

حتى - أو بشكل خاص - ضربة نووية محدودة لن تؤدي إلا إلى مضاعفة تصميم الأوكرانيين ودول الغرب في مقاومة الانتحاري اليائس في الكرملين.

حتى لو تجنب بوتين الهزيمة من الناحية الاسمية، فإن أي نصر سيحاول بيعه للشعب الروسي لن يكون شيئاً من هذا القبيل. هنا تكمن المأساة: إنه لا يهتم بعدد الأرواح البشرية التي تذهب معه سدى أو في غياهب النسيان.

يتبادر إلى الذهن المؤرخ الروماني تاسيتوس. تخيل أمير حرب كاليدونيا يحدق في أنقاض بريطانيا بعد الغزو الروماني.

قال: "إنهم ينهبون ويذبحون ويسخرون ويطلقون عليها الاسم الكاذب .. إمبراطورية". "إنهم يصنعون الصحراء ويطلقون عليها اسم السلام". يمكن أن يكون هذا المؤرخ أوكرانياً اليوم، ويتحدث عن الروس.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك