ما هي العقوبات التي ستكون أكثر إيلاماً بالنسبة للرئيس بوتين؟

فلاديمير بوتين - المصدر: بلومبرغ
فلاديمير بوتين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ستيفن كوتكين؛ هو أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في "جامعة برينستون"، ومؤلف العديد من الكتب، بينها سيرة ذاتية عن الزعيم السوفيتي، جوزيف ستالين صدرت في مجلدات عدة.

خلال مقابلة أجريتها معه مؤخراً، ناقشت أنا وكوتكين مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه أوكرانيا، وما إذا كانت العقوبات الاقتصادية والمالية قد تنجح في صرفه عن تنفيذها.

فيما يلي نسخة منقحّة من محادثتنا، التي تمت قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا صباح 24 فبراير الحالي:

تيم أوبراين: في الخطاب الذي ألقاه يوم الإثنين رسم بوتين صورة لأوكرانيا على أنَّها إبداع سوفيتي لا يملك الحق في الاستقلال، هل تفاجأت بالخطاب؟

ستيفن كوتكين: لا، لقد ألقى النسخ المكررة من هذا الخطاب عدة مرات سابقاً. كان خطابه عاطفياً، وضم عدداً ضخماً من أنصاف الحقائق المتداخلة معاً.

في الواقع، هو غير مضطر إلى الغزو والاحتلال. لكنَّه يستطيع فعل ذلك. إنَّه يعمل على التأكد من أن يكون قادراً على تنفيذ ذلك. لكن ما يحتاجه فعلاً هو أخذ الامتيازات التي يرغب بها دون أن يضطر لدفع ثمن غزو على نطاق واسع.

تيم أوبراين: إذاً، أنت لا تعتقد أنَّه يريد دفع تكلفة الحرب الكاملة؟

ستيفن كوتكين : هو لن يدفع الثمن شخصياً. الناس هم من يدفعون الثمن. المواطنون الأوكرانيون والجنود الروس والمستهلك الروسي محلياً، هؤلاء هم الأشخاص الذين يدفعون الثمن. وكما الحال دائماً؛ فإنَّ الحصول على الأشياء مجاناً أرخص من أن تدفع ثمنها. لهذا نحن نناقش فرض العقوبات.

تيم أوبراين: أنظر للعقوبات على أنَّها صورة من صور الحرب المالية التي تسمح للولايات المتحدة وأوروبا الغربية بتفادي إعلان حرب عسكرية تقليدية. لكني أظن أنَّك تتوقَّع أن تأتي العقوبات بنتائج عكسية في حال لم تُنفذ بالطريقة الملائمة.

ستيفن كوتكين : هناك مسألتان هنا. أولاً، ما الذي تسعى لتحقيقه من وراء إقرار العقوبات، وما هي أهدافك منها، وهل تلك الأهداف قابلة للتحقق؟ والسؤال الأكبر هو من سيسدد تكلفة فرض العقوبات؟

فما يجري غالباً عند فرض العقوبات الاقتصادية هو أنَّ السكان المحليين، والمدنيين هم من يدفعون الثمن. الأنظمة لا تدفع الثمن فعلياً. وفي حين يجعلك فرض العقوبات تشعر بشكل أفضل، لأنَّك فعلت شيئاً حيال الأمر.

لكن، أن تحقق العقوبات أهدافها بمعاقبة النظام، أو تؤدي إلى تغير تصرفاته؛ فهذه أسئلة عملية. عليك أن تجيب على هذه الأسئلة بشكل تجريبي.فلا يمكنك الإجابة عنها بطريقة فلسفية.

تيم أوبراين: كيف ستجيب على هذه الأسئلة، عملياً؟

ستيفن كوتكين: دعنا نراجع الأمور التي يتحدثون عنها. أنا مناصر لفرض العقوبات، لكن عليها أن تكون ذكية.

فإذا لم تتمكّن من ردع النظام الروسي، فأنت تسعى إلى معاقبته.

إذا بدأنا بالنظر إلى العقوبات في قطاع الطاقة؛ فمن سيتحمّل التكلفة العملية لفرض العقوبات على هذا القطاع؟ السكان في أوروبا، هم من سيدفعون الثمن. إذ ستدفع شركات التصنيع الأوروبية الثمن. وفي الوقت الحالي؛ لا يمتلك الأوروبيون بدائل للغاز والنفط الروسي بالقدر الكافي.

دعنا نتوجه إلى قائمة العقوبات الأخرى. لنتحدث عن الخدمات المصرفية، وطرد الروس خارج نظام "سويفت" (Swift) [نظام المدفوعات الدولي]. لن يعطي الأوروبيون الأذن بأي حال لذلك، وذلك لأنَّ تطبيق هذه العقوبة يزيد من صعوبة عملية الدفع مقابل النفط والغاز الروسي.

