شكّلت السياحة من كلٍ من روسيا وأوكرانيا مصدراً مهماً بشكل متزايد للعملة الأجنبية بالنسبة إلى سريلانكا، لا سيما بعد أن ضرب الإغلاق قطاع السياحة في البلاد من معظم أسواق الغرب نتيجة تفشي وباء "كورونا". ويهدّد الصراع الجاري حالياً بانقطاع هذا المصدر من الدخل، تزامناً مع قرب موعد مدفوعات سندات رئيسية في سريلانكا.
تظهر البيانات الرسمية أن ربع إجمالي السياح الوافدين إلى سريلانكا هذا العام كانوا من روسيا وأوكرانيا، وتزداد هذه النسبة إلى 30% إذا شمل العدد القادمين من بولندا وبيلاروسيا. وصعدت روسيا، التي كانت ثالث أكبر مشترٍ للشاي السريلانكي خلال العامين الماضيين، إلى المركز الثاني في يناير الماضي.
على الرغم من عدم توفر بيانات تفصيلية بشأن الإنفاق بعد، فقد حققت كلٌ من السياحة والشاي عملات أجنبية تتجاوز قيمتها 260 مليون دولار لـ"سريلانكا" هذا العام. ويشكّل كل دولار أهمية نظراً لانخفاض الاحتياطيات الإجمالية من العملات الأجنبية للبلاد بنسبة 25% إلى 2.36 مليار دولار في يناير الماضي. وينذر الوضع بمواجهة سريلانكا لمتطلبات تمويل بقيمة 5.7 مليار دولار في عام 2022، بما في ذلك الأموال اللازمة لسد عجز حسابها الجاري، وذلك وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس".
مساعدات ثنائية
يتضمن جزء كبير من الاحتياطي مساعدات ثنائية، مثل خطوط المقايضة من الصين والهند، حيث كانت سريلانكا تتطلع إلى تعزيز التدفقات غير المرتبطة بالديون. وتعاني البلاد بالفعل من أسرع معدل تضخم في آسيا، في الوقت الذي يشعر المستثمرون الأجانب بالقلق من أنه إذا لم تتمكّن سريلانكا من إعادة هيكلة ديونها الخارجية أو تخفيض قيمة الروبية المرتبطة حالياً بالدولار، فقد لا تستطيع سداد دفعات، مثل السندات المستحقة في يوليو.
قال كينيث أكينتيوي، رئيس الديون السيادية الآسيوية في "أبردين" (abrdn): "يعد ميزان المدفوعات المشكلة الرئيسية، في ظل تآكل الاحتياطيات، فضلاً عن عدم امكانية تعديل سعر صرف العملة، وإذا تجنبت سريلانكا رفع أسعار الوقود، ستصعد خسائر الشركات المملوكة للدولة. وبالتالي، تتزايد أهمية تأمين بعض مصادر النقد الأجنبي بشكل أكثر إلحاحاً حالياً، ولكن نظراً لخطر التخلف عن السداد الوشيك إلى حد ما، فإن الحديث بشأن ذلك أسهل من التنفيذ".
تراجعت السندات ذات عائد 5.875% المستحقة في يوليو سنتاً واحداً لتصل إلى 74 سنتاً على الدولار اليوم الإثنين، وهو أدنى مستوى في أكثر من شهر. وانخفضت السندات ذات عائد 7.55% لعام 2030 بمقدار ثلاثة سنتات خلال الأسبوع الماضي، إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 46 سنتاً على الدولار.
أكد صانعو السياسة في سريلانكا مراراً سعيهم إلى إعادة تمويل السندات بدلاً من إعادة هيكلتها. وصرح أجيث نيفارد كابراال، محافظ البنك المركزي السريلانكي عبر الهاتف اليوم الإثنين: "نأمل ألا يتفاقم الصراع"، مضيفاً أن السلطات تقيّم الوضع، دون أن يدلي بالمزيد من التفاصيل.
ما تقوله "بلومبرغ إيكونوميكس"...
قال أنكور شوكلا، خبير الاقتصاد الهندي: "زاد الغزو الروسي لأوكرانيا من احتمالية تخلف سريلانكا عن سداد ديونها المقوّمة بالدولار، وهو ما يزيد من الحاجة المُلحّة لسريلانكا لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي".
من جهته، أكد راميش باثيرانا، المتحدث بإسم مجلس الوزراء الهندي الأسبوع الماضي أن التوترات في أوكرانيا "أثّرت بشدة على الاقتصاد السريلانكي"، مضيفاً أن أسعار النفط المحلية ربما تحتاج إلى الارتفاع في الوقت المناسب.
سريلانكا تسعى للحصول على نفط رخيص من الإمارات بسبب نقص السيولة
وألمح دينيش فرناندو، رئيس العمليات في شركة "سيليون تي بروكرز" (Ceylon Tea Brokers) في كولومبو، إلى إن المشترين من روسيا حذروا من حدوث "مشكلات تتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف" بسبب الانخفاض الحادّ في قيمة الروبل. وأوضح أن عدداً محدوداً من المشترين الأوكرانيين طلبوا من المصدّرين الاحتفاظ بالشحنات حتى إشعار آخر. وتوقع فرناندو أن ينعكس التأثير على الأسعار في المزادات في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
انخفض الروبل 29% مقابل الدولار في التعاملات الخارجية اليوم الإثنين بعد أن رفع الرئيس فلاديمير بوتين حالة تأهب القوات النووية في البلاد، بجانب إعلان الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين عن خطط لفرض عقوبات على البنك المركزي في موسكو، وعزل بعض البنوك الروسية عن نظام التحويلات المالية بين البنوك "سويفت".
وقال إم. شانثيكومار، رئيس اتحاد الفنادق في سريلانكا: "بعد تفشي الوباء، كانت أوروبا الوسطى مصدراً رئيسياً للسياح، خاصة من أوكرانيا وروسيا. وتابع: "من الواضح أن هذا لن يحدث الآن بسبب الصراع"، في ظل إلغاء الرحلات من هذه الوجهات.
وبحسب بيانات حكومية سريلانكية اليوم الإثنين، فقد تسارع التضخم إلى 15.1% في فبراير الماضي، بوتيرة أسرع من 14.6% التي توقعها مسح "بلومبرغ". وتتفاقم ضغوط الأسعار بسبب فشل المحاصيل، بالإضافة إلى قيود الاستيراد للحفاظ على الدولار وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالمياً.