يبدو أن نصف العمال الأمريكيين مستعدون لممارسة الضغط على أرباب عملهم.
لقد أمضوا العامين الماضيين في تلبية مطالب رؤسائهم، ومتطلبات جائحة كورونا، غير المسبوقة. وشاهدوا المنتجات تختفي من على رفوف المتاجر، والتضخم يزداد، والقوة الشرائية لشيكات رواتبهم تتقلص. وطوال ذلك الوقت، كانت الأجور ترتفع، فيما البنوك الكبرى تدفع رواتب بملايين الدولارات لكبار المديرين التنفيذيين. تحدى الاقتصاد الأمريكي التوقعات، وأضاف 467 ألف وظيفة في يناير، في معدل أعلى بكثير من التقديرات التي توقعت إضافة 125 ألف وظيفة.
اقرأ أيضاً: نمو أكبر من المتوقع للوظائف الأمريكية في يناير
الآن، يريد عمال أمريكا المزيد. بل وأكثر بكثير. يقول حوالي 55% منهم، إنهم سيسعون على الأرجح للحصول على عروض عمل من شركات أخرى، من أجل الضغط على إدارات مؤسساتهم الحالية والحصول على زيادات في رواتبهم، كما أظهر مسح وطني أجراه موقع "هاريس بول" (Harris Poll) للاستطلاعات لصالح "بلومبرغ نيوز".
اقرأ المزيد: البيت الأبيض يحذِّر: بيانات الوظائف ستكون "قبيحة" بسبب أوميكرون
قال حوالي ثلثي المشاركين إنهم سيتركون وظائفهم الحالية إذا عُرضت عليهم وظائف في مؤسسات أخرى. يبدو جيل الألفية (Millennial) (المولودون بين 1981 و1996) الأعلى احتمالاً للقفز من السفينة، يليهم جيل "زد" (Z) (المولودون بين عامي 1997 و2012)، ثم جيل "إكس" (X) (المولودون بين عامي 1965 و1980)، وجيل (الطفرة) "البومرز" (المولودون بين عامي 1946 1964) بين العمال الذين من المرجح أن يطلبوا زيادة قريباً. ويقول جميعهم تقريباً إن التضخم هو العامل الأساسي في قرارهم، فيما استشهدت الغالبية منهم بالمناخ الاقتصادي الراهن.
إيجاد حل
يسعى الأمريكيون للحصول على نقطة ضغط في التفاوض على الرواتب
السؤال | كثيراً/نوعاً ما |
ما هو احتمال أن تسعى إلى الحصول على عرض عمل من شركة أخرى من أجل الحصول عل زيادة في الراتب في عملك الحالي؟ | %55 |
إن حصلت على عرض عمل من شركة أخرى، ما هو احتمال أن تترك العمل في شركتك الحالية؟ | %64 |
ما مدى أخلاقية استخدام عرض عمل من شركة أخرى لهدف وحيد هو الحصول على زيادة في الأجر من شركتك الحالية؟ | %61 |
هل الظروف الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة تجعلك أكثر أو أقل احتمالاً لطلب زيادة في الأجر من عملك الحالي؟ | %59 |
المصدر: مسح ميداني أجراه موقع "هاريس بول" للاستطلاعات لصالح "بلومبرغ نيوز" |
تفاوض من منطلق قوة
قالت فيونا سينكوتا، كبيرة محللي السوق المالية في "سيتي إندكس" (City Index) للخدمات المالية: "تحوّلت القوة بالتأكيد لصالح الموظف. فسوق العمل ضيق للغاية، لدرجة أن اليد العليا في المفاوضات باتت له".
حصل كينيث فونغ على تلك اليد العليا. كان العامل البالغ من العمر 31 عاماً، والذي يعمل في مجال التكنولوجيا في فرجينيا، يأمل في الحصول على زيادة كبيرة من الشركة التي عمل لديها لمدة أربع سنوات. عندما عرض عليه رئيسه زيادة بنسبة 10% فقط في الراتب العام الماضي، أصيب بخيبة أمل. بدأ فونغ في التقدم بطلبات للعمل في مكان آخر، وسرعان ما حصل على عرض من شركة منافسة بزيادة 70% على راتبه.
قرر قبول خطاب العرض ووقعه. ولكن، بعد ذلك اقترح عليه صديق في العمل أن يسأل ما إذا كان صاحب العمل الحالي يمكنه دفع راتب مماثل. ولدهشة فونغ، فعلوا ذلك وبسرعة. والآن، يجني فونغ حوالي 200 ألف دولار سنوياً، بعد أن كان أجره حوالي 120 ألف دولار.
قال فونغ: "يصعب حقاً العثور على أشخاص جيدين في الوقت الحالي، والعديد من الأشخاص ينتقلون. يمتلك موظف معين الكثير من القوة إذا جعل من نفسه ذا قيمة لفريقه".
نتائج غير مشجعة
أكثر من نصف الأمريكيين بقليل طلبوا زيادة على أجورهم، وفقاً لاستطلاع "هاريس". وعندما فعلوا، لم تكن النتائج مذهلة. يقول ثلاثة أرباعهم تقريباً إن أكبر زيادة حصلوا عليها على الإطلاق كانت أقل من 50% من رواتبهم.
هذا لا يعني أنهم يتعاملون مع الأمر بمزيد من الضغوط. إذ يقول حوالي 61% إن استخدام عرض عمل من شركة أخرى لغرض وحيد هو تلقي زيادة في الراتب، هو ممارسة أخلاقية.
فعلها تريفور هاي مرتين. يجني الآن حوالي 100 ألف دولار أكثر مما كان عليه راتبه قبل ثلاثة أشهر فقط. في ذلك الوقت، شعر الشاب البالغ من العمر 30 عاماً والمقيم في ولاية واشنطن، بأنه عالق في وظيفته القديمة. يعمل في قطاع من الصناعة النووية، حيث ترتبط سنوات الخبرة بدرجة كبيرة بالراتب. يقول إن الخروج من هذا المعيار كان ليكون صعباً من دون العرض الخارجي الأول الذي حصل عليه في أوائل نوفمبر.
لقد كان دوراً جانبياً في المجال ذاته، ووعد بزيادة تقارب 30 ألف دولار. قدم هاي العرض إلى رئيسه، وسأل ما إذا كانت الشركة قادرة على رفع راتبه إلى المستوى ذاته. قدمت الشركة عرضاً قريباً، فبقي في مكانه.
مرت بضعة أسابيع على هذا الأمر، لكن سرعان ما تم إغراء هاي بوظيفة في شركة أخرى، والتي لم تقدم فقط زيادة في الراتب بنسبة 30%، ولكن أيضاً زيادة في المسؤوليات. وقدم العرض الثاني لرئيسه، الذي قال إنه لسوء الحظ، لا يمكنهم الوصول بالزيادة إلى هذا الحد.
حظ جيد
غادر هاي في يناير، وهو سعيد في وظيفته الجديدة، في شركة لا تزال تتطلع إلى توظيف المزيد من الأشخاص. ينسب حظه الجيد إلى مزيج من سوق العمل الضيق والتوقيت الجيد والاستراتيجية الثابتة. أراد زيادة في الراتب في شركته الأولى، لكنه كان يعلم أنه يجب أن يستمر في تقديم أداء جيد؛ وإلا لما حاول رئيسه الإبقاء عليه. أراد المزيد من المسؤوليات، ولذلك استمر في الحصول على المزيد من التدريب والمؤهلات لدور أعلى، وشعر بأنه جاهز منذ اليوم الأول.
قال هاي: "حصلت على الزيادة الأولى عندما أنجبت طفلي الثالث. كنت أنظر حولي، وأتساءل ماذا يمكنني أن أفعل أيضاً لكسب المزيد من المال؟ وهكذا طبقت الاستراتيجية ونجحت بشكل رائع".
الأمر لا يتعلق فقط بالأجور. فقد استخدم نيك كون عرض عمل خارجي للحصول على المزيد من المال ومزايا أفضل. بدأ حياته المهنية في شركة استشارات كمبيوتر في ريتشموند بولاية كنتاكي. بعد ست سنوات، قال إنه يأمل في الانتقال إلى منصب إداري، وأخبر رئيسه بذلك في عام 2020. لكن مع وجود علامات قليلة على أي تغييرات تطرأ على عمله اليومي، قرر الشاب البالغ من العمر 30 عاماً بحلول صيف عام 2021 أن الوقت حان لتجربة شيء آخر.
حصل كون على عرض عمل آخر لوظيفة مماثلة مع زيادة بنسبة 25% ومزايا أفضل وأربعة أسابيع إجازة مدفوعة الأجر. لكن عندما أخبر شركته بأنه سيغادر، قدموا له عرضاً مضاداً لم يستطع رفضه: قامت الشركة بمواءمة الزيادة مع الوقت، وترقيته إلى منصب إداري.
قال: "لقد كان تقدماً سريعاً في مسيرتي المهنية بحوالي ثلاث سنوات". إنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
تجربة مخيبة
أمضت نورا سيرينو أربع سنوات في العمل في "بد باث آند بيوند" (Bed Bath & Beyond) في سياتل، وترقت في النهاية إلى منصب إداري. لكنها في الثامنة والعشرين من عمرها، وأرادت شراء منزل وتحتاج إلى أكثر من راتبها السنوي البالغ 45 ألف دولار.
لذا بدأت في أكتوبر في البحث عن وظائف جديدة عبر الإنترنت، وسرعان ما عرضت عليها شركة "إكسبرس تيست" (XpresTest)، وهي شركة تجري اختبارات "كوفيد-19" في المطارات، وهي جزء من مجموعة "إكسبريس سبا" (XpresSpa Group). لقد كان منصباً إدارياً بأجر 75 ألف دولار سنوياً مع الميزات. حصلت على خطاب عرض ودليل الموظف، وكان عليها أن تباشر عملها الجديد في العاشر من يناير.
استقالت من "بيد باث آند بيوند" في ديسمبر، وأمضت عيد الميلاد سعيدة بوظيفتها الجديدة في الإدارة. اشترى شريكها ملابس العمل الجديدة الخاصة بها للقيام بدور أعلى مرتبة والذي سينقلها أخيراً من تجارة التجزئة إلى الرعاية الصحية.
تقول سيرينو: "ثم أجلوا التحاقي بالعمل".
أخبر أحد مسؤولي التوظيف سيرينو بأن تاريخ التحاقها بالعمل قد تأجل. حل العاشر من يناير وذهب، وسمعت سيرينو من مسؤول التوظيف أن المنصب بات "مغلقاً". تواصلت مع موظفي "إكسبريس تيست" (XpresTest) لكنها لم تسمع شيئاً. ولا زال الأمر على حاله حتى الآن.
ما يقلقها، عند النظر إلى عرضها، هو أنها حصلت على "عرض مشروط للتوظيف حسب الرغبة". في السطور الأخيرة من العرض، تذكر الشركة ما يلي: "يجوز لـ(إكبريس تيست) إنهاء عملك حسب الرغبة في أي وقت، بإشعار أو بدون سبب".
قالت سيرينو، التي تبحث الآن عن عمل جديد: "لقد كانت أكثر العمليات غير المهنية التي مررت بها على الإطلاق".
لم ترد شركة "إكسبريس سبا" على طلب للتعليق.
المال يتحرك
غالبية الأمريكيين طلبوا رواتب أعلى
هل قمت بأي مما يلي في حياتك المهنية؟ | أجابوا بنعم |
طلبت زيادة أو علاوة من مديرك؟ | %53 |
استخدمت عرض عمل من شركة أخرى لطلب زيادة أجر في عملك الحالي؟ | %27 |
تركت عملك عندما لم تحصل على الزيادة التي طلبتها؟ | %19 |
المصدر: مسح ميداني أجراه موقع "هاريس بول" للاستطلاعات لصالح "بلومبرغ نيوز" |
هناك مخاطر أصغر تتجاوز انهيار العرض بالكامل. أحدها هو أن صاحب العمل الحالي قد لا يكون ببساطة على استعداد لتقديم عرض مماثل، وفقاً لماغي ميستال، المستشارة المهنية والمدربة التنفيذية التي تعمل في نيويورك وفلوريدا.
قالت ميستال: "يمكنك الذهاب إلى صاحب العمل الخاص بك وإخباره بأنك تلقيت عرضاً آخر، وتطلب منه معادلته؟ قد يقول لا شكراً، يمكنك المغادرة. عليك أن تدرك حينها أن عليك الانتقال إلى وظيفة جديدة".
قد يؤدي تراكم الضغط مع وجود عرض خارجي إلى الإضرار بعلاقتك مع مديرك الحالي إذا كنت تريد البقاء في مكانك. قالت كاثرين غولاداي، رئيسة "شواب وورك بلايس فايننشال سيرفسز" (Schwab Workplace Financial Services)، إنه حتى لو قامت الشركة برفع أجرك لمعادلة العرض الخارجي، فقد ينتهي المطاف بذلك بأن يكون سلاحاً ذا حدين".
قالت: "هذا أمر رائع بالنسبة إليك، لكنهم الآن قد يعتبرونك أيضاً عرضة لخطر المغادرة في المستقبل القريب نسبياً، خلال العام أو العامين المقبلين مثلاً. يمكن أن يؤثر ذلك في مدى استعدادهم للاستثمار فيك مقابل أحد زملائك الذين قد يرون أنهم أكثر ولاءً أو أكثر قابلية للترقية".