رفعت الصين مستوى وعودها بتقديم مزيد من الدعم للاقتصاد، في الوقت الذي يهدد تفاقم انتشار عدوى فيروس كورونا والجهود الرامية إلى احتوائه، باضطراب سلاسل التوريد العالمية، واستحالة الوصول إلى معدل النمو الاقتصادي الذي تستهدفه الحكومة.
أوضح الرئيس، شي جين بينغ، أن بلاده تتمسك باستراتيجيتها الصارمة "صفر كوفيد"، التي تتضمن إغلاق مدن ومقاطعات كاملة للقضاء على انتشار الفيروس في المجتمع. لكن ورغم ذلك، وبهدف الحد من الأضرار التي تلحق بالاقتصاد، تتخذ بكين عدداً من الإجراءات الداعمة، بدءاً بمساعدة البنك المركزي وتخفيض الضرائب، وصولاً إلى الإجراءات التي تسمح للمصانع بمواصلة عملها.
اقرأ أيضاً: شنغهاي تكشف عن خطة استئناف الأعمال وسط مشاكل سلاسل الإمداد
مع تفشي الوباء في أماكن مثل شنغهاي التي تعتبر المركز المالي والتجاري للصين، وصعوبة السيطرة عليه، فإن مدى فاعلية هذه المبادرات ليس واضحاً. وقد خفّض عدد كبير من الاقتصاديين فعلاً، توقعاتهم لمعدل نمو إجمالي الناتج المحلي هذا العام إلى 5% أو أقل – وهو ما يقل بنسبة كبيرة عن هدف الحكومة البالغ 5.5%.
اقرأ المزيد: المزيد من المدن الصينية تفرض قيوداً لمكافحة كورونا وارتفاع الحالات في شنغهاي
في ما يلي، نظرة على كثير من الإجراءات التي جرى الإعلان عنها، أو اتخاذها في الأشهر الأخيرة:
فقاعات المصانع
مع إغلاق مراكز صناعية رئيسية عديدة في مختلف أنحاء الصين بهدف احتواء الفيروس، تحوّلت شركات كثيرة إلى ما يطلق عليه أنظمة "الحلقة المغلقة"، أو "فقاعات المصانع"، للمحافظة على استمرارية عمليات الإنتاج، وهي خطة تبناها مسؤولو الحكومة الذين وضعوا قواعد بشأن كيفية مواصلة العمل مع تخفيض مخاطر انتشار "كوفيد" إلى الحدود الدنيا.
تسمح هذه الفقاعات بأن يستمر عمل الشركات عن طريق السماح للعمال بأن يعملوا ويقيموا في موقع عملهم، بما يسمح لهم بتجنب خطأ مخالفة القيود المفروضة على الحركة. وفي الوقت ذاته، تُجرى اختبارات "كوفيد" على العمال بصورة منتظمة، مع إلزامهم بقواعد صارمة تتعلق بالنظافة، بهدف المحافظة على خلو المصانع من الفيروس.
تشجع حكومات الأقاليم الشركات على وضع خطط لإدارة "الحلقة المغلقة"، خصوصاً في شنغهاي، حيث امتدت عمليات الإغلاق وتعطل الإنتاج لأسابيع.
غير أن هذه الأنظمة ليست مثالية، إذ تعاني الشركات نقصاً في الإمدادات اللوجستية وفي العمال. على سبيل المثال، تمتلك شركة "تسلا" مخزوناً لا يكفيها سوى لأسبوعين فقط، استناداً إلى نظام "الحلقة المغلقة" الجديد الذي تطبقه، في حين لا توجد لدى العمال المحتجزين في مصنع شركة "فولكس واجن" في شنغهاي، كمية كافية من أجزاء السيارات المطلوبة للإنتاج.
إلغاء نقاط التفتيش
حاولت وزارة النقل الصينية هذا الشهر، حل مشكلة تعطل الإمدادات اللوجستية، بأن أصدرت أوامرها بعدم إقامة نقاط تفتيش واختبار الإصابة بفيروس "كوفيد"، في المسارات الرئيسية على الطرق السريعة.
دعت الوزارة إلى تخفيف القيود على الحركة بالنسبة إلى عمال نقل والخدمات اللوجستية عند نقاط التفتيش، والاختبار في مناطق أخرى على طول الطرق أثناء انتشار الفيروس، بعد أن تعرّضت خدمة النقل بالشاحنات لأزمة حادة بسبب إغلاق الطرق وقيود "كوفيد" المرهقة والمعطلة.
تهيمن الشاحنات على نشاط قطاع النقل المحلي في الصين، إذ تنقل نحو ثلاثة أرباع البضائع، وفق البيانات الصادرة عن وزارة النقل. غير أن استراتيجية "صفر كوفيد"، تنتج عنها أوضاع صعبة بالنسبة إلى سائقي الشاحنات أنفسهم، لأنهم يضطرون إلى الخضوع إجبارياً لعمليات الفحص الجماعي التي تُجرى في مدن مثل شنغهاي، إلى جانب إظهار نتيجة فحص تؤكد خلوهم من "كوفيد" عند نقاط التفتيش المتعددة.
إعفاءات محتملة
وعدت السلطات العليا في الصين أيضاً، بتطبيق إجراءات مشددة تهدف إلى تحقيق الاستقرار في سلاسل التوريد، بما في ذلك تقديم مساعدة إضافية للشركات المؤهلة، لضمان استمرار عملها وسط الضوابط والقيود المتعلقة بالفيروس.
في هذا السياق، ستقوم الحكومة بإعداد "قوائم بيضاء" للشركات التي تعمل في قطاعات السيارات وأشباه الموصلات والإلكترونيات الاستهلاكية والأغذية وتصنيع المعدات، والأدوية والتجارة الخارجية، وذلك وفقاً لما نشرته وسائل إعلام حكومية حول اجتماع حضره نائب رئيس الوزراء ليو هي، برئاسة مستشار الدولة، شياو جي.
لم يذكر التقرير الذي نشر على وكالة أنباء "شينخوا" الرسمية، مزيداً من التفاصيل، رغم الكشف عن "قائمة بيضاء" شبيهة للشركات في شنغهاي في نهاية الأسبوع الماضي، تسمح للشركات بأن تضع خططاً لاستئناف الإنتاج.
تقليص مدة الحجر الصحي
بدأت الصين تجريب شروط أسهل للحجر الصحي في بعض المدن، من بينها شنغهاي وغوانغشو. قلّصت ثماني مدن في الأسبوع الماضي فترة الحجر الصحي للمسافرين وأولئك الذين خالطوا مرضى "كوفيد" إلى 10 أيام بدلاً من 14 يوماً، في إطار خطة تجريبية لمدة شهر، وفقاً لمصادر مطلعة.
كذلك، يُسمح للمجمعات السكنية ومنافذ تجارة التجزئة والمباني الإدارية والمواقع الأخرى التي أُغلقت بسبب حالات العدوى، بإعادة فتح أبوابها بعد 10 أيام متتالية من دون ظهور حالات إيجابية، بمعنى تقليص مدة الإغلاق عن 14 يوماً كانت مقررة سابقاً.
إجراءات البنك المركزي
أعلن بنك الشعب الصيني عدداً من النشرات في الأسابيع الأخيرة، رغم أنه التزم في إجراءاته حتى الآن بضبط النفس.
- ذكر بنك الشعب الصيني بالتفصيل، 23 إجراء مع وعود أخرى تتركز بوجه عام على زيادة الإقراض وتقديم الدعم المالي للصناعات التي تعاني من قيود مرتبطة بالفيروس. تضمنت القائمة توجيه البنوك نحو توفير مزيد من القروض، علاوة على الإشارة إلى برنامج البنك المركزي لإعادة الإقراض. هذا البرنامج الذي يوفر تمويلاً للبنوك حتى تقرض القطاعات التي تحتاج إلى ذلك، ينتظر أن يوفر تريليون يوان (157 مليار دولار) من القروض الإضافية عند البنوك.
- في وقت سابق من الشهر الحالي، منح البنك المركزي جهات الإقراض دعماً نقدياً متواضعاً عن طريق تخفيض معدل الاحتياطي الإلزامي – وهي كمية الأموال التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها في الاحتياطي – وذلك بمقدار 25 نقطة أساس لمعظم البنوك. أما بالنسبة إلى البنوك وجهات الإقراض الصغيرة، فقد انخفض هذا المعدل بمقدار 50 نقطة أساس. غير أن بنك الشعب الصيني حافظ على سعر الفائدة الأساسي لديه مدة عام دون تغيير. وحافظت البنوك الصينية على ثبات معدلات الفائدة على الإقراض للشهر الثالث على التوالي.
استقرار القطاع العقاري
إضافة إلى توجيه بنك الشعب الصيني الحالي للبنوك بزيادة الإقراض، خففت مدن كثيرة من شروط شراء المنازل وقروض الرهن العقاري، منذ أن تعهد صناع القرار في منتصف مارس الماضي بمنع "الانهيار الفوضوي" في السوق العقارية.
خففت أكثر من 60 سلطة محلية من قواعد وضوابط الإسكان في الربع الأول من العام، ومن بينها أربع عواصم محلية تخلت عن قيود التوقيع على عدد أماكن الإقامة التي يسمح لكل أسرة بامتلاكها، وعلى الفترة التي ينبغي عليها الاحتفاظ بالعقار قبل أن تبيعه.
قامت البنوك في أكثر من 100 مدينة بتخفيض فائدة الرهن العقاري بمقدار 20 إلى 60 نقطة أساس منذ مارس الماضي، حسب تصريح رئيس قسم أسواق المال في البنك المركزي، زولان، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي. و في مارس الماضي، شهدت قروض الأسر طويلة ومتوسطة الآجال انتعاشاً، وهي مؤشر على قروض الرهن العقاري، بعد انكماشها في شهر فبراير، رغم أن قيمتها الفعلية لا تزال أقل مما كانت عليه قبل عام.
تسمح البنوك الصينية الكبرى أيضاً للمقيمين في شنغهاي بتأجيل سداد قروض الرهن العقاري، في ظل استمرار انتشار الوباء في المدينة.
حوافز لقطاع الخدمات
قالت حكومة الصين في فبراير الماضي إنها ستردّ ما يصل إلى 90% من أقساط التأمين ضد البطالة التي دُفعت في العام الماضي إلى الشركات الصغيرة في قطاع الخدمات التي لا تفصل العمال من عملهم، أو التي تحد من الاستغناء عنهم، وذلك ارتفاعاً من نسبة 60% في السابق، وفقاً لبيان أعلنته في ذلك الوقت اللجنة الوطنية لتنمية الإصلاح، وهي اللجنة المسؤولة عن التخطيط الاقتصادي في الدولة.
قالت اللجنة أيضاً إنها ستمد أجل سياسة تخفيض نسبة التأمين ضد إصابات العمل، ونسبة التأمين ضد البطالة في عام 2022، مضيفة أن المقاطعات التي لديها أرصدة كبيرة نسبياً في صناديق التأمين هذه، تستطيع أن تؤجل جمع أقساط التأمين من شركات المطاعم وتجارة التجزئة والسياحة لمدة لا تتجاوز السنة.
إعفاء ضريبي
وعدت الصين في مناسبات عديدة مؤخراً، بأن تخفف الأعباء عن كاهل دافعي الضرائب، في إجراء آخر من إجراءات المساعدة الاقتصادية.
أعلنت بكين في مارس الماضي عن تخفيضات ضريبية بقيمة 2.5 تريليون يوان، بما يزيد على ضعف تخفيضات الضرائب في عام 2021، وللسنة الخامسة على التوالي. وقال البنك المركزي آنذاك، إنه سيرسل إلى وزارة المالية ما يزيد على تريليون يوان من الأرباح، في إطار دعم برامج رد الضرائب وتغطية نفقات حكومية أخرى.
منذ شهر مارس الماضي، أعلنت المناطق التي تأثرت بانتشار فيروس "كوفيد"، مجموعة من الإجراءات لمساعدة دافعي الضرائب، ومنها السماح للشركات بتأجيل أو تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي وصناديق الإسكان. بعض الأقاليم أيضاً، أخرت مواعيد تلقي الإقرارات الضريبية، وأعفت الشركات الصغيرة من سداد الإيجارات عن الوحدات العقارية المملوكة للدولة لأشهر عدة، وقدمت دعماً مؤقتاً لإنفاق الشركات على مصاريف مثل الكهرباء والمياه.