ماذا بوسع أكبر مُشترٍ للقمح في العالم أن يفعل في ظل تعطّل الإمدادات من المزوِّدين الأساسيين للقمح، وهما روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب؟ بالنسبة إلى مصر، قد يعني ذلك المضيّ قُدُماً في خطة دقيقة، وهي: رفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ أربعة عقود.
وزير التموين: مصر تدرس رفع سعر الخبز المدعم تدريجياً
وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فقد بلغت واردات مصر من القمح الروسي والأوكراني 86% خلال عام 2020، ودفعت التقارير حول الاقتتال الدائر في أوكرانيا والعقوبات السريعة وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين معاً أسعار الحبوب إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد. ينطوي ذلك على تبعات إضافية بالنسبة إلى مصر، التي شهدت احتجاجات الربيع العربي قبل عقد من الزمن جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
القمح يواصل صعوده الحادّ بعد اختناق حركة الشحن بسبب الغزو الروسي
70 مليون مواطن
عانت مصر بالفعل من أجل المحافظة على الدعم الذي يستفيد منه نحو 70 مليون مواطن وسط تفشي الجائحة، بل يمكن أن تفاقم الحرب الأمور سوءاً. مخزونات القمح الحالية كافية لمدة أربعة أشهر على الأقل، لكن الشحنات من معظم منطقة البحر الأسود تعطلت بسبب الصراع، مما قد يدفع الأسعار إلى مستويات أعلى.
مسؤول مصري لــ"الشرق": أمريكا وفرنسا وكازاخستان أسواق بديلة لاستيراد القمح
قال سعيد أبو محمد (45 عاماً)، وهو أب لطفلين، فيما كان ينتظر في طابور الخبز المدعوم في حي الخليفة بالقاهرة: "نتوقع أن تؤدي الحرب الروسية-الأوكرانية إلى تسريع مشكلة سعر رغيف الخبز. ففي أكثر من مناسبة، نسمع تصريحات المسؤولين وهم يصرّون على مراجعة أسعار الخبز. والآن تتوفر لهم الفرصة على طبق من ذهب".
قال علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة المصري، خلال مقابلة تليفزيونية يوم الاثنين الماضي، إنّ متوسط سعر القمح المستورد ارتفع إلى نحو 350 دولاراً للطن، مقابل 250 دولاراً في العام الماضي. واستناداً إلى وثائق وزارة المالية، تعتمد ميزانية العام المالي الحالي على 255 دولاراً.
وزارة التموين: مصر لا تخشى اضطرابات سوق القمح.. ولدينا مخزونات كافية
ضغوط الموازنة
تسبَّب ارتفاع الأسعار في ضغوط على عجز الموازنة، ففي الوقت الذي يمكن أن يؤدي رفع الدعم إلى تعرُّض ملايين المصريين لضغوط اقتصادية متزايدة، فإنه سيساعد في الوقت نفسه على دعم الموازنة العامة للدولة.
خصصت مصر، وهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، نحو 22 مليار جنيه مصري (1.4 مليار دولار) لواردات القمح، و18 مليار جنيه أخرى لدعم الإنتاج المحلي.
قال المصيلحي إنّ الحكومة تتوقع نحو خمسة ملايين طن من المحصول المحلي، بزيادة عن التقديرات السابقة البالغة أربعة ملايين طن، وذلك من شأنه أن يعزز المخزونات بما يكفي لتغطية الاستهلاك حتى نوفمبر المقبل.
أضاف: "أودّ أن أطمئن الناس بأنه لا داعي للقلق؛ لدينا إرادة سياسية ورؤية للحفاظ على احتياطيات القمح، والحكومة توفر الأموال اللازمة لذلك".
لم يتردد أي حديث بشأن إلغاء دعم الخبز في الماضي، وكانت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحالية أول من طرح النقاش علناً حول هذا الأمر، فهو يضغط باتجاه إصلاح شامل للاقتصاد، ويتعامل مع كل شيء، بدءاً من البنية التحتية إلى سُبل تخصيص الدعم.
رفع أسعار الخبز
دعا السيسي في العام الماضي إلى رفع أسعار الخبز المُدعم لتخفيف الضغط على موازنة الحكومة. وقال المصيلحي إنّ الحكومة يمكنها أيضاً تقليص حجم البرنامج بحيث لا يستحق الحصول على الخبز المدعم سوى الطبقة الأكثر فقراً من المواطنين، أي نحو 25 مليون شخص، إذ لن تتغير الأسعار بالنسبة إليهم.
وقال: "إذا لم ندرس ونحلل الوضع للتأكد من أن منظومة الدعم تستفيد منها الفئات الأكثر احتياجاً، فسنكون مخطئين".
يُعَدّ الخبز عنصراً أساسياً في الأنظمة الغذائية بدول شمال إفريقيا، لدرجة أن المصريين والمغاربة يطلقون عليه كلمة "عيش". وقد أنفق القادة في المنطقة مئات المليارات من الدولارات لتوفير سلع أساسية مثل الخبز وزيت الطهي والسكّر بأسعار معقولة. وكان ذلك يُعتبر وسيلة للحكومات لاكتساب الشرعية وتهدئة المواطنين.
مصر تتطلع إلى إصلاح دعم الخبز بعد قفزة أسعار القمح العالمية
تعويض الخسائر
يُباع الرغيف المدعم في مصر بما يعادل نحو سنت أمريكي واحد. وتخصص الدولة خمسة أرغفة في اليوم للأشخاص المنضوين تحت مظلة برنامج الدعم، وتستعين بالخزانة العامة لتعويض المخابز عن خسائرها.
كانت محاولة في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات لوقف الدعم على المواد الغذائية الأساسية قد أثارت أعمال شغب خلّفت أكثر من 80 قتيلاً في أواخر السبعينيات، لذلك لجأت الحكومة منذ ذلك الحين إلى حلول بديلة مثل تقليص حجم أرغفة الخبز.
كان نطاق انكشاف مصر على الأسواق العالمية واضحاً يوم الاثنين الماضي، عندما جذبت ثلاثة عروض فقط في مناقصة حظيت بالمتابعة من كثب وألغتها في النهاية بسبب ارتفاع الأسعار. جاء ذلك بعد إلغاء آخر في أواخر الأسبوع الماضي عندما كان العرض الوحيد من فرنسا.
أسواق بديلة
قال سفراء مجموعة الدول السبع في بيان مشترك أمس الثلاثاء إنّ "مصر تعاني بالفعل بسبب الغزو الروسي. أسعار القمح والمواد الغذائية سترتفع في جميع أنحاء مصر وعلى امتداد إفريقيا".
مشترو القمح يبحثون عن بدائل بسبب تداعيات الحرب في "سلة الخبز العالمية"
تحصل دول شمال إفريقيا على نصف قمحها من روسيا وأوكرانيا، اللتين تستفيدان من انخفاض تكاليف الإنتاج وتربة غنية وخصبة، ويجبر الصراع جيران مصر على التوجّه إلى بدائل أخرى، فقد أعلنت وزارة الزراعة التونسية الأسبوع الماضي أنها تتطلع إلى الحصول على إمدادات بديلة من أوروغواي وبلغاريا ورومانيا.
إنفوغراف: أكبر عشر دول استقبالاً لصادرات القمح الأوكراني
قال عبد القادر العلوي، رئيس مجموعة المطاحن المغربية، إنّ بلاده تعتمد على منطقة البحر الأسود للحصول على نحو 25% من وارداته الناعمة، ويتوقع وصول بعض الشحنات في الأيام المقبلة.
أضاف العلوي: "من السذاجة الاعتماد على مصدر واحد فقط، لذلك نتجه إلى الأرجنتين وفرنسا وبولندا لتعويض أي مشكلات تؤثر في الإمدادات من البحر الأسود.".