إذا لم يعد فلاديمير بوتين إلى صوابه بسرعة وينسحب من أوكرانيا، فإن روسيا على وشك أن تُستبعد من أسواق رأس المال العالمية لفترة طويلة جداً. كما أن أي حاملي سندات لا يزالون يستثمرون في الديون الروسية سيتحملون ذلك على مسؤوليتهم الشخصية.
حاولت الحكومة الروسية الاستمرار في تسديد المدفوعات لدائنيها، لكن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية يضيّق الخناق بحزم وحِنكة من أجل وقف تلك التدفقات المالية. يجري إغلاق جميع السبل والقنوات الخلفية التي تستخدمها الكيانات ذات الصلة بالحكومة الروسية لمواصلة خدمة ديونها. وتواصل وكالات التصنيف الائتماني ومزودو مؤشرات السندات القياسية إسقاط السندات الروسية من أعمالها. ومن المرجح أن يبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة التخلف الرسمي عن السداد من قبل الحكومة.
لقد اعترفت روسيا في الواقع بوضع الاستبعاد الذي تعيشه من خلال التهديد باتخاذ إجراءات قانونية، وتقول إنها ستوقف مبيعات السندات لبقية العام. ومن غير الواضح تماماً من أو ما الذي يمكنها أن تقاضيه، حيث تلاشت بالفعل احتمالية إصدار ديون روسية جديدة عندما غزت أوكرانيا في 24 فبراير. وبحسب تصريحات وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف لصحيفة "إزفستيا" الروسية، فإن تكاليف الاقتراض على أي بيع للسندات ستكون "هائلة". لن نرى روسيا تستفيد من السوق بالدولار أو اليورو أو العملات العالمية الأخرى قبل عدة سنوات قادمة، لكن موسكو توقف أيضاً إصدار السندات بالروبل محلياً.
تبخّر التدفقات
هذه ليست مشكلة كبيرة عندما نرى أن أوروبا ما تزال تدفع مليار دولار يومياً مقابل حصولها على إمدادات الطاقة الروسية. ومع ذلك، فإن العقوبات المفروضة على الفحم إذا تبعها فرض حظر على النفط والغاز، فإن تلك التدفقات النقدية ستتبخر وستعاني أضراراً جرّاء عدم قدرتها على الاقتراض. يقول تيم آش، وهو استراتيجي أسواق ناشئة في "بلوباي أسيت مانجمنت" (Bluebay Asset Management): "ستعاني روسيا من حالة تخلف عن السداد ربما لعقد من الزمان. وهذا يعني عدم إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، وتكاليف اقتراض مرتفعة للغاية حتى من الصينيين، ولا استثمار ولا نمو، وتدني مستويات المعيشة. إنها نظرة مروّعة لروسيا وللروس".
كان آخر مشهد مروّع هو ما حدث في سوق مقايضة العجز الائتماني، حيث قضت لجنة القرارات التابعة لاتحاد المتعاملين بمقايضة العجز الائتماني الدولي، بأن شركة السكك الحديدية الروسية المملوكة للدولة تعاني من حالة تخلف عن السداد.
يعد سوق مقايضة العجز الائتماني المكان الذي يتم فيه بيع وشراء أدوات الحماية ضد فشل جهة إصدار الدين في السداد، والآن نحن أمام سابقة، فمن المؤكّد أن الجهة السيادية نفسها والكيانات الروسية الأخرى ستواجه المصير نفسه قريباً.
استحالة الوفاء
الحكم الذي أصدرته لجنة المتعاملين بمقايضة العجز الائتماني الدولي يطلق عملية لتحديد كيفية تعامل البنوك الاستثمارية الكبرى ومديري الصناديق بشأن تسوية عقود العجز الائتماني، والتي عادةً تتم عن طريق مزاد للأوراق المالية المقبولة المتاحة. لكن نظراً لاستحالة الوفاء بأي من التزامات الديون الأساسية بسبب عدم وجود بنك غربي يمكنه مباشرة المعاملات، فإن الدفع النقدي البسيط على عقود مقايضة العجز الائتماني يبدو محتملاً. لم يتم حسم النسبة المئوية لتعويض حاملي السندات بعد، على الرغم من أنها من المحتمل أن تكون قريبة من المبلغ الكامل المؤمّن عليه. الأمر المهم بالنسبة لصناعة التمويل، التي عانت ويلات العديد من نزاعات المشتقات الائتمانية، هو أن النظام يبدو أنه يعمل على النحو المنشود هذه المرة.
على الرغم من ذلك، يواجه المقترضون الروس نتيجة أسوأ بكثير مما كانت عليه خلال أزمة الديون الروسية السابقة في عام 1998، حيث كانت الدفعات المقوّمة بالروبل هي فقط التي لم تُسدّد، بينما ظل الدائنون بالعملات الأجنبية صامدين، وتجمع باقي دول العالم لكي تستعيد عافيتها اقتصادياً في السنوات التالية. أما هذه المرة فإن روسيا تقف بمفردها دون شك، وتواجه أزمة مالية من صنعها هي، ولا تلومنّ إلا نفسها.