فإذا تعمّقنا بالأمر، من الذي يحتاج لنظام "سويفت"؟ هل الروس يحتاجون إلى نظام "سويفت"؟ أم أنَّ الأوروبيين هم من يحتاجون لوجود روسيا داخل نظام "سويفت" حتى يكونوا قادرين على شراء النفط والغاز منها؟

هناك أيضاً إمكانية إدراج البنوك الروسية التي لا تتعامل عملياً مع الأوروبيين في القائمة السوداء، لكن في حال أردت شراء القمح، أو النحاس، أو البلاديوم، أو النفط والغاز؛ فكيف ستقوم بإتمام الصفقة؟

تيم أوبراين: إذاً، أنت ترى أنَّ تأثير العقوبات من الممكن أن يعود بالسوء على الأوروبيين والولايات المتحدة؟

ستيفن كوتكين: حسناً، لا نعلم ذلك يقيناً، لأنَّه لم يحدث بعد، لكن من المحتمل أن تجري الأمور على هذا النحو. كلما تعمقت في الفكرة؛ رأيت أنَّ العقوبات التي سينجم عنها أكبر قدر من الألم بالنسبة لروسيا، ستؤدي إلى آلام جسيمة بالنسبة لحلفائنا وشركائنا أيضاً.

تيم أوبراين: دعنا نتحدث عن العقوبات الخاصة بقطاع التكنولوجيا، وفرض تدابير تنظيمية صارمة على نقلها.

ستيفن كوتكين: حتى الآن هذا الأمر هو الأفضل. وذلك من خلال وضع ضوابط على تصدير التكنولوجيا ونقلها، وهي دائماً التي يمكنها خلق نقاط اختناق، خاصة بالنسبة للدول المصدرة للسلع الأساسية التي تعتمد بشكل كامل على نقل التكنولوجيا.

حتى الصين تعتمد بالكامل على نقل التكنولوجيا. لذلك يعتبر هذا الأمر مهم . هذه هي النقطة التي يدفعون من خلالها ثمناً أعلى.

كل شيء تقريباً يحتوي على برمجيات أمريكية الصنع أو معدات أمريكية. أنت تتكلم عن قطاع الفضاء الروسي، وعن الحوسبة الكمية، وعن الذكاء الاصطناعي، وعن مجالات تحظى باهتمام بوتين شخصياً.

لكنْ، هناك أمر سلبي يتعلق بمدى إمكانية وضع حظر شامل على تصدير البرامج والمعدات الأمريكية داخل سلاسل التوريد العالمية؟ هذا مقترح صعب للغاية.

تيم أوبراين: إذا افترضنا أنَّك في البيت الأبيض، وباستطاعتك أن تشير بعصا سحرية لإجبار وزارتي الخزانة والخارجية على تبني قائمة عقوبات فورية، فكيف ستقوم بذلك؟

ستيفن كوتكين : يتعلق الأمر بفرض ضوابط على تصدير المنتجات ذات الأهمية والقابلة للتطبيق، وسأقوم بالإعلان عنها. دعنا نتذكر، حتى لو أنجزنا ذلك، حتى لو كان لدينا ما أُطلق عليه "العقوبات الذكية"، حيث يقع عبء سداد الثمن على نظام بوتين وليس على حلفائنا، أو على الشعب الروسي، أو علينا نحن؛ فما زال في إمكان روسيا الثأر.

تعتبر روسيا مصدر البلاديوم والنيكل والتيتانيوم والنحاس. ومع أوكرانيا؛ تمثل الدولتان ثلث إنتاج القمح على مستوى العالم تقريباً.

يقول بعضهم: "لا عليك، لن يحدث هذا مطلقاً، لأنَّ روسيا تحتاج إلى المال. هي مضطرة لأن تبقي على نمو صادراتها". لكن في الواقع؛ روسيا أكثر جاهزية للتعامل مع هذه الأضرار مقارنة مع الدول الأوروبية، وهي مستعدة أكثر منا، في حال شاهدنا الناس يعانون من الجوع.

دعنا نتذكر أيضاً، منذ أواخر سنة 2015؛ أنشأ النظام الروسي رابع أعلى مستوى احتياطي من العملات الأجنبية على مستوى العالم. يبلغ ذلك 640 مليار دولار على الأقل. وهو أيضاً يمتلك صندوق ثروة وطنية لأوقات الأزمات يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ 185 مليار دولار. ونظراً لأنَّ بوتين لم ينفق على برامج إنقاذ خاصة بوباء كوفيد، واكتفى بالقول: "سيعاني شعبي. لكني أمتلك صندوق تمويل لأوقات الأزمات، في حال لاحقني الغرب، سأحتاج أن أكون محصناً، سأحتاج لأن أكون حصناً". لذا؛ فإنَّ الصورة الكلية لروسيا هي قوية مثلها مثل أي دولة تدخل في معركة مالية كبرى.

تيم أوبراين: يتم تداول النفط الخام عند سعر 100 دولار للبرميل تقريباً.

ستيفن كوتكين : سعر النفط اللازم لتحقيق التوازن في ميزانية روسيا هو 44 دولاراً للبرميل تقريباً. لديهم ميزانية ​​متوازنة، وإذا باعوا النفط خلال العام المقبل بهذه الأسعار؛ فسيحققون فائضاً في الميزانية. ملكية الأجانب للسندات الروسية هي أقل من 20%.

هم جاهزون لتحمل الأضرار في مجالات كثيرة. أوروبا غير جاهزة، ونحن في الولايات المتحدة غير جاهزين كما نقول.

هذه ليست حجة لتبرير عدم القيام بأي شيء. هذه حجة للقيام بالأفضل. هذه حجة لكي نوحد تحركنا. وينطبق هذا الأمر على الصين، وليس على روسيا وحدها. ماذا نفعل عندما يتم نقل التكنولوجيا التي تحتاجها أنظمتهم الاستبدادية والقمعية والعدوانية؟ نمتلك الأدوات كما نمتلك خبرة الحرب الباردة، ونستطيع فعل ذلك. لكن، هل نحن مستعدون لفعل ذلك في الوقت الحالي تحديداً؟

تيم أوبراين: كيف يتم إنهاء اللعبة مع بوتين؟

ستيفن كوتكين: لا نعلم ما الذي سيقوم به. حتى شعبه لا يعلم. هو يصعّد الأمر بطريقة تدريجية. لا يعد القيام بغزو شامل بمفرده هو التهديد. هناك تهديد يتمثل في التصعيد، إذ تظهر الفروقات في التحالف الغربي، التي تؤدي إلى إضعاف النظام الأوكراني، وربما حتى إسقاطه دون التوغل في البلاد فعلياً.

إنَّه يضع تهديدنا بفرض عقوبات ممنهجة موضع اختبار. إذا استطعنا إقناعه بوقف التصعيد؛ فسنكون بحاجة إلى التفاوض بطريقة أكثر جدية حول مخاوفه بعد ذلك. لا نستطيع التخلي عن مبادئ الغرب التي ندافع عنها؛ لذلك يتوجب علينا أن نكتشف طرقاً مبتكرة لإعطاء روسيا مكانها في النظام الدولي.

إنَّه مزيج لتحقيق ما يسمى بعدم الاستقرار الدائم؛ ففي حال شعروا أنَّهم لا يمتلكون حصة. في حال كانوا يمتلكون حصة؛ فعندئذ ستتوفر لدينا فرصة لإحداث تعديل سلوكي في تصرفاتهم.

تيم أوبراين: كيف يكون التعديل السلوكي؟

ستيفن كوتكين: لدى أوكرانيا الحق بالانضمام إلى أي تجمع أو تحالف ترغب فيه؛ لكنَّنا سنحوّل عملية الضم القسري وغير القانوني لشبه جزيرة القرم إلى عملية بيع. على غرار ولاية ألاسكا، بأثر رجعي. سيتحتم على بوتين دفع ثمن مالي باهظ مقابل الحصول على شبه جزيرة القرم.

وفي المقابل، نريد هذا التعديلات السلوكية منك، نريد الاعتراف ببقية أراضي أوكرانيا، ومغادرة أوكرانيا، وضمان حماية السيادة الأوكرانية، ونريدك أن تكون خارج مولدوفا، ونريد أشياء أخرى أيضاً.

ستكون جغرافية أوكرانيا محددة وثابتة، ويتم ترك قدرات التهديد والغزو الروسية لأجل غير مسمى. بوتين يخفّض التصعيد حالياً، ثم يعود إليه غداً. والسبيل الوحيد لوقف ذلك هو من خلال النهج الدبلوماسي، وهي عملية تفاوضية؛ إذ لا تتخلى عن مبادئك الأكثر أهمية. فأنت لا تعترف له بضم شبه جزيرة القرم من خلال القوة؛ بل تحولها إلى عملية بيع. أنت لا تعطيه الحق في تقرير سياسة أوكرانيا الخارجية؛ لأنَّ أوكرانيا دولة ذات سيادة.

هذا أسلوب عملي للتشبث بالمبادئ، كبديل عن التمسك بها بشكل حالم غير قابل للتطبيق، وهي مزيج يهدف لما يمكن تسميته بالحالة الدائمة من عدم الاستقرار.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة