من حرب الأفيون إلى حرب التكنولوجيا

صراع القوى بين الصين والولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
صراع القوى بين الصين والولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

- مقال رأي

الحرب التجارية التي شنها الرئيس ترامب ضد الصين والتي استحوذت على الكثير من اهتمام العالم طوال عام 2018 والتي تستمر بصورة أو بأخرى حتى تاريخه، في الحقيقة مجرد مقدمات لما قد نسميه بوادر حرب تكنولوجية بين القوتين العظميين في ظل تنافس الصين والولايات المتحدة على الهيمنة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين.

فالوسائل التي تستخدمها الحكومات للانخراط في المنافسة التكنولوجية تشبه تلك المستخدمة في الحروب التجارية، فهي تنطوي على تدخلات سياسية تؤثر على عمل الأسواق الحرة ومنها وضع ضوابط للتصدير وسلاح العقوبات.

وكما يقول لنا التاريخ فإن عام 1839 شهد رفض الإمبراطور الصيني داو غوانغ الاقتراحات بتشريع الأفيون وفرض الضرائب ليرسل رسالة مفتوحة إلى الملكة فيكتوريا يستجدي فيها مسؤوليتها الأخلاقية من أجل إيقاف تجارة الأفيون.

وردت الحكومة البريطانية في حينه على ذلك من خلال إرسال قوة عسكرية إلى الصين، وألحقت البحرية الملكية خلال النزاع سلسلة من الهزائم الحاسمة بالإمبراطورية الصينية.

ساهمت أمريكا في هذه الحرب بقوة رمزية لارتباط مصالحها مع بريطانيا، فشركاتها كانت تسهم في تجارة الأفيون, وأرادت أن تفتح أبواب الصين أمام تجارتها. لذلك وبعد انتهاء الحرب طالبت الولايات المتحدة بالحصول على نفس الامتيازات التي حصلت عليها بريطانيا، وهددت باستخدام القوة، ووافقت الصين على ذلك، وتم توقيع معاهدة وانج شيا في عام 1844م حصلت أمريكا بمقتضاها على شرط الدولة الأكثر رعاية والذي يتيح لها الحصول على نفس المعاملة التجارية للصادرات التجارية البريطانية.

موثوقية شراكة الصين في النظام الدولي

من وجهة النظر الأمريكية هناك الكثير من الشكوك حيال الصين في أن تكون شريكا موثوقا به في نظام دولي للقرن الحادي والعشرين الذي سيعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المتقدمة، والأهم من ذلك المحافظة على التفوق التكنولوجي والعسكري الأمريكي الذي هو بنظر الساسة الأمريكيين فوق أي اعتبار آخر بغض النظر عن الضرر الناتج الذي قد يلحق بالشركات الأمريكية نتيجة تلك الإجراءات العقابية المتخذة، وغالبا ما يتم إبراز حجة الدفاع عن مصالح الأمن القومي الأمريكي لتبرير التدخل الحكومي في أسواق التكنولوجيا وفرض قيود مشددة للتصدير على الموردين الأمريكيين، فالأنشطة التجارية وغيرها من أشكال التعاون (المدني) في التكنولوجيا تشكل مخاطر جسيمة (إمكانية استخدام التكنولوجيا المدنية ظاهرا للأغراض العسكرية) وحدّثت الولايات المتحدة قائمة للعقوبات حسبما ذكرت رويترز لتدرج أكثر من 90 شركة طيران صينية وشركات أخرى ذات صلة بأنشطة التصنيع العسكري واعتبار هذه الشركات كمستخدمين عسكريين نهائيين.

وتهدف الولايات المتحدة من تلك الإجراءات العقابية إلى:

١-حماية الأمن القومي الأمريكي من أخطار الاختراق الذي قد ينتج عن التعاون مع شركات التكنولوجيا الصينية

٢- تحجيم اقتصاد قطاع الطيران الحربي والمدني الصيني وبالتالي لن تستطيع الصين مزاحمة الولايات المتحدة في هذا المجال

٣- أضعاف المراكز المالية لشركات التكنولوجيا الصينية مما يقوض قدرتها على المنافسة

٤- إعطاء الشركات الأمريكية فرصا أكثر كبديل للشركات الصينية التي سيتم تقليص نشاطاتها في السوق الأمريكي نتيجة لتلك العقوبات.

وفي نهاية المطاف من الممكن أن تودي تلك العقوبات إلى إضعاف قوة التكنولوجيا الصينية الصاعدة في حال لم تجد الصين البدائل، ومنها تشجيع الابتكارات الوطنية للحاق بركب المنافسة مع النسر الأمريكي. فهل يستطيع التنين الصيني تحقيق ذلك بجهوده الذاتية.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة