روسيا قلَّصتْ من استخدامها للدولار وأصبحت أكثر اعتماداً على اليورو بعد ضمها للقرم في 2014

الدولار بجبروته ليس العملة المناسبة لمحاربة روسيا

صورة جورج واشنطن على ورقة الدولار الأمريكي  - المصدر: بلومبرغ
صورة جورج واشنطن على ورقة الدولار الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

الغرب جاد بشأن العقوبات على روسيا وهو يحجب بنوكها الكبرى عن أجزاء كبيرة من التمويل العالمي. لكن لو تعين تشديد العقوبات أكثر، فيجب أن تكون أوروبا في مقدمة الركب، رغم أن اقتصادها سيتضرر من تقييد تجارة الطاقة والسلع مع ذاك الروسي.

فرضت الولايات المتحدة الخميس قيوداً كبيرة على قدرة أكبر بنوك روسيا على سداد أو تلقي المدفوعات بالدولار لأي شيء تقريباً بخلاف الطاقة والغذاء والأدوية، حيث تهدف الإعفاءات للحد من معاناة الاقتصادات الغربية خارج روسيا، التي تعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار. كما تضيف هذه العقوبات للحظر المفروض على الحكومة والبنوك والشركات في روسيا فيما يخص جمع التمويل أو شراء وبيع الأوراق المالية في معظم الأسواق المالية الغربية.

كان من المنتظر أن يؤكد الاتحاد الأوروبي أنه سيتبع تحركات أمريكا، حيث من الأهمية بمكان أن يفعل ذلك، لأن روسيا قلَّصتْ من استخدامها للدولار وأصبحت أكثر اعتماداً على اليورو بعد 2014 حين استولى الرئيس فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. يُنجز حالياً نحو ثلث التجارة الروسية باليورو، بعدما كانت نسبته تبلغ العُشر في 2014، حسب بيانات المعهد الدولي للتمويل في واشنطن، كما انخفضت حصة الدولار من 80% إلى 55%.

يشكل اليورو الآن أكبر حصة من احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي التي تزيد عن 640 مليار دولار وهي نحو 32%، بينما يُمثّل الدولار حوالي نصف تلك النسبة انخفاضاً من 40% في 2014، وفقاً لمعهد التمويل الدولي. كذلك يحتفظ البنك المركزي الآن بمزيد من الذهب المادي وتزيد قيمته عن حيازته من الدولار، وما يقرب من نفس القدر باليوان.

البنوك على المحك

تمثل البنوك الروسية المهمة حقاً، وهي "سبيربنك" (Sberbank)، و"في تي بي بنك" (VTB Bank)، و"غازبرومبنك" (Gazprombank)، مجتمعة ما يقرب من 55% من إجمالي الأصول المصرفية للبلاد، حسب البيانات الروسية الرسمية من وكالة التصنيف الائتماني المحلية "آر أي إيه ريتينغ" (RIA Rating). تُعدّ هذه البنوك، التي ذُكرت في العقوبات الأمريكية إلى جانب العديد من البنوك الرئيسية الأخرى، الأكثر أهمية بالنسبة للتجارة الروسية واقتصادها.

كانت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وغيرها، والتي أعلنتها المملكة المتحدة الخميس قوية وستكون أشد بافتراض أن الاتحاد الأوروبي سيحذو حذوها، لكن من الممكن اتخاذ مزيد من الخطوات.

إن قطع البنوك الروسية الكبرى عن نظام المراسلة الرئيسي للمدفوعات الدولية، المعروف باسم "سويفت" (SWIFT)، من شأنه أن يحدّ بشدة من قدرة الدولة على سداد المدفوعات إلى أي بلد آخر بأي عملة. قال الرئيس جو بايدن الخميس إن أوروبا تقاوم هذه الخطوة حتى الآن. حيث لن تجعل المدفوعات من وإلى روسيا مستحيلة، إلا أنها ستجعل العملية أبطأ وأكثر خطورة، لأن ذلك يعني أن البنوك يجب أن توافق وتؤكد المدفوعات بوسائل أخرى، عبر الهاتف على سبيل المثال.

قد يظل النظام المالي الروسي حتى بعد تلك الخطوة قادراً على العمل دولياً عبر الصين، وقد بحث البلدان إنشاء روابط مصرفية مباشرة. مع ذلك، هناك قليل من الأدلة على أن العديد من هذه الروابط قد أُنشئت حتى الآن، وفقاً لإيلينا ريباكوفا، نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي.

عض أصابع؟

كما سيكون منع المدفوعات مقابل الطاقة أكثر إيلاماً للاقتصاد الروسي، إلا أنه سيضر الاقتصاد الأوروبي بشدة أيضاً، لاعتماده الكبير على الغاز الروسي.

سيضرب الإضرار باقتصاد روسيا لمعاقبتها على غزو أوكرانيا أو لزعزعة استقرار نظام بوتين حفنة من البنوك الأوروبية التي حافظت على نشاط مهم في البلاد. حيث إن انكشاف بنوك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان هامشي ويقل قيمةً عن 0.1% من أصولها المصرفية، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.

في هذا الصدد يعتبر "رايفيزن بنك إنترناشونال" (Raiffeisen Bank International) النمساوي، و"سوسيتيه جنرال" (Societe Generale) الفرنسي، و"يوني كريدت" (UniCredit) الإيطالي الأكثر تعرضاً للأصول الروسية بهذا الترتيب، وفقاً لتصنيف البنوك الروسية لدى وكالة التصنيف الائتماني المحلية "آر أي إيه ريتينغ". تراجعت أسهم البنوك الثلاثة بشدة الخميس حيث هبط "رايفيزن" أكثر من 23% والآخران أكثر من 12%.

هؤلاء الثلاثة يتجاوزون إجمالي إقراض البنوك الأوروبية في روسيا البالغ 104 مليارات دولار، وفقاً لبلومبرغ إنتليجنس. جزء كبير من هذا الائتمان موجه للمستهلكين الروس العاديين وليس للبنوك أو الشركات، لذا فإن الخسائر ستقع إن تراجع اقتصاد روسيا.

"رايفيزن" هو الأكثر تعرضاً لأنه يمتلك أكبر دفتر قروض روسية بقيمة 11.6 مليار يورو (13 مليار دولار) و2.2 مليار أخرى من القروض في أوكرانيا. تعادل هذه القروض 90% من قاعدة رأس ماله، وفقاً لبلومبرغ إنتليجنس، ما يعني أن الخسائر الكبيرة ستُضرّ بشدة باستقرار البنك النمساوي. يبلغ إجمالي قروض "سوسيتيه جنرال" و"يوني كريدت" فقط 16% و13% من رأس مالهما على التوالي. أما "أو تي بي بنك" (OTP Bank) الهنغاري، فهو معرض بشدة، حيث يتوزع 3.2 مليار يورو من قروضه بين روسيا وأوكرانيا، ويُشكل هذا المبلغ حوالي 42% من رأس ماله.

قد تكون الصدمة المالية والرعب هما التكتيك الوحيد الذي يمكنه عكس اتجاه العدوان الروسي وستتحمل بذلك أوروبا التكاليف. إن لم يحدث ذلك، فإن أوروبا أيضاً هي التي ستتحمل العواقب على الأرجح.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة