وافق "صندوق النقد الدولي" على اتفاق جديد مع الأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار، يسمح للأرجنتين بإعادة جدولة ديون للصندوق، ما يعزز صفقة واجهت وتواجه بالفعل تحديات اقتصادية وسياسية.
قال "صندوق النقد الدولي" في بيان، إن مجلسه التنفيذي وافق خلال اجتماع عقده الجمعة، على تسهيل تمويل يمتد لـ30 شهراً، ما يسمح بالصرف الفوري لمبلغ 9.7 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: الأرجنتين ترفع الفائدة إلى 42.5% استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي
أضاف الصندوق أن القرض يهدف إلى دعم ميزان مدفوعات وميزانية الأرجنتين، كما أنه مدعوم بإجراءات تهدف إلى تعزيز قدرة البلاد على تحمل الديون، ومكافحة التضخم، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، فضلاً عن معالجة الفجوات الاجتماعية وتطوير البنية التحتية، وتعزيز النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: التضخم في الأرجنتين يرتفع بأكثر من المتوقع للشهر الثالث على التوالي
حذّر أعضاء مجلس إدارة "صندوق النقد الدولي" من أن البرنامج معرض لمخاطر كبيرة بشكل استثنائي، معتبراً أن الأرجنتين عرضة للصدمات الخارجية، وهناك صعوبة في تنفيذ البرنامج بسبب الوضع الاجتماعي والسياسي المعقد. وقالوا إن تعرّض الصندوق المتزايد للأرجنتين على مدى فترة طويلة، يخلق مخاطر مالية كبيرة ومخاطر تتعلق بالسمعة.
قالت المديرة العامة لـ"صندوق النقد الدولي"، كريستالينا غورغييفا: "إن المخاطر التي يتعرض لها البرنامج عالية بشكل استثنائي، كما إن هناك تداعيات فعلية للحرب في أوكرانيا. وفي هذا السياق، ستكون إعادة المعايرة المبكرة للبرنامج، بما في ذلك تحديد واعتماد التدابير المناسبة، حسب الحاجة، أمراً بالغ الأهمية لتحقيق أهداف البرنامج".
غرفة الإنعاش
يعد الاتفاق- وهو البرنامج الـ22 بين "صندوق النقد الدولي" والأرجنتين منذ عام 1958- آخر فصل في العلاقة المضطربة للبلاد مع الصندوق الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، بعد عامين من المفاوضات البطيئة. يمنح البرنامج، الحكومة الأرجنتينية أول خارطة طريق اقتصادية متوسطة الأجل، منذ تولي الرئيس ألبرتو فرنانديز مقاليد الحكم في ديسمبر 2019.
يتيح الاتفاق فرصة للأرجنتين لالتقاط أنفاسها، من خلال توفير الأموال اللازمة لتعزيز الاحتياطيات، والسماح لها بسداد المدفوعات المستحقة من برنامج "صندوق النقد الدولي" لعام 2018، والذي فشل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وكجزء من الصفقة، التزمت حكومة فرنانديز بأهداف عدة، من بينها خفض العجز المالي الأساسي للحكومة، وإنهاء طباعة البنك المركزي للأموال، وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية. كما يعتبر البرنامج خفيف الوطأة على الإصلاحات الرئيسية.
فور الإعلان عن الصفقة على مستوى الموظفين لأول مرة في بداية هذا الشهر، تحركت الأرجنتين بسرعة لإرسالها إلى الكونغرس الأرجنتيني، حيث طلب فرنانديز الموافقة على بدء تنفيذ الاتفاق.
فور الإعلان عن الاتفاق على مستوى الموظفين للمرة الأولى في وقت سابق من هذا الشهر، تحركت الأرجنتين بسرعة لإرساله إلى الكونغرس، حيث طلب فرنانديز الموافقة على الاتفاق ليصبح ساري المفعول. دعم المشرعون من الحزبين في نهاية المطاف، تمويل "صندوق النقد الدولي"، لكن لم يوافقوا على السياسات الاقتصادية التي يقوم عليها الاتفاق.
بناءً على موافقة مجلس إدارة الصندوق على الاتفاق، ستتلقى الأرجنتين الأموال التي ستسمح لها بسداد 2.8 مليار دولار لـ"صندوق النقد الدولي" في 31 مارس في ظل تضاؤل صافي الاحتياطيات. أما بالنسبة إلى بقية المدفوعات، فهي مشروطة بتحقيق الحكومة لأهدافها المعلنة، والتي يمكن تقييمها من خلال مراجعات فصلية (ربع سنوية) يجريها الموظفون في "صندوق النقد الدولي".
تحديات في الأفق
كشف البرنامج الجديد لـ"صندوق النقد الدولي" انقسامات سياسية بالفعل، حيث تسلط المقاومة التي واجهها فرنانديز من أعضاء الكونغرس اليساريين، الضوء على التحديات التي ستواجهها الحكومة عند محاولتها إلغاء دعم قطاعات رئيسية، مثل الطاقة.
الأرجنتين و"صندوق النقد الدولي": 66 عاماً، و21 تسهيلاً ائتمانياً
1956 الأرجنتين أصبحت عضواً في "صندوق النقد الدولي"، لكن طلبها للحصول على مساعدة مالية فورية قد رُفض، ثم وقعت أول اتفاق بعد ذلك بعامين |
1967 الانقلاب اليميني أدى إلى ديكتاتورية عسكرية، ووصل الدين الخارجي للبلاد إلى 46 مليار دولار |
1982 مع عودة الديمقراطية إلى البلاد، انضمت الأرجنتين إلى 26 دولة أخرى، بما فيها 16 دولة في أمريكا اللاتينية، لإعادة هيكلة ديونها مع البنوك الخاصة |
1992 الأرجنتين توقع أول برنامج تمويل ممتد مع "صندوق النقد الدولي"، بعد إدخال نظام عملة يربط البيزو الأرجنتيني بالدولار الأمريكي |
2005 الحكومة ذات الميول اليسارية دفعت كافة ديونها البالغة 9.8 مليار دولار لـ"صندوق النقد الدول" دفعة واحدة، لتتمكن من قطع علاقتها به |
2018 حصلت البلاد على أكبر خطة إنقاذ في تاريخ "صندوق النقد الدولي" بقيمة 57 مليار دولار، لكن الاتفاق تداعى نظراً لتسبب هذه المساعدة في تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج |
في الوقت ذاته، أعرب خبراء اقتصاد عن شكوكهم بشأن تمكن الحكومة من تحقيق أهدافها المتمثلة في خفض معدلات التضخم وتنمية الاقتصاد هذا العام. والجدير بالذكر أن أسعار الطاقة والغذاء العالمية، وسرعة تخفيض قيمة العملة الخاضعة للرقابة، وإلغاء الدعم عن فواتير الكهرباء، كلها تأتي ضمن عوامل عدة من شأنها إبقاء معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة هذا العام.
يعتقد الاقتصاديون في "جيه بي مورغان تشيس آند كو" بأن معدل التضخم في الأرجنتين سيبلغ 62% هذا العام، وهو أعلى بكثير من النسبة المستهدفة ضمن برنامج "صندوق النقد الدولي"، والتي تتراوح بين 38% و48%. وتتوقع شركة الاستشارات الأرجنتينية "إيكويليبرا" (Equilibra) تقلص اقتصاد البلاد هذا العام، لأن برنامج "صندوق النقد الدولي" يتطلب من الأرجنتين تكديس الاحتياطيات، الأمر الذي سيحدّ من مقدار الأموال التي يتعين عليها دفعها مقابل الواردات الداعمة للنشاط الاقتصادي. كما يتوقع البرنامج نمواً اقتصادياً تتراوح نسبته بين 3.5% و4% هذا العام.