دعم روسيا ومصالحها مع الغرب.. كيف ستتصرف الصين في معضلة حرب أوكرانيا؟

الرئيس الصيني شي جين بينغ وبجواره الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين  - المصدر: بلومبرغ
الرئيس الصيني شي جين بينغ وبجواره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يطرح غزو روسيا لأوكرانيا سؤالاً صعباً بالنسبة للصين: كيف يمكنها تقديم الدعم لشريك استراتيجي رئيسي في حين أنَّ العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا أكثر أهمية بكثير بالنسبة لاقتصادها؟

بما أنَّها مورد مهم للطاقة إلى الصين؛ رسخت روسيا علاقاتها التجارية مع بكين خلال العقد الماضي. وبرغم ذلك؛ فإنَّ الأهمية الاقتصادية لروسيا تتضاءل بالمقارنة مع الدول الغربية، التي تعتبر زبائن تصدير أكبر بكثير للصين، كما أنَّها مصادر أساسية للتكنولوجيا والاستثمار، وتتحكم أيضاً في وصول الصين إلى نظام الدولار الدولي.

قال إيكا كورهونين، رئيس معهد "بنك فنلندا للاقتصاديات الناشئة"، والمتخصص في تحليل الصين وروسيا: "على صعيد الصين؛ تعتبر العلاقة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية بكثير من العلاقات مع روسيا". ويدعم ذلك عملية اتخاذ القرار الحذر حيال ما يجري في أوكرانيا".

في الوقت الراهن، وعدت الصين بالإبقاء على التجارة بصورة طبيعية مع كل من روسيا وأوكرانيا، برغم تشديد العقوبات من قبل الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلفاء غربيين آخرين، وكذلك من قبل اقتصادات آسيوية على غرار اليابان وتايوان.

نطرح فيما يلي نظرة أكثر عمقاً على العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا، وما هي المخاطر المحدقة باقتصادهما:

ازدهار التجارة

أسس البلدان علاقتهما الثنائية على أرضية أكثر متانة في عام 2014 عقب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم. اتفق الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في ذلك التوقيت على "عهد جديد من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا"، علاوة على توقيع اتفاقيات متعلقة بقطاعات الطاقة، والكهرباء، والطيران، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ومجالات أخرى.

منذ ذلك الوقت؛ حققت الواردات الصينية من روسيا قفزة لترتفع إلى مستوى قياسي بقيمة 79 مليار دولار خلال السنة الماضية، مدعوماً في الأغلب بمشتريات الطاقة. تعتبر الصين سوقاً رئيسية بالنسبة لروسيا، إذ قامت بشراء 17% من صادراتها في سنة 2020، لتأتي بعد أوروبا فقط في الترتيب.

كما شهدت الصادرات الصينية إلى روسيا تحقيق رقم قياسي خلال السنة الماضية، برغم أنَّ روسيا لا تمثل سوى 2% من الشحنات، وهي تمثل نفس القدر الذي تشتريه أستراليا، وهي نسبة أقل بكثير من حصة الولايات المتحدة التي تبلغ 17%.

خلال اجتماع جمع بين شي وبوتين في وقت سابق من الشهر الجاري عقد في بكين؛ قال الرئيس الصيني، إنَّ البلدين يتعيّن عليهما محاولة زيادة التجارة الثنائية لتصل إلى 250 مليار دولار بدلاً من 140 مليار دولار سجلتها خلال السنة الماضية.

برغم ذلك، فيما يتصل بالاستثمار الأجنبي المباشر؛ كان حجم التدفقات الصينية إلى روسيا متراجعاً تماماً بصفة عامة.

مقايضة العملات

تبذل روسيا جهوداً من أجل الحد من دور الدولار في اقتصادها وتجارتها منذ توقيع العقوبات عليها عقب غزوها لشبه جزيرة القرم. تراجعت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي في روسيا التي تبلغ 640 مليار دولار لتصل إلى 16% في سنة 2021 بدلاً من 46% في سنة 2017.

بالمقارنة مع ذلك؛ صعدت حصة اليوان في الاحتياطيات الأجنبية الروسية إلى نسبة 13% بدلاً من نسبة بلغت أقل من 3%، في حين زادت حصة اليورو إلى نسبة 32% عوضاً عن 22%.

تراجعت أيضاً هيمنة العملة الأمريكية على مدفوعات التجارة الروسية؛ إذ وصلت النسبة 56% من عائدات الصادرات بالدولار خلال النصف الأول من العام الماضي، منخفضة عن نسبة 69% التي سجلتها في سنة 2016، بحسب دراسة لخبيرة الاقتصاد في مجموعة "يو بي إس"، آنا زادورنوفا.

يعتبر اتجاه نزع الدولرة أكثر وضوحاً من خلال تجارة روسيا مع الصين؛ إذ هبطت حصة الدولار في الصادرات الروسية إلى الصين إلى نحو 40% حالياً بدلاً من حوالي 100% في سنة 2013.

كما اتفق البنكان المركزيان في البلدين على عمليات مقايضة عملات بمقدار 150 مليار يوان (24 مليار دولار)، وذلك في شهر أكتوبر لسنة 2014، بالإضافة إلى تجديد سريان الاتفاقية كل ثلاث سنوات منذ ذلك الوقت للمساعدة على تيسير عملية تمويل التجارة.

العلاقات المصرفية

تركت العقوبات المفروضة على البنوك الروسية والكيانات الأخرى المؤسسات المالية المملوكة للدولة في الصين في وضع صعب، إذ أقام الكثيرون علاقات متينة مع نظرائهم الروس خلال العقد الماضي. يعد "البنك الصناعي والتجاري الصيني"، أكبر بنك في البلاد، وهو في الوقت الراهن أكبر بنك صيني في روسيا، وله فروع في مدينتي موسكو، وسان بطرسبرغ.

امتلك فرع موسكو بمفرده أصولاً تقدّر بنحو مليار دولار مع حلول نهاية سنة 2020، وقدّم مجموعة كبيرة من الخدمات المالية المقومة باليوان، بما فيها الإيداع، والإقراض، وإجراء التسوية عبر الحدود، وتمويل التجارة. يمتلك "بنك الصين"، و"البنك الزراعي الصيني"، وشركة "التعمير الصيني" عمليات تشغيلية في روسيا.

كما وفر أكبر بنكين للسياسات في الصين، وهما: "بنك التنمية الصيني"، و"بنك التصدير والاستيراد الصيني"، ما يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات كائتمان لروسيا في إطار مبادرة الحزام والطريق التي دشنها شي، لتمويل كل شيء بداية من قطاع البنية التحتية وصولاً إلى قطاع النفط والغاز.

مع حلول منتصف سنة 2019؛ التزم بنك التنمية الصيني بتوفير 65.4 مليار دولار كائتمان لروسيا، وأصدر ما يصل إجماليه إلى 48.2 مليار دولار في صورة قروض، في ظل التركيز على تقديم الدعم لما يفوق 60 مشروعاً في مجالات تتضمن النفط، والغاز، والاتصالات، والتعدين، وزراعة الغابات، بحسب الرابطة المصرفية الصينية.

السلع الأساسية والطاقة

أثناء اجتماع شي وبوتين الذي عقد الشهر الجاري؛ وقَّع الزعيمان مجموعة صفقات لتدعيم الإمدادات الروسية من الغاز والنفط، إلى جانب القمح.

وقَّعت شركة "غازبروم" ثاني صفقة غاز طويلة الأمد مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية لشحن 10 مليارات متر مكعب سنوياً على مدى 25 سنة عبر خط أنابيب حديث يمتد من منطقة الشرق الأقصى إلى روسيا. وسيجري تسوية قيمة ذلك باستخدام عملة اليورو عوضاً عن الدولار، بحسب تقارير نشرتها وسائل الإعلام الصينية المحلية. دخلت شركة "غازبروم" في الوقت الحاضر في محادثات مع الصين حيال توفير الإمدادات عبر مسار ثالث.

في غضون ذلك؛ توصلت شركة "روسنفت" لاتفاقية لشحن 100 مليون طن من النفط الخام إلى مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) عبر كازاخستان خلال 10 أعوام.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك