تشير تحركات الأسعار الإثنين بأن الاحتياطي الفيدرالي يخاطر بانزلاق أكبر نحو تعاملٍ محكومٍ بالفشل مع الأسواق يضاهي تعاطي دول نامية تفتقر لمصداقية السياسة، وليس تفاعلاً يجدر بالبنوك المركزية ذات الأهمية الجذرية، ناهيكم عن أقواها عالمياً.
سيواجه الاحتياطي الفيدرالي، مع غياب استعادته سريعاً لموثوقيته حيال مقارعة التضخم وهي ما شككت به الأسواق مجدداً الإثنين، مزيداً من نمط سياسة محكوم بالفشل من شأنه إحاقة ضرر، كان يمكن تجنبه حتى بضعة أشهر مضت، بسبب العيش في الولايات المتحدة وغيرها.
ليس من مهام الاحتياطي الفيدرالي وقف التضخم الناتج عن أزمة العرض
هذا التسلسل المؤسف مألوف لدرجة مؤلمة لدى بعض البلدان النامية.
- أولاً: التشخيص الخاطئ للوضع الاقتصادي أو خمول السياسة أو كلاهما، حيث لا يواكب البنك المركزي حقائق التضخم ليقوّض صدقيته حيال مكافحته.
- ثانياً: يُقرّ البنك المركزي على حساب كبريائه بفرط ارتفاع التضخم فيشدد من خطاب سياسته ويشرع باتخاذ الإجراءات اللازمة.
- ثالثاً: بدل الاطمئنان لهذا التغيير، وإن كان متأخراً، تبتعد الأسواق أكثر عن البنك المركزي مدللةً إلى الحاجة إلى إجراءات سياسية أكثر صرامة.
- رابعاً، يجد البنك المركزي نفسه في مأزق، إما المخاطرة بالركود عبر المصادقة على تسعير السوق المتشدد أكثر من أي وقت مضى، أو السعي لتقليل مثل هذا الضرر، غالباً دون طائل، من خلال تمكين التضخم المرتفع الذي قد يزعزع الاستقرار من الاستمرار لفترة أطول.
محاولة فشلت
تمعن فيما جرى الإثنين مع الإبقاء على هذا التسلسل في ذهنك، وذلك كان بعد أقل من أسبوع من رفع لجنة صنع السياسة العليا في الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس والإشارة إلى مزيد من الزيادات.
حاول رئيسه جيروم باول، في عرض أمام الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال، استعادة اعتمادية الاحتياطي الفيدرالي المتآكلة حيال مكافحة التضخم، عبر الإشارة إلى أن البنك المركزي على استعداد لزيادة أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في مايو، وتكرار ذلك في الاجتماعات الأخرى، والاستمرار متجاوزاً المستوى المحايد في محاولة لتحقيق هدفه للتضخم. لكن كانت عائدات السوق الاسمية، ومنحنى العائد، ونقاط تعادل التضخم أبعد ما تكون تأشيراً عن اطمئنان. بل إنها ابتعدت أكثر عن الاحتياطي الفيدرالي.
لقد ضخّم الغزو الروسي لأوكرانيا التحديات التي تجابهها سياسة الاحتياطي الفيدرالي، لكن الحفرة التي سقط فيها كانت من صنعه، حيث تجلى ذلك عبر تطورات الإثنين.
مؤقت أم يستحكم
تمسك الاحتياطي الفيدرالي بتوصيفه للتضخم على أنه "مؤقت" حتى نهاية نوفمبر رغم الأدلة الوافرة على عكس ذلك منذ نحو عام، وهو ما وصفتُه قبل أشهر بأنه أحد أسوأ التفاعلات مع التضخم في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي. كما أبقى الاحتياطي الفيدرالي على اندفاعه في سياسة التحفيز حتى بعدما أزال هذه الصفة من مفرداته متأخراً. ليوضيح مدى عدم اتساق سياساته، كان ما يزال يضخ السيولة من خلال مشترياته من الأصول في وقت سابق من هذا الشهر، بما في ذلك الأسبوع الذي بلغت فيه قراءة فبراير للتضخم في الولايات المتحدة 7.9%.
الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على التخمين في تحديد أسعار الفائدة
حاججت لأشهر عديدة بأن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يعترف بسبب خطأه لهذه الدرجة بتوصيف التضخم، ويشرح كيف حسّن فهمه لآليات التضخم الحالية والتنبؤ بها، ويوقف ضخ السيولة على الفور، ويبدأ دورة رفع أسعار الفائدة. كانت الفكرة هي تخفيف الاندفاع والبدء بالكبح بهدوء بدلاً من الاضطرار للقيام بما تطلبه السوق الآن، حيث أقرّ الرئيس باول الإثنين بحقيقة الاضطرار لتشديد كبير في الكبح.
كان ذلك حينها فماذا عن الآن؟ هل ما يزال هناك مجال لاستجابة سياسة مثلى من الاحتياطي الفيدرالي؟
إجراءات "الاحتياطي الفيدرالي" لا تتماشى مع خطاب باول للأسواق
أشعر بالقلق من أن الاحتياطي الفيدرالي بعد تأخره الشديد وفقده كثيراً من مصداقيته أصبح بعيد جداً عن عالم السياسة "الأمثل". بدل امتلاك طريقة لاحتواء التوقعات التضخمية، وعدم التسبب بضرر لا داعي له على الاقتصاد وتحقيق هدفه المزدوج، يضطر الاحتياطي الفيدرالي باضطراد للتفكير بأقل أخطاء السياسة سوءاً التي يرغب أن تُذكر له: تحقيق هدف التضخم عبر التسبب بركود، أو السماح للتضخم المرتفع والمزعزع للاستقرار بالاستمرار حتى 2023.
هذه المقايضة الفظيعة مألوفة لدى عديد من البلدان النامية؛ حيث قد تُلقي ردود أفعالها المعتادة الضوء أيضاً على ما قد يغري الاحتياطي الفيدرالي: أن يأمل ببساطة بتعافٍ تامٍ، أي مزيج من مكاسب إنتاجية لاحقة، وسلاسل التوريد سريعة التعافي، وزيادة مشاركة القوى العاملة، واستمرار قوة الأسواق المالية لتسحب البنك المركزي من الحفرة العميقة التي حفرها لنفسه.