مع انتهاء أسبوع صعب في أسواق المال العالمية، يراهن المتداولون بشكل كبير على أكبر تحول في النظام في أوروبا منذ سنوات؛ نهاية حقبة أسعار الفائدة السلبية قبل نهاية 2022.
وسط موجة من إشارات على اتباع سياسات نقدية متشددة خلال الأسبوع الماضي، تتوقع سوق عقود مبادلة أسعار الفائدة رفع البنك المركزي الأوروبي الفائدة ثلاث مرات بواقع ربع نقطة مئوية لكل منها بحلول ديسمبر، لتنتهي تجربة استمرت ثماني سنوات من تكاليف الاقتراض دون الصفر، تعرض خلالها المدخرين لضغوط وقمع مالي، وأسهمت في تحويل مليارات اليوروات إلى الأصول للمضاربة.
أدى ذلك إلى إحداث بحر من التغييرات في أسواق السندات في المنطقة، لتتراجع إجمالي السندات ذات العوائد السلبية إلى أقل من 300 مليار دولار، من مستوى الذروة حين بلغت نحو 10 تريليون دولار في عام 2020.
السبب المباشر: صدور تحذيرات جديدة بشأن التضخم عن 5 من مسؤولي "البنك المركزي الأوروبي" خلال الأيام الأخيرة، والتي حفزت المستثمرين وزادت الرهان على تشديد السياسة النقدية وأكثر من ذلك.
يشير تسعير السوق إلى بلوغ الفائدة على الإيداع 1.5% مع نهاية العام المقبل، مرتفعة من سالب 0.5% حالياً، وذلك مقارنة بحركة الأسعار الأسابيع السابقة، حيث قلص التجار الرهان على رفع أسعار الفائدة بعدما أفسد الغزو الروسي لأوكرانيا توقعات النمو.
قال ريشي ميشرا، المحلل في "فيوتشرز فيرست" (Futures First): "يبدو أن الصقور يتمتعون بمصداقية أكبر الآن، لذلك إذا واصل المركزي الأوروبي تعزيز تلك الفكرة ورفع أسعار الفائدة في يوليو، سيكون تسعير الأسواق أقرب إلى رفع الفائدة 100 نقطة أساس حتى ديسمبر المقبل".
تصريحات الصقور
وجّه نائب رئيس المركزي الأوروبي، لويس دي غويندو، والأعضاء مارتينز كازاك وبيير ونش، رسالة هذا الأسبوع، حيث ذكروا أن أول رفع لسعر الفائدة من البنك خلال عقد من الزمان قد تأتي في أقرب وقت في يوليو، ما يؤدي إلى نهاية تكاليف الاقتراض السلبية التي بدأت منذ يونيو 2014.
تصاعدت توقعات السوق للتضخم بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى أعلى مستوى منذ عدة سنوات. ويهدد فرض حظر محتمل على صادرات الطاقة من روسيا، التي يحصل الاتحاد الأوروبي منها على 40% من إمدادات الغاز، بمزيد من ارتفاعات التضخم الذي وصل بالفعل إلى مستويات قياسية.
قال فريدريك دوكروزيت، الخبير الإستراتيجي في "بيكتيت لإدارة الثروات" (Banque Pictet & Cie)، إن ارتفاع معدلات التضخم القائم على الفارق بين عوائد السندات يمثّل المحرك الرئيسي لتصريحات تشديد السياسة النقدية".
وأضاف دوكروزيت: "لم يتم تشديد الظروف المالية بما يكفي، لذلك اضطر الصقور إلى مزيد من التشديد النقدي، لينعكس ذلك على رفع أسعار الفائدة".
تقترب عقود المبادلة المرتبطة بأداء مؤشر منطقة اليورو المُنسّق لأسعار المستهلك (HICP) للعقد المقبل من تجاوز نظرائها في الولايات المتحدة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2009.
يوصي الإستراتيجيون في "يو بي إس" و"سيتي غروب" بتداولات مربحة إذا استمرت في الارتفاع.
توازن دقيق
رغم ذلك، يتعين على البنك المركزي الأوروبي الحفاظ على توازن دقيق بين النمو والتضخم، في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا.
يختلف نهج صانعي السياسة النقدية في منطقة اليورو تجاه تشديد السياسة النقدية مع أقرانهم في "الاحتياطي الفيدرالي"، الذين رفعوا سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام، مع احتمال إضافة 200 نقطة أساس أخرى بحلول سبتمبر، وفقاً لتسعير عقود مبادلة الفائدة.
ألقى ذلك الاختلاف بثقله على اليورو، الذي تراجع هذا الشهر ليسجل أدنى مستوى له في عامين، كما كان لحالة عدم اليقين بشأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية تأثير نسبي على أداء عملة التكتل، ومن المقرر إجراء جولة الإعادة بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون والقومية اليمينية مارين لوبان يوم الأحد.
أظهرت توقعات البنك المركزي الأوروبي في مارس تباطؤ النمو الاقتصادي وتسارع وتيرة التضخم في عام 2022، على أن تتراجع وتيرة ارتفاع الأسعار إلى أقل بقليل من المستهدف البالغ 2% في عام 2024.
يتوقع لويس هارو، محلل أسعار الفائدة في "كريدي أغريكول"، أن تؤدي الحرب إلى ركود عميق في المنطقة قد يدفع البنك المركزي الأوروبي إلى تأجيل أول رفع للفائدة بمقدار ربع نقطة حتى ديسمبر المقبل.
رغم ذلك، قد تثير توقعات التضخم المحدثة في يونيو "مخاوف" كافة صانعي السياسة النقدية، ويرى هارو أن تلك المخاوف قد تدفع مجلس إدارة البنك إلى رفع تكاليف الاقتراض في سبتمبر المقبل.
وأضاف هارو: "يحاول الصقور تأجيل رفع أسعار الفائدة من يوليو إلى سبتمبر أو ديسمبر، لذلك سوف ينتظرون للتأكد بحلول سبتمبر".
الأسبوع القادم
- الإعلان عن البيانات الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي والتضخم بكافة أنحاء أوروبا، كما تترقب الأسواق نتائج الانتخابات الفرنسية يوم الأحد.
- من بين المتحدثين في البنك المركزي الأوروبي عضو المجلس التنفيذي فابيو بانيتا، ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بيير ونش.
- مزادات لبيع سندات سيادية بقيمة 16 مليار يورو، من ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وفقاً لـ"كومرز بنك" (Commerzbank)، إلى جانب مزاد السندات الشهري من الاتحاد الأوروبي.