جاء أولاف شولتز خلفاً لأنجيلا ميركل في منصب المستشارية الألمانية منذ شهرين تقريباً، لكن الغرب ما زال ينتظر منه أن يضع بصمته على أكبر اقتصاد في أوروبا.
يواجه شولتز ضغوطاً متصاعدة من أجل تبني موقف إزاء روسيا فيما يتعلق بالحشد العسكري قرب أوكرانيا، بجانب التصدي للصعوبات على الصعيد المحلي التي من بينها تفشي وباء فيروس كورونا المستفحل والنقد الموجه لخطط عمليات الإنفاق.
جاءت فرصته للرد على أصحاب الانتقادات مع بدء زيارته الأولى إلى واشنطن كمستشار للبلاد يوم الأحد الماضي. يعد اجتماعه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض أمس الاثنين بمثابة البداية لفترة من النشاط الدولي الكثيف.
ألمانيا تلمح إلى استهداف "نورد ستريم 2" إذا غزت روسيا أوكرانيا
جرى إبراز مدى وطأة الأمر على شولتز يوم الأربعاء عندما كتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" عنواناً رئيسياً يقول: "أين شولتز؟" حيث طرحت سؤالاً عن أسلوب تعامل المستشار مع التوترات المرتبطة باحتشاد القوات الروسية على مقربة من أوكرانيا. كررت موسكو نفيها التخطيط لغزو جارتها.
عند ذلك المساء، تعرض خلال مقابلة مع محطة الإذاعة الوطنية "زد دي أف" لسقطة. جرى دفعه للرد على تصريحات للمستشار السابق غيرهارد شرودر - وهو ديمقراطي اشتراكي على غرار شولتز، الذي يعمل حالياً كعضو في جماعة ضغط لقطاع روسي،- متهماً أوكرانيا بـ "دق طبول الحرب"، حيث قال الزعيم البالغ 63 سنة من خلال طريقة حديثه اللطيفة: "يوجد مستشار واحد فقط، ألا وهو أنا".
أزمة أوكرانيا
ما لم يقم به شولتز يتمثل في وضع خطة جلية لطريقة التصدي للأزمة. عوضاً عن ذلك، عاد ليكرر نقاط حديثه المعتادة منه، والتي تعني أن كافة الخيارات مطروحة على الطاولة لفرض عقوبات انتقامية على روسيا، بيد أن شحن الأسلحة لمساندة أوكرانيا في عملية الدفاع عن نفسها مسألة غير واردة.
هل يستطيع الناتو وأوروبا التعويل على ألمانيا بمواجهة روسيا؟
صرح شولتز لتلفزيون "ايه ار دي" يوم الأحد قبيل مغادرته إلى واشنطن بأن "عملية الغزو ستكلف روسيا ثمناً باهظاً". ودافع خلال المقابلة التلفزيونية عن مشاركة ألمانيا مع حلف الناتو ونمط التواصل الخاص به. أكد شولتز على أن اعتبار حكومته بمثابة الحلقة الضعيفة في مقاربة التحالف العسكري نحو روسيا كان "انطباعاً خاطئاً".
في حين لن يكون أمراً سهلاً مطلقاً مواصلة مسيرة ميركل التي دامت على مدى 16 سنة، إلا أن شولتز لم يُظهر سوى مؤشرات قليلة على طريقة استغلاله لهذا التوقيت. خلال الأسبوع الماضي، لم يقم بالمشاركة في ندوة حزبه للنقاش حول سياسة الحزب الديمقراطي الاشتراكي نحو روسيا، ولم يجر سوى القليل من التحركات لتسجيل حضور بقدر أكبر على المسرح الدولي، وهو ما يأتي على النقيض من نهج الدبلوماسية النشطة الخاص بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بلا جدول أعمال واضح
ألقت البداية المتعثرة لشولتز بظلالها على شعبية حزبه. هبطت نسبة التأييد إلى 23% بين الناخبين الألمان، وهو معدل يأتي أقل من تيار المحافظين بقيادة حزب المسيحيين الديمقراطيين لأول مرة منذ فترة ما قبل انتخابات شهر سبتمبر الماضي.
ألمانيا تحتاج 400 ألف عامل مهاجر سنوياً لتعويض شيخوخة سكانها
سجل وزير المالية السابق فوزاً بفارق ضئيل بفضل تعهده بإحداث حالة من الدمج بين نهج ميركل الثابت في التعامل مع الحكومة وإجراء إصلاحات من أجل تحديث الاقتصاد الألماني. ومنذ ذلك الوقت، شكل تحالف حاكم يضم الحزب الديمقراطي الاشتراكي من يسار الوسط، وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر الذي يتبنى توجه السوق، في ظل وجود علامات توتر محدودة رغم الاختلافات الأيديولوجية المتنوعة.
ومنذ هذا التوقيت، عانى التحالف من غياب أجندة ذات بنود واضحة. على صعيد التصدي لتفشي وباء فيروس كورونا، الذي من الممكن القول إنه يعتبر القضية الحاسمة خلال العقد الحالي من الزمان، حذرت الحكومة من العجز في وفرة اللقاحات، ثم قامت بتشديد القيود على الأفراد الذين لم يحصلوا على اللقاح. استمر معدل حالات التعرض للمرض الناجمة عن الإصابة بفيروس "أوميكرون" المتحوِّر من سلالة فيروس كورونا مرتفعاً تماماً.
وعلى صعيد إخفاق آخر، طالبت هيئة لمراقبة الإنفاق العام في ألمانيا الحكومة بإلغاء خطط لتحويل مبلغ 60 مليار يورو (69 مليار دولار) من الميزانية المخصصة خلال السنة الماضية إلى صندوق لتمويل مشروعات المناخ في المستقبل، واعتبرتها غير متماشية مع قواعد الإنفاق بحسب الدستور.
من جهته، قال مانفريد غيلنر، رئيس معهد فورسا لاستطلاعات الرأي، إن الحماس الأولي حول حكومة شولتز "يتلاشى بطريقة جلية".
تأتي الأزمة الأوكرانية بمثابة اختبار هام لشولتز، نظراً لأنها ترتبط بعدة جوانب تهدد بطريقة معقدة وضعه. محلياً، دب الخلاف في حزبه، الذي يؤيد من الناحية التقليدية الارتباط بروسيا، حول السبيل الذي يتعين أن يعارض من خلاله الكرملين بطريقة جريئة.
في حين أن تحمل عبء الذنب التاريخي المتعلق بالحرب العالمية الثانية يؤدي أيضاً دوراً في تحديد موقف ألمانيا، إلا أن قضية أمن الطاقة تعتبر مثار اهتمام أكبر في الوقت الراهن.
في ظل إغلاق محطات للطاقة النووية في ألمانيا والتخلص التدريجي من استخدام الفحم، باتت أشد اعتماداً على الغاز الروسي من أجل تدفئة المنازل وتوفير الوقود لمحطات الطاقة لخدمة عمالقة القطاع الصناعي على غرار شركة "باسيف" وشركة "فولكس واجن". من الممكن أن تسفر التأثيرات الناجمة عن النزاع العسكري في أوكرانيا إلى وضع تلك الإمدادات في موقف خطر.
موقف أكثر وضوحاً
سيثبت اجتماع شولتز مع بايدن أنه حيوي على الأرجح. قُدم القادة في اجتماع مجموعة العشرين خلال شهر أكتوبر من قبل ميركل، وكان البيت الأبيض يمارس ضغوطاً من أجل أن تؤدي ألمانيا دوراً نشطاً بطريقة أكبر على صعيد الجغرافيا السياسية.
بينما سيعيد شولتز توجيه نهج السياسة الخارجية لألمانيا تماماً على الأرجح، إلا أنه يمكن أن يتبنى موقفاً أقوى، أو واضحاً أكثر على أقل تقدير. في حال لم تسر الأمور بهذه الطريقة، فإن الخطر يتمثل في أن المنافسين سيملؤون الفراغ الناجم عن ذلك.
في هذه الأثناء، يشدد البيت الأبيض على أنه ليس هناك خلاف بين وجهات نظره ووجهات نظر الحكومة الألمانية، وأن هناك اتفاقاً بين الزعيمين حول جهودهما الساعية لردع روسيا، علاوة على تدعيم وجود مسار دبلوماسي من أجل التوصل لحل الأزمة أيضاً.
في حالة حدوث هجوم روسي، يوجد اتفاق تام على التحركات التالية، بما فيها القوات الإضافية التي سيتوجب نشرها في الجانب الشرقي وفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية الضخمة، بحسب مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية.
خلال جلسة نقاش جرت مؤخراً في "البوندستاغ" ، قال فريدريك ميرز، خصم ميركل السابق المنتخب في شهر يناير الماضي زعيماً جديداً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إن ألمانيا يجري النظر لها في الوقت الحالي على أنها "غامضة ولا يمكن الوثوق بها "، وهو الوضع الذي ألقى باللائمة فيه على شولتز.
تطلق زيارة شولتز لواشنطن سلسلة من الاجتماعات التي من الممكن أن تتيح له حضوراً بطريقة مستدامة أكثر فيما يتعلق بالشؤون العالمية. من المقرر عقب عودته إلى برلين، أن يجتمع بزعماء الجمهوريات السوفيتية السابقة لدول إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، علاوة على رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل.
من المنتظر أن تبلغ هذه الحملة أوجها خلال الأسبوع المقبل، لدى سفر شولتز إلى كييف في 14 فبراير الجاري كما هو مقرر. وسيتوجه إلى موسكو من أجل إجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين في اليوم التالي.
تطمح أوكرانيا في الحصول على ما يفوق عن 5 آلاف خوذة واقية ومستشفى ميداني من القوة الأوروبية. ووجه أندريج ميلنيك، السفير الألماني للبلاد، اتهاماته لإدارة شولتز عبر تغريدة على موقع تويتر بأنها مستمرة في دفن رأسها بالرمال.
قال " يتعين وقف تلك السياسة التي تتشبه بالنعام".