ربما يعطي إجمالي الناتج المحلي الذي تستهدف الصين تحقيقه قوة دفع متواضعة لاقتصاد عالمي محاصر يصارع ضغوط الركود التضخمي الناتجة عن حرب روسيا في أوكرانيا.
أعلنت بكين أمس الأحد أنَّها تستهدف نمواً في إجمالي الناتج المحلي بنسبة "5.5% تقريباً" لعام 2022، عند أعلى تقديرات كثير من الاقتصاديين.
إذا حققت البلاد هذا المستهدف؛ فإنَّ نموّها سيتجاوز بدرجة ملحوظة تلك النسبة المتوقَّعة من قبل صندوق النقد الدولي البالغة 4.8%، بالإضافة إلى نمو نسبته 5.2% توقَّعه اقتصاديون.
تتوقَّع بنوك مثل "جيه بي مورغان" أن تؤدي تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا إلى خفض معدل نمو الاقتصاد العالمي بنحو نقطة مئوية في العام الحالي.
تعرّف على التطورات الاقتصادية العالمية جرّاء الأزمة الروسية الأوكرانية
إنَّ نمو اقتصاد الصين بمعدل 5.5% بدلاً من 5% لن يكفي لتعويض تأثير الحرب السلبي على أداء الاقتصاد العالمي، لكَّنه سيساعد في تخفيفه.
وقال ديفيد دولار، ممثل وزارة الخزانة الأمريكية سابقاً في بكين، ويعمل حالياً لدى "مؤسسة بروكينغز": "إنَّ بعض الحوافز الإضافية المتواضعة مرحّب بها، إذ إنَّ الاقتصاد العالمي يواجه صعوبات نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا". وأضاف أنَّ "الصين تحاول أن تحرص على عدم المبالغة في زيادة المديونية في الاقتصاد، لذلك ينبغي ألا يبالغ العالم في توقُّع قوة دافعة كبيرة".
من المنتظر أن تحفّز بكين الاقتصاد عبر تخفيف الضوابط والقيود على سوق العقارات، وزيادة الاستثمار في البنية الأساسية. وتعهد المسؤولون أيضاً بضمان استقرار مستوى المديونية الإجمالي في الاقتصاد خلال العام الحالي.
أهداف مؤتمر الشعب الوطني للاقتصاد الصيني
هدف المؤشر الاقتصادي/المالي | 2022 | 2021 |
إجمالي الناتج المحلي | حوالي 5.5% | أعلى من 6% |
مؤشر أسعار المستهلكين | حوالي 3% | حوالي 3% |
العجز المالي (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) | حوالي 2.8% | حوالي 3.2% |
الحصة المحددة للسندات الخاصة بالحكومات المحلية | 3.65 تريليون يوان | 3.65 تريليون يوان |
توفير وظائف جديدة في المناطق الحضرية | أعلى من 11 مليوناً | أعلى من 11 مليوناً |
معدل البطالة | تحت 5.5% | حوالي 5.5% |
ينطوي معدل النمو المستهدف على مغزي سياسي إضافي؛ إذ ينتظر أن يقوم الرئيس شي جين بنغ بمحاولة غير مسبوقة حتى يستمر في قيادة البلاد لدورة ثالثة، خلال مؤتمر مهم للحزب في وقت لاحق من العام الحالي.
وقال يوكون هوانغ، مدير سابق لشؤون الصين لدى البنك الدولي، ويعمل حالياً لدى منظمة "وقف كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن: "إنَّهم يرغبون في بث شعور بالتفاؤل والإيجابية في مؤتمر الحزب، حتى يتمكّنوا من التغلب على أي مشاكل".
وفي حين يختلف الاقتصاديون في مدى قدرة بكين على التلاعب في أرقام النمو السنوية؛ يعتقد كثير منهم أنَّها تستطيع إجراء تعديلات هامشية. وإذا تبيّن أنَّ تحقيق مستهدف النمو يمثل ضغطاً شديداً أعلى مما ينبغي؛ فإنَّ تكتيكات مماثلة قد تستخدم قبيل انعقاد مؤتمر الحزب، مما يعني أنَّ تأثير نمو الاقتصاد الصيني على العالك سيكون أقل.
قالت فريا بيميش، رئيسة بحوث الاقتصاد الكلي لدى شركة "تي إس لومبارد":
إنَّ ما تعلن عنه الصين هو مستهدف للنمو، وما تهدف فعلاً إلى تحقيقه يتمثل عبر أمرين منفصلين تماماً. ستنشر الحكومة رقماً للنمو الفعلي بحيث يكون قريباً من الرقم المستهدف، غير أنَّ الرقم الحقيقي قد يكون أقل من ذلك بكثير
رأي "بلومبرغ إيكونومكس"
يقول - شانغ شو و ديفيد كو من "بلومبرغ إيكونومكس": "إنَّ الرسالة التي صدرت عن مؤتمر الشعب الوطني رسالة واضحة؛ وهي أنَّ حكومة الصين تصر على منع تدهور معدل النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة في العام الجاري. إنَّ وضع مستهدف للنمو عند 5.5%، بما يقل عن معدل النمو في عام 2021 الذي بلغ 6%؛ يشير إلى نية الحكومة في ضمان استقرار الاقتصاد الذي يواجه ضغوطاً عنيفة من تدهور قطاع العقارات، ومخاطر جديدة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. تبدو مستهدفات الموازنة محافظة على السطح؛ غير أنَّها تترك مجالاً واسعاً لضخ حوافز مالية قد تكون أقوى بكثير من الدعم الذي قدّمته الموازنة في عام 2020 من أجل تخفيف الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا".
تمثل العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا وأوكرانيا نسبة صغيرة من إجمالي التجارة والاستثمارات الخارجية للبلاد، لذلك تستطيع بكين أن تراهن على قدرتها أن تعزل اقتصادها إلى حد كبير عن حالة عدم الاستقرار العالمية، كما فعلت أثناء الأزمة المالية العالمية، وأثناء انتشار جائحة كورونا.
وقال هوانغ:
تميل الصين إلى اقتناص نصيب أكبر من التجارة الدولية في وجود المشكلات العالمية. وربما قد خُدعوا بشعور أن الوضع في أوكرانيا لن يؤذيهم.
تعهدت بكين بزيادة الإنفاق المالي دون زيادة الديون عن طريق استخدام الأرصدة التي لم تنفق في سنوات سابقة، وأرباح المؤسسات المملوكة للدولة. ويعني توفير التمويل من هذه المصادر أنَّ قيمة التحفيز المالية ستصبح صغيرة نسبياً.
ووفقاً لـِ آدم وولف؛ الاقتصادي لدى شركة "أبسولوت ستراتيجي ريسيرش" في لندن: "ربما كان مستهدف الحكومة للنمو هو أعلى نقطة تستطيع الحكومة منطقياً أن تحققها دون أن تضخ حوافز مالية بحجم كبير. وهو إلى حد كبير مستهدف لتجاوز معدل النمو في العام الماضي".
لم تغيّر الحكومة لهجتها إلى حد كبير بالنسبة للسياسة النقدية، برغم تعهدها "بتحقيق تقدّم في التنفيذ". ويقول الاقتصاديون، إنَّ ذلك يشير إلى أنَّ مزيداً من تخفيض أسعار الفائدة في الطريق، مما يضع مسار السياسة النقدية للصين في تعارض حاد مع الولايات المتحدة، والدول المتقدمة الأخرى، التي ترفع أو تستعد لرفع أسعار الفائدة لوقف الزيادة في معدلات التضخم.