إن كنت من المشككين في المنهج الذي اعتمدته الحكومة الأمريكية في تخطيط الميزانية، لا شك أنك ستجد صعوبة في تقديم تحسينات على الاقتراح الذي أعلنته إدارة الرئيس جو بايدن هذا الأسبوع. صحيح أن خطط الميزانية قلما تطلع الجمهور بالتفصيل على ما قد يحدث، إلا أن ميزانية 2023، تأخذ منحى مختلفاً، إذ أنها لا تكشف شيئاً مما تود الإدارة حدوثه.
اقرأ أيضاً: بايدن يطرح ميزانية للعام المقبل بـ5.8 تريليون دولار تتضمن ضرائب قياسية
تضع الوثيقة، المكونة من 149 صفحة بملاحق موّسعة ومواد تكميلية، طموحات السياسة المالية الأساسية للإدارة في الحواشي، ما يُظهر أن الميزانية تتضمن "احتياطياً" لـ"التشريع الذي يقلل التكاليف، ويوسّع القدرة الإنتاجية، ويُصلح النظام الضريبي"، دون تحديد النفقات أو الإيرادات المرتبطة، أو أي سياسة فعلية.
اقرأ المزيد: بايدن يطلب من الكونغرس 11 مليار دولار مساعدات مناخية للدول الفقيرة
هذا الجزء غير البارز في الحواشي، يُشير إلى خطة الإدارة الهائلة والمتغيرة بشأن "إعادة البناء بشكل أفضل" (Build Back Better) التي توقفت في الكونغرس. إنه يجعل من الميزانية ومبالغها الداعمة، بلا جدوى إلى حد كبير كالمعتاد، بل ويجعلها سخيفة.
مع ذلك، يمكن استخراج بعض المعلومات من الوثيقة. فعلى سبيل المثال، نظراً لأن الميزانية تفترض أن خطة "إعادة البناء بشكل أفضل" ستكون محايدة من حيث الإيرادات -إذا جرى تنفيذها- فإن توقعاتها بخصوص الاقتراض العام والديون تكشف عن آراء الإدارة في ما يتعلق بالرقابة المالية.
تقليص العجز
الخبر السار هو أن العجز المتوقع في الخطة يقل عما تضمنته في البيانات الأساسية لمكتب الإدارة والميزانية. من هذا المنظور المحدود، يمكن القول، إن بايدن كان محقاً في قوله بأن الخطة تقلّص العجز.
لكنها مع ذلك لا تُقلّصه كثيراً، إذ من المتوقع أن يبلغ متوسط العجز في السنوات العشر المقبلة 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيستمر تزايد الدين العام إلى 107% بحلول عام 2032 من 102% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. تريد الإدارة عملياً تثبيت الزيادة الهائلة في الدين العام بسبب الوباء، وسيكون ذلك أمراً متهوراً، حتى وإن كانت حالة الطوارئ المالية المستجدة هي الأخيرة فعلياً، ولن تكون. بدلاً من ذلك، ستركز الميزانية المسؤولة على وضع الاقتراض تحت السيطرة المشددة خلال العقد المقبل.
تكشف تفاصيل الخطة المتعلقة بالسياسات غير المدرجة في "الاحتياطي" الخفي، بعض الأمور كذلك. تدعو الميزانية خصوصاً إلى زيادة 9.8% في الإنفاق الدفاعي، ومن المؤكد أنه في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، يعدّ إعطاء أولوية عليا للأمن القومي أمراً منطقياً. ينص الاقتراح على زيادة الإنفاق على أعمال الشرطة وإجراءات مراقبة الأسلحة ومبادرات مكافحة الجريمة. سيرحب معظم الناخبين بمثل هذه النفقات.
زيادة الضرائب
لتغطية تكلفة هذا الإنفاق الإضافي، تدعو الإدارة مرة أخرى إلى فرض ضرائب أعلى على الشركات والأسر ذات الدخول المرتفع للغاية، وتقترح ضريبة جديدة بحد أدنى 20% على "الدخل الكامل" لدافعي الضرائب الذين تزيد ثروتهم على 100 مليون دولار، بما في ذلك المكاسب الرأسمالية غير المحققة. هذا الاقتراح متطرف ومتطلب في الوقت ذاته، وستكون هناك حاجة إلى وضع قواعد معقدة للسماح بتقييم الأصول التي لا يمكن تمييزها بسهولة في السوق، ولتمكين دافعي الضرائب من تسوية التزاماتهم بمرور الوقت. قد تواجه الخطة تحديات قانونية، ولا يُرضي هذا الأمر الديمقراطيين المعتدلين، بما في ذلك السيناتور جو مانشين، الذي قال عند الإعلان عنه، إنه لا يمكنك فرض ضرائب على "الأشياء التي لا تملكها".
الخلاصة هي أن هذا الاقتراح، مثل الميزانية بأكملها، مخيب للآمال، وهذا ما كان متوقعاً. لكن فشل الإدارة المستمر في مواجهة تداعيات طموحات الإنفاق، هو الأمر الأكثر إحباطاً. تستمر الحكومة في العمل على افتراض أن التوسع الهائل في الإنفاق الحكومي يمكن تمويله كاملاً من فرض ضرائب إضافية على الشركات والأثرياء، إلا أن الحسابات والوقائع بشأن فرض الضرائب، تقول غير ذلك.