كشف الرئيس جو بايدن يوم الإثنين، النقاب عن ميزانية مقترحة بقيمة 5.8 تريليون دولار، والتي جرى تعديل بعض بنودها وفقاً لطلبات الديمقراطيين المعتدلين، وتتضمن مسودة الميزانية تأكيداً على خفض العجز، وتمويل إضافي للشرطة وقدامى المحاربين، ومرونة في التفاوض على برامج الإنفاق الاجتماعي الجديدة.
تاريخياً، يضع "الكونغرس" الميزانيات الرئاسية جانباً، لكنها تمثل رسائل رئيسية يتم أخذها في الاعتبار. تضمنت ميزانية البيت الأبيض تدابير من شأنها تسجيل أكبر زيادة ضريبية في التاريخ بالدولار، للمساهمة في استقرار العجز بالنسبة لحجم الاقتصاد.
تتضمن ميزانية عام 2023 تخصيص 1.598 تريليون دولار لما يسمى الإنفاق التقديري - مجالات لا ترتبط ببرامج إلزامية مثل الضمان الاجتماعي، إضافة إلى 813 مليار دولار للبرامج المتعلقة بالدفاع، و769 مليار دولار للإنفاق المحلي.
زادت فاتورة الإنفاق 5.7% عن فاتورة السنة المالية 2022، التي وقعها بايدن في وقت سابق من هذا الشهر. بينما تهدف الميزانية إلى خفض عجز الإنفاق بنحو تريليون دولار خلال العقد القادم، بدعم من إلغاء برامج الدعم في مجال الأوبئة.
قال بايدن في بيان: "أنفقنا أموالاً أقل من الإدارة السابقة، وحققنا نتائج أفضل من نمو اقتصادي قوي، أدى إلى زيادة الإيرادات، وسمح لنا بتقليص الإنفاق في حالات الطوارئ بشكل مسؤول".
وأضاف: "تعمل ميزانيتي على مواصلة التقدم، وخفض العجز بشكل أكبر، من خلال الاستمرار في دعم النمو الاقتصادي، الذي يعزز زيادة الإيرادات، والتأكد من أن المليارديرات والشركات الكبرى يدفعون نصيبهم العادل".
تجنب الرئيس أيضاً المفاوضات الهشة بشأن ما تبقى من حزمة "إعادة البناء بشكل أفضل"، وقام بوضع نقاط رمزية مؤقتة فقط في الوثيقة، والتي اعترف مسؤولو البيت الأبيض بأنها محاولة لمنح النواب مساحة للتفاوض.
يأمل البيت الأبيض في إحراز الوثيقة التي تم تقديمها يوم الإثنين زخماً في المفاوضات مع نواب مثل السناتور جو مانشين، من ويست فرجينيا، وكيرستن سينيما، من أريزونا، اللذان أثارا مخاوف بشأن مستويات الإنفاق التاريخية والتضخم.
فيما يلي بعض النقاط الرئيسية:
افتراضات اقتصادية
تم تقدير توقعات ميزانية بايدن في نوفمبر، قبل الارتفاع الأخير في التضخم. حيث تم تثبيت معدل النمو الاقتصادي عند 3.8% هذا العام، على أن يتباطأ ويصل إلى 2% خلال العقد المقبل.
كما تفترض الميزانية ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين 4.7% هذا العام، على أن ينخفض التضخم إلى 2.3% في عام 2023 مع انحسار اضطرابات سلسلة التوريد.
تبدو التوقعات غير واقعية بالنسبة لتوقعات التضخم والنمو لدى القطاع الخاص. وعلق مسؤولو البيت الأبيض، أن الزيادات المرتفعة في أسعار المستهلكين، لا ينبغي أن يكون لها تأثير كبير على توقعات العجز، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الإيرادات أيضاً.
البرامج الضريبية
يطالب بايدن بزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة بأكثر من 2.5 تريليون دولار، على مدار عقد من الزمان، بالإضافة إلى نحو 1.5 تريليون دولار من الزيادات الضريبية التي تضمنتها خطة إعادة البناء بشكل أفضل التي تم إرسالها إلى "مجلس النواب".
يضع الاقتراح حداً أدنى للضريبة على مكاسب رأس المال غير المحققة بنسبة 20%، للأسر التي لا تقل ثروتها عن 100 مليون دولار، ما يُعدّ مكسباً سياسياً للتقدميين، الذين طالبوا بايدن باستهداف الأثرياء.
حذفت الخطة اقتراحاً من العام الماضي مثيراً للجدل، بشأن إعداد التقارير المصرفية، حيث يسمح للمؤسسات المالية بمشاركة معلومات عن الحسابات المصرفية مع "مصلحة الضرائب" الأمريكية.
إذا تم إقرار خطة هذا العام بشكل كامل، ستسجل أكبر زيادة ضريبية في التاريخ، لكنها تتضمن العديد من الزيادات الرئيسية التي رفضها بعض الديمقراطيين في "الكونغرس".
حيث دعا بايدن مرة أخرى إلى رفع ضريبة الشركات إلى 28% من 21%، ورفع الضرائب على الأمريكيين ذوي الدخل المرتفع إلى 39.6%، - تلك التغييرات التي قالت سينيما: إنها لن تدعمها.
كما رفض الديمقراطيون في "مجلس النواب" من قبل الموافقة على فرض ضريبة على المليارديرات، ضمن مشروع قانون الإنفاق الاجتماعي للعام الماضي.
حذفت الميزانية أيضاً اقتراحاً بزيادة نسبة الخصم الفيدرالي من ضرائب الولايات والإدارة المحلية (SALT). كما أعلن العديد من أعضاء "مجلس النواب" من الديمقراطيين ضرورة رفع سقف الإعفاء الضريبي إلى 10 آلاف دولار، لضمان تصويتهم على أي تشريع يتضمن تعديل قانون الضرائب.
برامج الدفاع
يطالب بايدن بإجمالي إنفاق دفاعي بقيمة 813 مليار دولار للعام المقبل، مع توجيه الجزء الأكبر من الأموال بقيمة 773 مليار دولار إلى "البنتاغون"، فيما يصفه البيت الأبيض بأنه "أحد أكبر الاستثمارات في أمننا القومي في التاريخ".
تدعم الميزانية زيادة بنسبة 4.6% في رواتب العسكريين الأمريكيين، والتي تعد زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. فيما تبلغ زيادة الأجور للعام المالي الجاري 2.7%، كما تطالب الإدارة بزيادة بنسبة 4.6% في رواتب الموظفين المدنيين.
يتضمن التمويل الثالوث النووي الأمريكي وبرامج التحديث المتعلقة به، بما في ذلك شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات النووية.
وتعد القاذفة "بي-21" (B-21) التابعة لشركة "نورثورب غرومان" (Northrop Grumman)، والغواصة الجديدة من طراز "كولومبيا" (Columbia)، اللتان تم بناؤهما عن طريق شركتا "جنرال ديناميكس" (General Dynamics Corp)، و"هنتغتون إنغالس إندستريز" (Huntington Ingalls Industries Inc) برنامجان رفيعا المستوى لتعزيز الثالوث النووي.
بموجب خطة البيت الأبيض، يتوقع نمو الإنفاق الدفاعي من 813 مليار دولار في السنة المالية 2023 إلى 843 مليار دولار في السنة المالية 2024، وإلى 851 مليار دولار بحلول عام 2025.
سياسة الطاقة
سيتم إلغاء مجموعة من الإعفاءات الضريبية التي طالبت بها شركات التنقيب عن النفط والغاز –رغم مطالبة إدارة بايدن الصناعة بزيادة الإنتاج محلياً لخفض الأسعار والمساعدة في عدم اعتماد الحلفاء على الوقود الأحفوري الروسي.
يتم إلغاء الإعفاءات الضريبية التي تبلغ قيمتها حوالي 43.6 مليار دولار على مدار عقد، في خطوة من غير المرجح موافقة "الكونغرس" عليها.
وتتضمن الإعفاءات، خصم تكاليف الحفر غير الملموسة، ما يسمح لشركات النفط والغاز بخصم بعض النفقات مثل العمالة وتجهيز الموقع وإجراء الإصلاحات بشكل فوري.
كما تتضمن أيضاً إعفاءات على إنتاج النفط والغاز من الآبار الهامشية وإلغاء نسبة الاستنفاد التي يمكن لأصحاب الحقوق المطالبة بها، مقابل جزء من قيمة احتياطيات النفط والغاز التي تمت إزالتها من ممتلكاتهم.
يتضمن مقترح البيت الأبيض "مسرع تصنيع الطاقة الشمسية" الجديد بقيمة 200 مليون دولار لإنشاء قطاع محلي لتصنيع الطاقة الشمسية "قادر على تلبية أهداف الإدارة المتعلقة بنشر الطاقة الشمسية دون الاعتماد على السلع المستوردة المصنعة باستخدام ممارسات عمالية غير مقبولة".
مناشدة المعتدلين
يستخدم بايدن الميزانية للوصول إلى ما يسمى التوحد خلف الأجندة الخاصة به، حيث يطرح بايدن سلسلة من المقترحات للمرة الأولى تهدف لتحقيق ذلك التوحد وتدعو لضرورة تجاوز الانقسامات السياسية.
ويتضمن ذلك اقتراحاً بقيمة 33.2 مليار دولار لإنفاذ القانون ومنع الجريمة وبرامج التدخل لعلاج العنف المجتمعي، التي ينوي البيت الأبيض أن تكون بمثابة مواجهة بارزة لدعوة بعض التقدميين إلى "دعم تمويل الشرطة".
يريد بايدن أيضاً تمويلاً بقيمة 5 مليارات دولار لصالح "وكالة الأبحاث الصحية المتقدمة" التي يدافع عنها، والتي تعمل على استكشاف علاجات تجريبية لأمراض السرطان والسكري والخرف.
كما تشهد "وكالة شؤون المحاربين القدامى" زيادة تاريخية في ميزانيتها، بنحو الثلث مقارنة بمستويات العام 2021 وتخصيص 663 مليون دولار لبرامج الوقاية من المواد الأفيونية وعلاجها.
من أجل التقدميين
يواصل الرئيس تقديم بعض الحوافز لقاعدته الشعبية من التقدميين. وفي الوقت الذي تم إلغاء الإنفاق على المناخ ضمن خطة "إعادة البناء بشكل أفضل"، يطلب الرئيس تخصيص 11 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لمساعدة الدول الأخرى على نشر الطاقة النظيفة والتغلب على التحديات المتزايدة بشأن تغير المناخ - أكثر من 10 أضعاف المبلغ الذي دفعه النواب لتلك الجهود في السنة المالية 2022.
ويعد ذلك الإنفاق تحولاً هائلاً في سياسة الولايات المتحدة، بعد سنوات من عدم الوفاء بوعودها بشأن تمويل جهود مكافحة تغير المناخ في الدول النامية.
يسعى بايدن بشكل عام للحصول على نحو 50 مليار دولار لصالح برامج معالجة تغير المناخ، من بينها 18 مليار دولار لبناء قدرة الحكومة الأمريكية على الصمود وسط عالم يشهد ارتفاع في درجات الحرارة.
يطلب بايدن أيضاً تخصيص 367 مليون دولار لصالح ميزانية "وزارة العدل" لدعم إعادة هيكلة جهاز الشرطة، ومحاكمة جرائم الكراهية، وتعزيز حقوق التصويت - بزيادة 100 مليون دولار عن العام 2021.
تم تخصيص أموال لصالح كاميرات أجهزة الشرطة وإصلاح السجون أيضاً، بالإضافة إلى 50 مليار دولار لبناء مساكن بتكلفة منخفضة.
كما تسعى الإدارة أيضاً للحصول على أكثر من 200 مليون دولار إضافية لإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، والتي يقول مسؤولو البيت الأبيض، إنها ستساعد في الحد من التضخم وتحسين المنافسة.